السيسي.. يُوقظ حلم المتحف المصري الكبير ويبهر العالم بالافتتاح الأسطورى

خالد الطوخى - صورة
خالد الطوخى - صورة أرشيفية

- من حلم راود فاروق حسني في التسعينيات إلى إنجازٍ تحقق على يد الرئيس السيسي

- المتحف المصري الكبير شاهد على أن الإرادة المصرية لا تعرف المستحيل

- الرئيس السيسي أعاد الحياة إلى مشروع كاد أن يدفن وسط العواصف السياسية والاقتصادية

- مصر نجحت في تحويل المتحف المصري الكبير إلى رمز حضاري عالمي يليق بتاريخها وكرامتها

- المتحف المصري الكبير يروي للعالم قصة 7 آلاف عام من المجد بإرادة قائد جعل من الحلم واقعًا خالدًا

- ليست مجرد آثار تُعرض.. بل روح وطن تتحدث من خلال الحجارة والزجاج

- المتحف المصري الكبير رسالة جمال ومعرفة تُعيد لمصر مكانتها كقلب الحضارة

كنت وما زلت على قناعة تامة بأن بعض الإنجازات لا تُقاس بالأرقام أو التكاليف أو الأعوام التي استغرقتها، بل تُقاس بالروح التي وُلدت بها، وبالإرادة التي لم تسمح للحلم أن يُدفن مهما طال الطريق.

ومن بين تلك الإنجازات التي ستبقى علامة مضيئة في تاريخ هذا الوطن، يبرز المتحف المصري الكبير، الذي فتح أبوابه أخيرًا أمام العالم بعد أن ظلّ حلماً مؤجلاً لسنوات طويلة، حتى جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليُعيد إليه الحياة ويضع اسمه في سجلّ الخلود.

لقد كان لافتًا للنظر ذلك الإصرار الصادق من الرئيس السيسي على استكمال هذا المشروع الذي كاد أن يتوقف إلى الأبد ، كانت هناك فترات عصيبة، وأوضاع قهرية حالت دون استمرار العمل، وتعطلت المسيرة لأسباب خارجة عن الإرادة، فظنّ البعض أن الحلم انتهى.

لكنّ الرئيس السيسي، بطريقته التي تعودناها، لم يتعامل مع المشروع كإنشاءٍ هندسيٍّ أو مرفقٍ سياحيٍّ فقط، بل رآه مشروعًا وطنيًا يمسّ وجدان كل مصري، ورمزًا لكرامة أمة أرادت أن تُعيد صياغة صورتها أمام العالم من خلال أعظم ما تمتلكه: حضارتها.

كنت أتابع، مثل ملايين المصريين، مراحل استكمال المتحف بعد سنوات التعطّل، ورأيت كيف تحوّل هذا المشروع إلى تحدٍّ شخصي لدى الرئيس، لا يقبل فيه بالتأجيل أو التراجع.

وكأنّه كان يسمع أصوات الأجداد تهمس إليه من أعماق التاريخ، تقول له: “أكمل ما بدأناه.. نحن هنا منذ سبعة آلاف عام، ولن نُمحى من الذاكرة.”

تلك كانت الروح التي حرّكت كل حجر في هذا الصرح العظيم، وجعلت منه ليس مجرد متحف، بل شهادة على أن الإرادة المصرية قادرة على إحياء المستحيل.

عندما شاهدت مشهد الافتتاح المهيب، شعرت بأن كل لحظة تعب وسهر وجهد بذلتها أجيال كاملة لم تذهب سدى.

كان الرئيس السيسي يقف شامخًا أمام واجهة المتحف، وإلى جانبه رموز من العالم أجمع، بينما عيون المصريين في الداخل والخارج تلمع بفخر واعتزاز.

بدا المشهد وكأنه حوار صامت بين الماضي والحاضر، بين الملوك الذين بنوا الأهرامات والرجل الذي أكمل مسيرة البناء في العصر الحديث.

كان المشهد يحمل من الرمزية ما يعجز اللسان عن وصفه، وكأن التاريخ نفسه انحنى احترامًا لتلك اللحظة التي طال انتظارها.

ولأن كل حلم كبير يبدأ بفكرة، فلا بد أن نذكر بالعرفان الرجل الذي أطلق شرارة الحلم الأولى، الفنان فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق، الذي امتلك الرؤية والإيمان بضرورة إنشاء متحف يليق بعظمة الحضارة المصرية.

في أواخر التسعينيات، كانت الفكرة تبدو خيالية، لكنّه كان يرى أبعد مما نرى، ويُدرك أن ما تملكه مصر من كنوز أثرية يستحق أن يُعرض للعالم بطريقة تليق بتاريخها.

كان صاحب النظرة الشمولية التي جمعت بين الفن والإدارة، والرجل الذي أقنع القيادة السياسية آنذاك بضرورة البدء في مشروع عالمي يحمل اسم مصر إلى المستقبل.

تم وضع حجر الأساس في عام 2002، وبدأت الآلات تدور، والعمال يضعون اللبنات الأولى، لكن سرعان ما جاءت العواصف السياسية والاقتصادية لتعصف بالحلم.

توقف العمل لسنوات طويلة، وبدأ الغبار يعلو على ما بُني.

غير أنّ القدر كان يُمهّد الطريق لمرحلة جديدة، مرحلة تُعيد الاعتبار للحلم وللأرض التي أنجبته.

وعندما تولّى الرئيس السيسي مسؤولية البلاد، كان المشروع واحدًا من الملفات التي وضعها في قلب أولوياته، مدركًا أن مصر لا تكتمل صورتها إلا إذا قدّمت للعالم متحفًا يكون لائقًا بتاريخها ووجدانها.

في كل مرة كنت أمرّ بجوار الأهرامات، وأرى هيكل المتحف يقترب من الاكتمال، كنت أشعر بشيء يشبه الفخر الممزوج بالحنين.

فالمتحف لم يكن فقط مبنى من حجر وزجاج، بل هو روح تتنفس بين جدرانه.

من تصميمه المعماري الذي يطلّ على الأهرامات كأنهما يتحاوران، إلى قاعاته الواسعة التي تضم أكثر من مائة ألف قطعة أثرية، بينها كنوز الملك توت عنخ آمون التي تُعرض لأول مرة كاملة، كان كل تفصيل فيه يحكي قصة مصر.

لقد أبدع المهندسون والفنانون والعمال المصريون في تحويل التصميم إلى تحفة معمارية تشبه الحلم.

ذلك المدخل الذي يستقبلك بتمثال رمسيس الثاني كأنه يحيي الزائرين بملامح القوة والخلود، والواجهة الزجاجية العملاقة التي تعكس ضوء الشمس على الرمال الذهبية المحيطة، تجعل الزائر يشعر أن التاريخ لم يمت، بل ما زال حيًا يراقبنا من علٍ.

في كل زاوية بالمتحف تتجلّى لمسة إنسان، وعرق عامل، وجهد عالم، ودمعة فخر على إنجازٍ أعاد لمصر مكانتها المستحقة كقلب الحضارة.

الاحتفال الذي شهده العالم كله لم يكن مجرد افتتاح رسمي، بل كان لحظة ميلاد جديدة لمصر أمام أعين العالم.

تلك الإضاءات التي ملأت سماء الجيزة، وتلك الموسيقى التي امتزجت بأنفاس الفراعنة، وذلك الانبهار في عيون الحاضرين، كلها لحظات لا تُنسى.

لم يكن الحفل استعراضًا للقوة، بل رسالة رقيقة من مصر للعالم تقول فيها: “ها نحن نُعيد بناء التاريخ، لا نُقلده.”

في تقديري الشخصي، ما فعله الرئيس السيسي بهذا المشروع ليس مجرد دعم مادي أو قرار سياسي، بل هو موقف إنساني نابع من إيمانه بأن الأمم العظيمة تُقاس بما تقدمه للبشرية من معرفة وجمال.

أراد أن يترك لأجيال المستقبل إرثًا يليق باسم مصر، وأن يعيد تعريف علاقتها بالعالم من خلال رمز حضاري خالد.

فكما كان بناء الأهرامات تعبيرًا عن عبقرية المصري القديم، جاء المتحف المصري الكبير تعبيرًا عن ذكاء المصري الحديث وقدرته على مواصلة البناء رغم التحديات.

ولعلّ أجمل ما في هذا المشروع أنه يجمع بين جيلين من المبدعين؛ جيل فاروق حسني الذي حلم وزرع الفكرة، والجيل الحالى الذي رعاها وسقاها حتى أزهرت.

إنها قصة مصر كما عرفناها دائمًا، لا تموت أحلامها، بل تنتقل من يد إلى يد، ومن جيل إلى جيل، حتى تتحقق في الوقت المناسب.

وفي تلك اللحظة التي وقف فيها الرئيس ليعلن للعالم افتتاح المتحف المصري الكبير، شعرت أن مصر لا تُهدي العالم فقط آثارها، بل تُهديه روحها كلها.

كانت تلك لحظة انتصار للزمن الجميل، للعلم، وللحضارة، وللإيمان بأن الوطن يستحق دائمًا الأفضل.

لقد صار المتحف اليوم علامة فارقة في تاريخ الثقافة الإنسانية، ومنارة للعلم والمعرفة، ومصدر إلهام لكل من يؤمن بأن الجمال يمكن أن يكون رسالة أمة.

وعندما يتجوّل الزائر في أروقته، ويقف أمام مومياء فرعون أو قطعة ذهبية من مقبرة ملك، يشعر بأن الزمن ينحني احترامًا لمصر التي لا تزال تكتب التاريخ.

ربما يمكنني القول في النهاية إن المتحف المصري الكبير ليس فقط هدية مصر للعالم، بل وعدها له بأنها ستبقى أرض الحضارة التي لا تعرف الانكسار، وأمّ التاريخ التي تُعيد الحياة لكل ما هو خالد.

إنه مشروع كتب فصلاً جديدًا في كتاب الإنسانية، وخلّد في كل جدار فيه اسم رجلٍ آمن أن مصر تستحق أن تظل في الصدارة دائمًا.

الصفحة الخامسة  من العدد رقم 437 الصادر بتاريخ  6 نوفمبر 2025

 

تم نسخ الرابط