موسم عيد "الأضحى السينمائي" يرفع الراية البيضاء

- عرض فيلمين فقط يدق "ناقوس الخطر" على مستقبل الصناعة
- منافسة قوية بين "المشروع إكس" و"ريستارت" على الإيرادات بموسم عيد الأضحى
- السينما المصرية في مفترق طرق.. والأزمات تهدد مجدها التاريخي
تنتابني مشاعر الحزن والخذلان كلما نظرت إلى حال السينما المصرية، التي كانت يوما ما منارة الفن العربي وركيزة القوة الناعمة في المنطقة، فإذا بها اليوم تتراجع خطوة بعد أخرى، حتى كادت تفقد مكانتها وريادتها، هذه الصناعة العريقة، التي أبهرت العالم بأفلامها وروادها، تحولت إلى ظل باهت لما كانت عليه، فلم نعد نرى الزخم ولا التنوع ولا حتى الحد الأدنى من المنافسة الحقيقية.
وللأسف الشديد أصبحت السينما المصرية، وكأنها مجرد ذكرى عالقة في وجدان من عايشوا أجيال الكبار، حيث تحولت شاشات العيد إلى مرآة عاكسة لأزمة حقيقية تهدد مستقبل الفن السابع في مصر، بعدما اقتصر موسم عيد الأضحى 2025 على فيلمين فقط، في سابقة لم يشهدها تاريخ السينما المعاصرة، إذ كانت السينما المصرية تعد أحد أبرز ملامح احتفالات عيد الأضحى، بما تحمله من تنوع إنتاجي ومنافسة فنية محتدمة بين نجوم الصف الأول، فقد جاء موسم 2025 يحمل مشهدا باهتا يُثير القلق، فبدلًا من الزخم المعتاد الذي كانت تزدحم به شاشات العرض، يطل علينا الموسم بفيلمين فقط، في تراجع غير مسبوق قد يحمل في طياته دلالات أعمق على حالة صناعة السينما ككل، هذا الانكماش المفاجئ لا يعكس فقط أزمة إنتاجية، بل يكشف عن خلل متنامٍ في منظومة السينما المصرية، التي لطالما كانت مصدر إبداع وترفيه وثقافة في العالم العربي.
واقتصر الموسم الكبير هذا العام على فيلمين فقط هما "المشروع إكس" بطولة كريم عبد العزيز، وياسمين صبري، تأليف وإخراج بيتر ميمي، ويشاركه في كتابة السيناريو أحمد حسني، ويشارك به إياد نصار، أحمد عز، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من ضيوف الشرف، على رأسهم: ماجد الكدواني، كريم محمود عبد العزيز، وهنا الزاهد، وتدور أحداث الفيلم حول "يوسف الجمال"، عالم مصريات يجسده كريم عبد العزيز، ينطلق في رحلة محفوفة بالمخاطر لكشف أسرار الهرم الأكبر وما إذا كان مجرد مقبرة أم يحمل أسرارًا أخرى تتعلق بمصادر الطاقة، وفيلم "ريستارت" بطولة تامر حسني وهنا الزاهد، ويضم عددًا من الفنانين منهم باسم سمرة، محمد ثروت، عصام السقا، ميمي جمال، رانيا منصور، وضيوف الشرف إلهام شاهين، محمد رجب، شيماء سيف، وأحمد حسام ميدو، والفيلم من تأليف أيمن بهجت قمر، وإخراج سارة وفيق، وتدور أحداث "ريستارت" حول شخصية محمد، فني صيانة هواتف محمول يعيش حياة عادية قبل أن يجد نفسه فجأة في قلب معركة غير متوقعة مع عالم الشهرة الرقمية، تحت تأثير شخصية تُدعى "الجوكر"، وكيل رقمي يستغل طموح الشباب للانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يبدأ محمد رحلة تحول كلي في شخصيته وسلوكياته، حتى يجد نفسه مضطرًا إلى إعادة تشغيل حياته – بالمعنى الحرفي والرمزي – بعد أن يكتشف الزيف الذي كان يعيشه، ويقدم الفيلم رؤية اجتماعية معاصرة تنتقد هوس الترند، وتسأل بشكل مباشر: من نحن وسط هذا الضجيج الرقمي؟ ومن نكون حين نُترك وحيدين بعد أن يخفت الضوء الإلكتروني؟
وحقق النجم تامر حسني نجاحًا جماهيريًا كبيرًا بفيلمه الجديد "ريستارت"، محققًا إيرادات ضخمة تعكس جماهيريته الواسعة وحضوره القوي في موسم عيد الأضحى. ويواصل تامر حسني تأكيد مكانته كواحد من أبرز نجوم الشباك في السينما المصرية، بفضل اختياراته الفنية التي تجمع بين الترفيه والرسائل الإنسانية.
وللحق فإن الموسم السينمائي لعيد الأضحى لطالما كان أحد أقوى المواسم في خريطة الإنتاج السينمائي، ويُعول عليه صناع السينما لتحقيق إيرادات ضخمة، لكنه هذا العام جاء خاليا من الزخم، مما يثير تساؤلات عديدة حول أسباب هذا التراجع، ومن أبرز تلك الأسباب ما يواجهه القطاع من تحديات، أبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج، وانكماش دور شركات الإنتاج الكبرى، إلى جانب الأزمات التسويقية والتوزيعية، وضعف الكتابات السينمائية الجديدة القادرة على جذب جمهور واسع، وأزمة السينما لم تعد فنية فقط، بل أصبحت أزمة اقتصادية متكاملة، فغياب المنافسة في موسم كبير مثل عيد الأضحى لا يعني فقط انخفاضًا في عدد التذاكر المبيعة، بل يمتد أثره إلى المئات من العاملين في المجال، من ممثلين وفنيين وتقنيين وعمال، يعتمدون في أرزاقهم على دوران عجلة الإنتاج، كذلك فإن قلة العروض تُضعف من حيوية دور العرض السينمائية التي تعاني أصلاً من التحديات الرقمية والتغيرات في عادات المشاهدة، هذا التراجع لا يجب أن يقرأ باعتباره أمرا عابرا أو موسما استثنائيًا، بل هو مؤشر على أزمة أعمق تستدعي تدخلًا من كافة الجهات المعنية، سواء من الدولة لدعم الصناعة وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين، أو من داخل الوسط الفني نفسه، من خلال ضخ دماء جديدة في مجالات الكتابة والإخراج والإنتاج.
السينما المصرية التي كانت رائدة لعقود في العالم العربي، بحاجة ماسة الآن إلى وقفة جادة لإعادة تقييم المسار، وبحث سبل استعادة بريقها، فاستمرار هذا الانكماش الإنتاجي في مواسم العيد، ينذر بفقدان الريادة وتراجع التأثير، وهي خسارة لا تقتصر على الشاشات فقط، بل تمتد لتطال الهوية الثقافية والحضور المصري في المشهد الإقليمي، خاصة أن الإنتاج السينمائي في مصر يشهد تراجعا ملحوظا خلال الفترة الأخيرة، حيث باتت معدلات إنتاج الأفلام السنوية في انخفاض مستمر، مقارنة بما كان عليه الحال قبل عقد من الزمن، وفي المقابل، لجأ عدد كبير من نجوم الصف الأول إلى الدراما التلفزيونية، التي باتت توفر لهم مساحة أوسع من الانتشار والنجاح المضمون، خاصة في ظل الطفرة الإنتاجية التي تشهدها المسلسلات، هذا التحول ساهم في إضعاف الحالة السينمائية، إذ فقدت دور العرض بريقها بغياب الأسماء اللامعة التي كانت تمثل قوة جذب رئيسية للجمهور، ما عمّق من أزمة الصناعة، وجعل من الضروري إعادة النظر في آليات الإنتاج السينمائي ودعمه.
لقد أصبح من الواضح أننا نواجه أزمة حقيقية ومعقدة في صناعة السينما المصرية، أزمة لا تقتصر على موسم ضعيف أو إنتاج محدود، بل تمتد جذورها إلى أعماق المنظومة الفنية والإنتاجية، من ضعف السياسات الداعمة، إلى غياب الرؤية الاستثمارية، مرورًا بتراجع مستوى الكتابة، وغياب المغامرة الفنية، وهروب النجوم إلى الدراما التلفزيونية، مما أفرغ الساحة السينمائية من التنافس الحقيقي الذي كان ينعش السوق ويشعل خيال الجمهور، هذه الأزمة لم تأت بين ليلة وضحاها، بل هي نتيجة تراكمات استمرت لسنوات، بدأت بتغليب منطق الربح السريع على الجودة، وغياب التخطيط طويل الأمد لمستقبل السينما كصناعة قومية، قادرة على تحقيق مكاسب اقتصادية، وصياغة وعي جمعي، وتشكيل وجدان الأجيال، لكن ورغم كل هذا التراجع، فإن الأمل لا يزال ممكنًا، والعودة ليست مستحيلة، بشرط أن تكون هناك إرادة حقيقية لإعادة ترتيب الأوراق، وإطلاق مشروع قومي شامل لإحياء السينما المصرية، مشروع يعيد الاعتبار لقيمة الفن ودوره، ويشجع الاستثمار الذكي، ويحتضن المواهب الجديدة، ويعيد للجمهور ثقته في الشاشة الكبيرة.
إننا لا نتحدث عن رفاهية أو ترف فني، بل عن صناعة حيوية تمثل أحد أهم وأعمق مكونات القوة الناعمة لمصر، تلك القوة التي طالما صنعت حضورا عالميا، ورسخت صورة مصر كبلد الثقافة والفن والريادة، إن إحياء السينما المصرية ليس مجرد خيار فني، بل هو واجب وطني، يجب أن ننهض جميعًا لتحقيقه، بكل ما نملك من دعم ومساندة وإيمان بأن الفن الرفيع هو مرآة حضارتنا وأحد مفاتيح المستقبل.

- موسم
- محمد فودة يكتب
- ادا
- احتفال
- يكشف
- توفر
- مصر
- عامل
- يوم
- محمول
- السينما المصرية
- القــــــوة النـــاعـــــمــــة
- شخص
- الفنان
- سينما
- الاعلامى محمد فودة
- داخل
- الصناعة
- العالم
- فيلم
- مقبرة
- الفن
- اخبار محمد فودة
- اقتصاد
- الاستثمار
- درة
- مقالات الاعلامى محمد فودة
- منطقة
- فلم
- هنا الزاهد
- فقدان
- باسم سمرة
- اليوم
- فيل
- محمد فودة
- ثقافة
- دور العرض
- الشباب
- النجاح
- تفقد
- حملة
- اجتماع
- الازمات
- ملك
- مشروع
- مسلسل
- عالق
- الدول
- الهرم
- المصري
- افلام