« لا تحرجوهم ولا تختبروهم».. لماذا رفض المصريون قانون الإيجار القديم؟.. وكيف تتصرف الدولة؟

- هل ستتوصل الحكومة إلى حل وسط بين الطرفين؟.. وماذا يفعل مجلس النواب في الملف؟
- الطرد يهدد ملايين الأسر بعد انتهاء العلاقة الإيجارية.. وهل يكون السكن البديل حلًا للأزمة؟
في بلدٍ تتداخل فيه الحقوق مع الحاجة، ويُصبح السكن مسألة بقاء لا مجرد رفاهية، تقف قضية "الإيجار القديم" كواحدة من أكثر الملفات تعقيدًا وإثارة للجدل في المجتمع المصري.
فكلما طُرح مشروع لتعديل القانون، انتفضت الملايين بين مؤيدٍ يطالب برد الحقوق، ومعارضٍ يخشى من أن يُلقى به وأسرته إلى الشارع بلا مأوى.
واليوم، وبين مطرقة أصحاب العقارات الذين يرون في القانون ظلمًا تاريخيًا، وسندان المستأجرين الذين يتوارثون السكن كحق مكتسب، يعود القانون المسمّى شعبياً بـ"القانون القنبلة" إلى واجهة النقاش السياسي والاجتماعي مجددًا.
ورغم المحاولات المتكررة لإعادة التوازن إلى العلاقة بين المالك والمستأجر، فإن أي تغيير محتمل يثير عاصفة من الأسئلة والتوجسات، لا سيما مع ما يحمله من تداعيات اجتماعية واقتصادية وأمنية.
فما الذي يجعل هذا القانون مستعصيًا على الحسم؟ ولماذا قال الشعب "لا" حين لاحت بوادر تعديله؟ وما موقف الحكومة والبرلمان من هذه الأزمة المزمنة؟
قانون الإيجار القديم هو تشريع يعود إلى منتصف القرن الماضي، حين كانت الدولة تتدخل بقوة في تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر لضمان "العدالة الاجتماعية"، خاصة في ظل ظروف اقتصادية صعبة أعقبت الحروب والتغيرات السياسية.
وعلى مدار العقود، تم تعديل القانون أكثر من مرة، لكن المبدأ الأساسي ظل قائمًا: تثبيت القيمة الإيجارية وعدم جواز طرد المستأجر.
لكن هذا القانون – وفقًا لرؤية الملاك – تحوّل إلى قيدٍ مزمن، حيث يعيش مستأجرون في شقق ومحال بمبالغ زهيدة لا تتجاوز أحيانًا جنيهات معدودة شهريًا، في حين يُحرم المالك من الاستفادة الحقيقية من ملكه.
أخطر بنود القانون كما يراها الملاك:
• الإيجار مدى الحياة للمستأجر، وفي بعض الحالات، يمتد التعاقد لأبنائه وأحفاده.
• عدم جواز زيادة القيمة الإيجارية إلا بنسب ضئيلة جدًا.
• حظر طرد المستأجر حتى لو امتنع عن الدفع لفترات طويلة.
• استحالة استرداد العين المؤجرة إلا بشروط قانونية معقدة.
أما المستأجرون، فمطالبهم تتركز في:
• الحفاظ على الاستقرار السكني وعدم التعرض للطرد القسري.
• التأكيد على أن القيمة الإيجارية المنخفضة ليست "سرقة" بل نتاج اتفاق قانوني في وقت سابق.
• رفض أي تعديل دون توفير بدائل حقيقية للسكن.
• التحذير من تحوّل آلاف الأسر إلى الشارع، ما يهدد السلم الاجتماعي.
أمام هذا الانقسام المجتمعي الحاد، تجد الحكومة نفسها في موقف لا تُحسد عليه.
فهي مطالبة بإقرار "عدالة تشريعية" تعيد الحقوق لأصحابها، وفي الوقت ذاته مسئولة عن الحفاظ على "السلم الاجتماعي" ومنع تفجير أزمة إنسانية.
الحلول المطروحة حتى الآن تراوحت بين:
• التدرج في تحرير العلاقة الإيجارية: أي وضع جدول زمني لرفع القيمة الإيجارية تدريجيًا خلال عدة سنوات (5 – 10 سنوات مثلًا).
• قصر امتداد العقد على الجيل الأول من المستأجرين.
• دراسة حالات المستأجرين اجتماعيًا: وفصل المستحقين للدعم عن القادرين على دفع قيمة عادلة.
• تشجيع الصلح بين الطرفين بموجب حوافز قانونية.
في المقابل، مجلس النواب أعلن أنه يناقش مشروع قانون جديدا للإيجار القديم، لكنه يراعي فيه البُعد الاجتماعي، ويحاول الابتعاد عن الصيغة الصدامية.
كما أكد بعض أعضاء البرلمان أن القانون لن يُطبق بأثر رجعي، وأنه لا يستهدف "تشريد" أحد، بل يسعى لإقرار توازن معقول.
لكن حتى الآن، لم يخرج القانون إلى النور، ما يثير الشكوك حول مدى قدرة المجلس على تمريره في ظل الرفض الشعبي الواسع لأي خطوة تُفهم على أنها تهدد الاستقرار السكني.
بحسب تقديرات غير رسمية، يعيش في مصر ما بين 3 و4 ملايين أسرة في مساكن خاضعة لقانون الإيجار القديم، سواء كانت وحدات سكنية أو محالا تجارية.
أي تغيير مفاجئ في القانون قد يُعرض هذه الأسر للطرد القسري، أو لابتزاز بعض الملاك الذين قد يلجأون إلى التضييق على المستأجرين لإجبارهم على الرحيل.
ورغم أن الحكومة تلوّح بفكرة "السكن البديل"، فإن هذا الطرح يظل حتى الآن نظريًا أكثر منه واقعيًا. إذ أن:
• عدد الوحدات السكنية المتاحة للإحلال لا يكفي لتغطية ملايين الحالات.
• تكاليف بناء السكن البديل تمثل عبئًا هائلًا على ميزانية الدولة.
• لا توجد آلية واضحة لكيفية فرز المستحقين وإدارة الانتقال دون خلق فوضى.
ومع غياب منظومة دعم سكني متكاملة، يصبح "السكن البديل" حلًا مؤجلًا لا حاضرًا، ولا يمكن الرهان عليه كوسيلة لإغلاق ملف الإيجار القديم بشكل عاجل.
إن أزمة الإيجار القديم تمثل معضلة دستورية وحقوقية شديدة التعقيد. ففيما يخص الجانب الدستوري، يضمن الدستور المصري الحق في السكن المناسب لكل مواطن، ما يضع الحكومة في موقف حساس، حيث إن أي قانون قد يهدد استقرار ملايين الأسر ويدفعهم إلى الشارع قد يتعارض مع هذا الحق.
من جهة أخرى، تشدد بعض التفسيرات القانونية على ضرورة إعادة التوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين لضمان العدالة والملكية الخاصة، وهو ما يجعل حل هذا الملف معقدًا.
إذا نظرنا إلى دول أخرى، فسنجد أن أغلبها قد سلكت نهجًا مختلفًا في التعامل مع قوانين الإيجار.
في دول مثل ألمانيا وفرنسا، تم تعديل قوانين الإيجار القديم تدريجيًا ووفقًا لخطط طويلة المدى تضمن الاستقرار الاجتماعي، دون المساس بحقوق المستأجرين الأساسية.
كما أن دولًا أخرى، مثل الولايات المتحدة، تنتهج نهجًا مرنًا يسمح بزيادة الإيجارات بشكل سنوي بنسبة معينة، دون أن تمس استقرار السكن إلا في حالات استثنائية.
المجتمع المدني في مصر، بما في ذلك النقابات العمالية ومنظمات حقوق الإنسان، يظهر موقفًا متباينًا حيال هذا الملف.
بعض المنظمات تدافع عن حقوق المستأجرين، مؤكدة أن أي تعديل في القانون يجب أن يضمن حماية الفئات الأكثر فقراً وذات الدخل المحدود.
بينما يرى البعض الآخر أن استمرار الوضع كما هو عليه يعني تعميق الأزمة الاقتصادية للملاك، ما يشجع على تفشي الفساد في قطاع العقارات.
إذا تم تعديل القانون، فإن أول السيناريوهات المتوقعة هو أن تتعرض ملايين الأسر للطرد، ما قد يؤدي إلى انتشار أزمات اجتماعية وصحية.
في المقابل، إذا استمر الوضع الحالي، فسيظل الوضع غير مستقر، ويؤدي إلى استمرار المظالم الاجتماعية، مما قد يزيد من حالة الاستقطاب بين مختلف فئات المجتمع.
قضية الإيجار القديم في مصر ليست مجرد خلاف قانوني بين مالك ومُستأجر، بل مرآة تعكس هشاشة البنية التشريعية، وفقر أدوات العدالة الاجتماعية، وتردد الدولة في مواجهة الملفات الصعبة.
وبين حقوق الملاك المنهوبة، وهواجس المستأجرين المشروعة، يظل الطريق إلى الحل محفوفًا بالتحديات.
لكن إذا أرادت الدولة أن تطوي صفحة هذا الملف نهائيًا، فعليها أن تضع خطة متكاملة، تجمع بين التشريع العادل، والحماية الاجتماعية، والتمويل الممنهج لحلول الإسكان البديل.
لأن بقاء الوضع كما هو عليه لم يعد خيارًا، لكن تغييره دون حسابات دقيقة قد يفتح أبوابًا لأزمات أكبر.
وفي النهاية، يقول الشعب "لا" حين يشعر بأن التغيير سيأتي على حساب أمنه واستقراره، لا من أجل العدالة، بل من أجل مصالح فئة على حساب أخرى.
ويبقى السؤال مفتوحًا: متى تتوافر الإرادة السياسية الحقيقية لإغلاق هذا الملف، دون خسائر فادحة؟!

- الشعب يقول لا
- اليوم
- العقارات
- النقاب
- خلاف
- عاجل
- اقتصاد
- البرلمان
- النواب
- الاقتصاد
- يوم
- الدول
- استقرار
- ملك
- المصري
- مجلس النواب
- أخبار محمود الشويخ
- قطاع العقارات
- سرت
- طالب
- درة
- قضية
- خسائر
- لا تحرجوهم ولا تختبروهم
- عامل
- اجتماع
- الحكومة
- قانون
- محمود الشويخ يكتب
- ملفات
- عقارات
- مطروح
- فرنسا
- محمود الشويخ
- طالبة
- جدول
- سرقة
- مطالب
- كرة
- مقالات محمود الشويخ
- داخل
- ارض
- عقار
- قرار
- صرف
- منع
- اول
- مشروع
- حملة
- مصر