هذه رسالتي إلى شيرين عبد الوهاب
- عودي إلى جمهورك فصوتك لا يليق به الصمت
- الجمهور ما زال وفيا لك وينتظر رجوعك بفارغ الصبر
- عودتك نداء من قلوب لا تزال تؤمن بصوتك المصري الأصيل
- سلطانة الطرب.. تملك صوتا شجيا ومتفردا بأداء كل المقامات الموسيقية
- تمتلك قدرات خاصة في الغناء وتجمع بين زمن الفن الجميل وحداثة الفن المعاصر
- شيرين عبد الوهاب.. الأغنية التي لا يجب أن تنتهي
حينما يغيب صوت مثل صوت شيرين عبد الوهاب أشعر بأن هناك فراغا لا يملأه أحد، وأن الفن فقد صوته الأكثر دفئا وصدقا، وأنا هنا لا أكتب من موقع الكاتب أو الناقد أو المتابع العادي، بل من موقع المحب الحقيقي، الإنسان الذي يرتبط بصوتها بعمق لا يفسره المنطق، بل تحركه العاطفة وصدق الإحساس، وعلى الرغم من كل ما حدث للنجمة شيرين عبد الوهاب من تخبط خلال الفترة الأخيرة فإنني مازلت أراها ظاهرة فنية نادرة تعبر عن حال مشاعرنا، صوتها ليس ككل الأصوات، فيه بحة من الحنين، ودفء من الأمومة، وصدق لا يحتاج إلى تفسير، وحين تغني، لا تؤدي أغنية بل تعيشها ولهذا نعيشها نحن معها.
والحق يقال كنت كلما التقيتها شعرت وكأنني أعرفها لأول مرة، فهي متجددة دائماً وحريصة كل الحرص على تطوير نفسها والبحث عن أشكال جديدة من الغناء لتُمتع به جمهورها الذي أحبها ووقف إلى جوارها منذ بداية ظهورها وظل يدعمها ويشجعها حتى أصبحت في الصفوف الأولى بين نجوم الغناء، ومازلت أتذكر بدايات شيرين، حين دخلت إلى قلوب الناس بلا استئذان، بصوتها العذب وكلماتها التي تخرج كما لو كانت من أعماق القلب.
كانت دائماً مختلفة لا تشبه أحدا.. كانت البنت المصرية الأصيلة، التي تجمع بين الحنان والقوة، وبين البساطة والموهبة المتفجرة، لم تصعدي على أكتاف الآخرين، بل شققت طريقك بعرقك، وفرضت حضورك بأعمالك، وتربعت على عرش الغناء العربي بإحساسك وحده.
إنني أكتب رسالتي اليوم إلى شيرين عبد الوهاب بعدما مررت بما مرت به من أزمات شخصية وعائلية، لا أكتب لأذكرك بالماضي، بل لأطلب من القلب أن يعود، عودي إلينا، عودي لفنك، لجمهورك الذي لم يخذلك، والذي ظل يردد أغنياتك حتى في غيابك، نحن نعلم كم كانت الأيام قاسية، وكم عانيت، لكننا نؤمن بأنك أقوى من الألم، وأنك قادرة على أن تعودي، لا كما كنت، بل أقوى، أعمق، وأنضج، لقد غبت كثيرا، وافتقدنا نبرة صوتك التي لا يعلو عليها شيء حين تغنين، ولا شيء يعادل شجي إحساسك حين تلامسين أوتار القلب بكلمات الحب والحنين، عودي يا شيرين؛ لأنه لا أحد يملأ مكانك، كثيرات يغنين، لكن قلة قليلة تشبهك، عودي؛ لأن صوتك هو الشيء الوحيد القادر على لم شتاتنا في هذا الزمن الذي لا يعرف شيئا عن الطرب؛ ولأن ما تمنحينه من دفء، لا تمنحه آلات ولا تقنيات، بل تمنحه روحك الصادقة التي تخرج في كل نغمة.
أشعر بحزن حقيقي كلما طالت غيبة شيرين عبد الوهاب، ليس فقط؛ لأنها غابت عن الساحة الفنية، بل؛ لأنها غابت عن قلوب اعتادت على دفء صوتها وصدق إحساسها، غيابها يترك فراغا لا يملؤه أحد، فهي ليست مجرد فنانة تطرح بديلا لها في كل موسم، بل هي صوت مختلف يحمل بصمة إنسانية نادرة لا تقلد، المؤلم أن هذا الاختفاء لا يضر أحدًا بقدر ما يضر شيرين نفسها؛ لأنها صنعت مجدها من الموهبة والعطاء، لا من الغياب والتردد، وابتعادها الطويل يطفئ توهج نجم لطالما أضاء سماء الغناء العربي، أما جمهورها، ذلك الجمهور الذي لم يتخل عنها رغم كل العثرات، فما زال ينتظرها بمحبة وحنين، يردد أغانيها القديمة، ويحتفظ لها بمكان لا ينافسه أحد، إنها حالة نادرة من الوفاء لفنانة استثنائية، والحق يقال إن شيرين لا تملك جمهورا فقط، بل قلوبا آمنت بها، وبكت معها، وفرحت لها، وما زالت تنتظر منها لحظة صدق جديدة تعيدها إلى مكانها الطبيعي فوق القمة.
والحق يقال شيرين عبد الوهاب ليست مجرد فنانة عابرة في سجل الغناء العربي، بل موهبة حقيقية نادرة ظهرت في زمن كانت فيه الساحة تفتقد الأصوات الصادقة والموهبة الأصيلة، وفي وقت عمّت فيه الضوضاء وساد فيه الزيف، جاءت شيرين كنسمة صافية، بصوت يعبر عن وجدان الناس، ويلامس مشاعرهم بصدق غير متكلف، فأحبها الجمهور؛ لأنها غنت لهم وعنهم، شيرين لم تبن مجدها على ضجة مفتعلة أو استعراض، بل صنعت تاريخا غنائيا صلبا بأغانٍ باقية حفرت مكانها في ذاكرة المستمع العربي، لذلك لا أتردد في أن أقولها بصوت عالٍ: عودي يا شيرين إلى جمهورك الذي ما زال ينتظرك كما لو أنك لم تغيبي يوما، عودي؛ لأنك صوت مصر الحقيقي، صوت يحمل ملامح هذه الأرض ووجعها وحنانها وفرحها، صوت يقف وحده في مواجهة طوفان التزييف الذي يطل علينا صباحا ومساء، غيابك خسارة للغناء، وخسارة للذوق، والأمل معقود عليك أن تنتصري على الغياب، وتعودي لتمنحي الفن شيئًا من روحه التي كادت تذبل.
وحينما أستعيد المسيرة الفنية لشيرين عبد الوهاب، تتشكل أمامي صورة بانورامية مدهشة لفنانة استثنائية مرّت بمحطات فارقة صنعت منها أحد أهم الأصوات في تاريخ الغناء العربي المعاصر، كانت البداية منذ الطفولة، حين لمح أستاذ الموسيقى في مدرستها الابتدائية ذلك الصوت الطفولي العذب، فأدرك أنه أمام موهبة نادرة، وبإصراره، أقنع والديها بإلحاقها بدار الأوبرا المصرية، وهناك، وسط الكبار، وقفت شيرين الصغيرة تغني بثقة الكبار من سن التاسعة وحتى الثانية عشرة، صقلها هذا العالم، وفتحت الأوبرا أمامها أبوابًا للقاء عمالقة الموسيقى من ملحنين ومؤلفين، وهو ما شكّل أساسًا قويًا لما هو قادم، لكن الشرارة الحقيقية انطلقت عندما تعاقدت مع شركة "فري ميوزيك"، لتبدأ مرحلة الاحتراف.
أول ظهور لها جاء من خلال "دويتو" مع الفنان محمد محيي، لكن التحول الكبير كان في عام 2002، عندما طرحت مع تامر حسني ألبوم "فري ميكس 3"، الذي اجتاح الأسواق، وحقق أرقام مبيعات قياسية، ليصعد بالثنائي إلى مصاف النجومية، ثم جاءت "آه يا ليل"… الأغنية التي انفجرت في وجدان الناس، وحفرت اسم شيرين في قلوب الملايين.
كانت تلك الانطلاقة الكبرى التي فتحت لها أبواب المجد الفني، وتوالت بعدها النجاحات، من ألبومات إلى أغانٍ فردية صنعت كل منها حالة فنية خاصة.
إن ما يميز شيرين عبد الوهاب ليس فقط خامة صوتها الفريدة، بل تلك القدرة النادرة على ملامسة القلوب دون استئذان، هي فنانة تجعلك تشعر بأن كل كلمة تغنيها صادقة وكأنها كتبت من أعماقها، لا مجرد أداء مدروس، حين تغني عن الحب، تصدقها فورا، وحين تشدو بالحزن، يأخذك وجعها إلى ذكرياتك أنت، تملك حسا فنيا عاليا يجعلها تختار أعمالها بعناية، لا تسعى للكثرة، بل للخلود، ولهذا بقيت أغانيها في الوجدان، ولم تستهلك رغم مرور السنين.
شيرين ليست فقط مطربة ناجحة، بل حالة إنسانية تفيض بالمشاعر، ولهذا تعاطف الجمهور معها في أزماتها، وقف إلى جوارها حين تعثرت، وانتظر عودتها كلما غابت، فنانة بهذا العمق والصدق لا يمكن الاستغناء عنها، لأنها لا تملأ فراغا فنيا فقط، بل عاطفيًا أيضا.
وفي زمن يعجّ بالأصوات المتشابهة، تبقى شيرين صوتًا متفرّدًا، يحمل طابعًا مصريًا خالصًا، ويعيد تعريف معنى الإحساس في الغناء، شيرين لم تكن فقط موهبة غنائية، بل قصة كفاح، وصوتا يحمل بين طبقاته مزيجا نادرا من الحنين، والجرح، والفرح، والصدق، عودي لتكوني صوت الأمل في وقت نحتاج فيه بشدة لمن يغني للفرح والحياة، عودي؛ لأن صوتك بات حاجة إنسانية في زمن القسوة، وحنينا جميلا نبحث عنه في زحمة الحياة، عودي، فكلنا ما زلنا نناديك.. وكلنا ما زلنا ننتظر.




