اللواء عــــادل حسنين.. حكايــــــــــــــــــــــــة أسطورة جعل السماء مصرية

الشورى

- أول من أسقط الفانتوم.. البطل الذي أرعب الطيران الإسرائيلي

- حين قال موشيه ديان: لا اقتراب من القناة.. لأن هناك رجالًا مثل حسنين

- حائط الصواريخ.. المعجزة التي صنعها بطل من ذهب

في سجل البطولات المصرية، تبقى أسماء خالدة لا يطويها الزمن، رجال عاشوا لحظة المجد وكتبوا سطورًا من نور في تاريخ الأمة.

من بين هؤلاء الأبطال الذين حملوا على عاتقهم شرف الدفاع عن الوطن، يبرز اسم اللواء أركان حرب محمد عادل حسنين، أحد أعمدة قوات الدفاع الجوي وأحد قادة حائط الصواريخ، وصقر من صقور أكتوبر الذين غيّروا معادلة القوة في الشرق الأوسط إلى الأبد.

الراحل البطل اللواء أركان حرب محمد عادل حسنين

كان اللواء محمد عادل حسنين من جيل الرجال الذين لم يعرفوا المستحيل، جيل آمن بأن النصر لا يُمنح بل يُنتزع، وبأن شرف العسكرية المصرية لا يُشترى إلا بالعرق والدم والإيمان.

لم يكن مجرد ضابط في قوات الدفاع الجوي، بل كان رمزًا للذكاء العسكري والإصرار والقدرة على التحدي.

الصقر الذي أرعب العدو

في يوم خالد من أيام التاريخ المصري، استطاعت قوات الدفاع الجوي أن تسجل لحظة لا تُنسى في ذاكرة الحرب، حين أسقطت طائرة إسرائيلية من طراز «فانتوم» - أقوى طائرات العدو آنذاك.

كانت تلك اللحظة نقطة تحول في الصراع العربي - الإسرائيلي، إذ انهارت معها أسطورة «السماء المفتوحة» التي طالما تباهت بها إسرائيل.

وكان أول من أسقط تلك الطائرة هو الرائد محمد عادل حسنين، الذي دوّى اسمه في أرجاء الجبهة، ليس فقط لأنه أسقط الفانتوم الأولى، بل لأنه أسقط بعدها تسع طائرات أخرى من طرازات مختلفة، بينها «سكاي هوك» و«ميراج»، محققًا سجلًا استثنائيًا من البطولات، ليتوج بعد ذلك بأرفع وسام عسكري تمنحه مصر لأبطالها: نجمة الشرف العسكرية، ووسام نجمة سيناء، ثم نوط الشجاعة من الطبقة الأولى.

كان حسنين واحدًا من الضباط الذين غيروا مجرى المعركة.

لم يكن إسقاط الطائرة مجرد عمل بطولي، بل رسالة واضحة بأن مصر استعادت قوتها وكرامتها، وأن الدفاع الجوي المصري أصبح قادرًا على حماية سماء الوطن من أي اختراق.

لم يكن أمام العدو سوى الاعتراف بالهزيمة الجوية.

حتى إن موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، أصدر أوامره الشهيرة إلى طياريه قائلًا: "ممنوع اقتراب الطائرات الإسرائيلية لمسافة 15 كيلومترًا من قناة السويس.".

الراحل البطل اللواء أركان حرب محمد عادل حسنين

حائط الصواريخ.. المعجزة العسكرية

لكن قبل أن يأتي نصر أكتوبر، كانت هناك معركة أخرى لا تقل أهمية، هي معركة بناء حائط الصواريخ، التي قادها رجال الدفاع الجوي بقيادة ضباط مؤمنين بعدالة قضيتهم.

كان محمد عادل حسنين أحد أبرز هؤلاء القادة الذين خططوا ونفذوا هذا المشروع العملاق، الذي شكّل العمود الفقري لحرب أكتوبر المجيدة.

استغرق بناء حائط الصواريخ 40 يومًا فقط، لكنها كانت أربعين يومًا من النار والدماء والتحدي.

ففي الوقت الذي كانت إسرائيل تسيطر فيه جوًّا بطائراتها الفانتوم والميراج، كان جنود مصر يبنون الجدار الحامي تحت القصف المتواصل.

سقط المئات من العمال والفنيين شهداء، لكن المشروع اكتمل، وأصبح الدرع الواقي الذي حرم العدو من ميزة التفوق الجوي.

ضم الحائط مجموعات متكاملة من المدفعية المضادة للطائرات ووحدات الصواريخ وأجهزة الرادار والإنذار المبكر، إضافة إلى مراكز القيادة والسيطرة التي ربطت بين جميع وحدات الدفاع الجوي.

وقد وُضع المخطط بناءً على رؤية عبقرية اعتمدت على مبدأ «الزحف البطيء»؛ حيث يتم إنشاء نطاقات متتابعة من التحصينات تتقدم تدريجيًا نحو القناة، بحيث يحمي كل نطاق ما يليه من الخلف.

كان العدو يهاجم تلك المواقع بلا هوادة، مستعينًا بدعم أمريكي غير محدود. فقد أدركت الولايات المتحدة خطورة ما يقوم به المصريون، فمدت إسرائيل بطائرات الفانتوم الحديثة في محاولة لإفشال الخطة.

لكن التصميم المصري كان أقوى من كل العوائق، فواصل الرجال البناء تحت القصف، حتى اكتمل الحائط في صيف عام 1970.

ملحمة الصمود والتحدي

في تلك الفترة، قادت كتائب الدفاع الجوي بقيادة الرائد محمد عادل حسنين ورفاقه ملحمة بطولية في الصمود، إذ تمكنوا خلال خمسة أشهر فقط من إسقاط وتدمير أكثر من 12 طائرة إسرائيلية من طرازات مختلفة، أجبرت إسرائيل على القبول بمبادرة «روجرز» ووقف إطلاق النار في أغسطس 1970.

الراحل البطل اللواء أركان حرب محمد عادل حسنين

كانت تلك المرحلة هي التمهيد الحقيقي لنصر أكتوبر، حيث حُيّدت القوات الجوية الإسرائيلية للمرة الأولى منذ عام 1967، وأصبح بوسع القوات المصرية العبور دون خوف من السماء.

ويصف الخبراء العسكريون معركة حائط الصواريخ بأنها كانت «المعجزة التي غيّرت موازين القوى».

فبدونها، ما كان للعبور أن يتم بتلك الدقة وتلك الخسائر المحدودة.

لقد حوّل رجال الدفاع الجوي - وعلى رأسهم البطل محمد عادل حسنين — المستحيل إلى واقع، والتهديد إلى نصر.

من الحرب إلى السلام.. ومسيرة لا تنتهي

لم تكن بطولات اللواء محمد عادل حسنين محصورة في أيام القتال فقط، بل امتدت مسيرته إلى ما بعد الحرب، حيث ساهم في تطوير منظومة الدفاع الجوي وتدريب أجيال جديدة من الضباط على مبادئ الانضباط والكفاءة والتضحية.

كان يرى أن الدفاع عن الوطن لا يقتصر على ميدان المعركة، بل يمتد إلى كل مجالات العمل والعلم والالتزام.

كان ضابطًا صارمًا في الميدان، وإنسانًا متواضعًا خارج الخدمة، يعامل جنوده كأبنائه، ويزرع فيهم روح الانتماء وحب الوطن.

الخبراء العسكريون ومعهم البطل اللواء عادل حسنين

كان يقول دائمًا لطلابه في الكلية الحربية: "السلاح لا يساوي شيئًا دون إرادة المقاتل، والنصر لا يتحقق إلا حين يؤمن كل جندي بأن ما يفعله لأجل أرضه وكرامة بلده."

تلك الروح هي التي جعلته محل احترام كل من خدم معه، وجعلت اسمه يتردد في ذاكرة زملائه وجنوده حتى اليوم.

إرث لا يُنسى

إن الحديث عن اللواء محمد عادل حسنين هو في الحقيقة حديث عن جيل بأكمله من الرجال الذين صاغوا ملامح النصر، ودفعوا ثمن الكرامة من دمائهم وأعمارهم.

جيل لم يبحث عن مجد شخصي أو شهرة، بل عاش ومات من أجل أن تظل مصر مرفوعة الرأس.

لقد كتب التاريخ أسماء القادة الكبار، لكن خلف كل خطة وكل قرار، كان هناك ضباط مثل حسنين، يخططون وينفذون ويضحون في صمت.

هم جنود الظل الذين حملوا عبء الوطن في أصعب لحظاته، وتركوا إرثًا من العزة لا يزول.

واليوم، بعد مرور أكثر من نصف قرن على نصر أكتوبر، لا تزال سيرته ملهمة لكل من يؤمن بأن مصر لا تُقهر، وأن البطولة لا تموت.

أوسمة ونياشين حصل عليها الراحل البطل اللواء عــــادل حسنين

يكفي أن نعلم أن اسم «محمد عادل حسنين» ارتبط بعبارة تتردد في كل كتب التاريخ العسكري: «الرجل الذي أسقط الفانتوم.»

لقد كان بحق صقرًا جارحًا أرعب العدو، ورمزًا للعسكرية المصرية في أنقى صورها.

وإذا كانت الأوسمة التي حصل عليها - نجمة الشرف ونجمة سيناء ونوط الشجاعة - قد كرّمته حيًا، فإن التاريخ نفسه يكرّمه كل يوم كلما ذُكرت كلمة «أكتوبر» و«النصر» و«العزة».

الصفحة السادسة والسابعة من العدد رقم 432 الصادر بتاريخ  9 أكتوبر 2025
 
تم نسخ الرابط