العقول في خطر.. مطلوب حظر "التيك توك" فورا في مصر

- التطبيق المشبوه يعمل على تفكيك القيم وتدمير الوعي الجمعي للمجتمع
- أسر بأكملها تعرض حياتها الخاصة للبيع مقابل مشاهدات وأموال.. هل وصلنا إلى هذا الحد من الانحطاط؟!
- القبضة الأمنية تدهس التيك توكرز وتوجه ضربة حاسمة ضد الابتذال والإفساد الأخلاقي
- أم سجدة وأم مكة وعلياء مناديل وقمر الوكالة وسوزي الأردنية تيك توكرز آخر زمن على منصة الهزل الجماعي!
وأنا أبدأ كتابة هذه السطور، لا أملك إلا أن أشعر بغضب ممزوج بالراحة، غضب على ما وصلنا إليه من انحدار أخلاقي قاده من يطلقون على أنفسهم "تيك توكرز"، وراحة لأن الدولة بدأت تتحرك بقوة في مواجهة هذا العبث العلني الذي كاد يُفقد المجتمع توازنه، كنا نشاهدهم يوميا يملأون الشاشات بالابتذال، ويزرعون في عقول الأجيال مفاهيم مسمومة عن الشهرة والنجاح، دون رادع أو محاسبة، حتى جاءت اللحظة التي تحرّكت فيها الدولة بقبضة من حديد، وأسقطت أقنعة من توهموا أن القانون لن يطالهم، ما جرى لم يكن مجرد حملة أمنية، بل إعلان عن بداية نهاية مرحلة عبثية سوداء شوهت الذوق، وأفسدت القيم، وأقلقت كل من يحرص على مستقبل هذا الوطن.
ولعلني أتساءل: منذ متى أصبحت السخافة محتوى؟ ومنذ متى أصبح العبث والانفلات الأخلاقي مشاهد تحصد ملايين الإعجابات والمشاهدات؟ فقد تابعت بمحض الصدفة ما ينشره ما يعرف اليوم بـ"التيك توكرز"، تلك الفئة التي قررت أن تضع القيم والأخلاق في قاع الذاكرة، وأن ترفع التفاهة والابتذال إلى أعلى سلم المجد الرقمي، والغريب أن هذا الانحدار لم يعد يستنكر كما كان، بل بات يقلد، يحتفي به، ويغدق عليه بالشهرة والمال، في مشهد عبثي يكشف كم تغيرت معاييرنا.
الخطورة الحقيقية أن تيك توك لم يعد مجرد تطبيق ترفيهي، بل تحول إلى منصة تغسل العقول، وتشوه القيم، وتنتج جيلا مهووسا بالترند، لا يعرف شيئا عن الطموح أو الجهد أو الحياء، أطفال بعمر الزهور يتراقصون على أنغام لا يفهمون كلماتها، مراهقون يتحدثون عن الجنس والمخدرات كأنها أمور يومية، وأسر بأكملها تعرض حياتها الخاصة للبيع مقابل بضعة آلاف من المشاهدات.
هل هذا هو "المحتوى" الذي نريد لأبنائنا أن ينشأوا عليه؟ وهل يعقل أن نكتفي بالمشاهدة في حين تنفجر قنابل الانفلات داخل بيوتنا؟
وللحق فإن المسألة لم تعد تحتمل الصمت، تيك توك أصبح قضية أمن اجتماعي وثقافي وأخلاقي، لقد تجاوز دوره كمنصة ترفيه، وتحول إلى تهديد حقيقي يفكك القيم، ويزرع في عقول الصغار مفاهيم مشوّهة عن النجاح والظهور والشهرة. وما يثير الغضب أكثر هو أن غالبية من يسمون أنفسهم "تيك توكرز" لا يملكون موهبة أو علمًا أو مضمونًا، فقط استعراض فجّ، ولغة ساقطة، وتصرفات تقترب من الجنون، لابد من تدخل حاسم، وسريع، وفعّال، نعم، مطلوب حظر التيك توكرز فورًا في مصر ، ليس كقمع لحرية التعبير كما قد يدعي البعض، بل كإجراء لحماية عقولنا وبيوتنا من الانهيار الأخلاقي والثقافي من حق الدولة أن تحمي شعبها، ومن واجب المجتمع أن يُعيد ضبط بوصلته الأخلاقية، قبل أن نصل إلى نقطة لا رجعة فيها.
إنني أرى أن حماية الأجيال ليست مهمة مؤسسات الدولة فقط، بل مسؤولية جماعية تبدأ من الوعي وتنتهي بالتشريع، علينا أن نقول لا بوضوح لكل ما يفسد، لكل من يتاجر بالعقول، ولكل من يستهين بقيمة الإنسان في سبيل اللايك والشهرة.
وعندما أطالب اليوم بحظر تطبيق تيك توك في مصر، فإنني لا أتبنى رأيا متشنجا أو مبالغا فيه، بل أستند إلى سوابق حقيقية قامت بها دول كبرى، رأت في هذا التطبيق تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي وقيمها المجتمعية منها الولايات المتحدة، والهند، وعدة دول أوروبية، اتخذت خطوات حاسمة إما بحظره الكامل أو فرض قيود صارمة عليه، ليس بدافع القمع، بل لحماية شعوبها من التلاعب بالعقول، وتسريب البيانات، والانفلات الأخلاقي الذي يتخفى خلف ستار الترفيه، نحن لسنا وحدنا في هذا الموقف، بل على العكس، التأخر في اتخاذ القرار هو ما يضعنا في موقف حرج أمام تسونامي من المحتوى السطحي والخطر، الذي يخترق كل بيت ويعبث بتفاصيل حياة أبنائنا دون رقابة حقيقية، وقد صرحت سابقا بعض الدول بأنها تشعر بالقلق إزاء أمن تيك توك وعلاقات المنصة بالصين، وعلى رأسها الولايات المتحدة، كما قامت العديد من الدول بـحظر تيك توك على الأجهزة الحكومية، خوفًا من تعرض معلومات حساسة عند تنزيل التطبيق، فيما تنفي تيك توك الاتهامات بأنها تجمع بيانات مستخدمين أكثر من شركات الوسائط الاجتماعية الأخرى ووصفت الحظر بأنه «معلومات مضللة أساسية»، قائلة إنه تم اتخاذ هذا القرار «بدون مداولات أو أدلة»، وتم حظر تيك توك بأستراليا، حيث حظرت أستراليا تطبيق تيك توك على جميع الأجهزة المملوكة للحكومة الفيدرالية بسبب مخاوف أمنية، بعد صدور إشعار عن وزارة المدعي العام بأن تطبيق تيك توك يشكل مخاطر أمنية وخصوصية بسبب «الجمع المكثف لبيانات المستخدم والتعرض لتوجيهات خارج نطاق القضاء من حكومة أجنبية تتعارض مع القانون الأسترالي»، كما تم حظر تيك توك بإستونيا، حيث صرح وزير تكنولوجيا المعلومات والتجارة الخارجية المنتهية ولايته في إستونيا، كريستيان جارفان، لصحيفة محلية بأنه سيتم حظر تطبيق تيك توك على الهواتف الذكية التي تصدرها الدولة للمسؤولين العموميين، وتم حظر تيك بالمملكة المتحدة، حيث أعلن أوليفر دودن، وزير الدولة البريطاني في مكتب مجلس الوزراء، في بيان لمجلس العموم البريطاني حظرًا فوريًا للتطبيق على الأجهزة الرسمية الحكومية.
وهنا لابد من توجيه التحية لرجال الشرطة ففي ضربة أمنية حاسمة تحسب لجهاز الشرطة، قامت الجهات المختصة مؤخرا بالقبض على عدد من أشهر التيك توكرز الذين طالما أثاروا الجدل والإساءة لقيم المجتمع وتقاليده، ومن بينهم من تعرف بـ"أم سجدة"، و"أم مكة"، و"علياء مناديل"، و"قمر الوكالة"، و"مداهم"، و"شاكر"، و"سوزي الأردنية"، وغيرهم من الوجوه التي احترفت الابتذال وخلط الترند بالإسفاف لتحقيق مشاهدات رخيصة وأرباح مشبوهة، وقد كشفت الحملات الأمنية عن حقائق صادمة خلال مداهمة منازلهم، حيث تم العثور على كميات من المواد المخدرة، ومبالغ مالية ضخمة يُشتبه في ارتباطها بوقائع غسيل أموال، إلى جانب أجهزة تُستخدم في البث والتصوير والترويج لمحتوى خارج عن الذوق العام والقانون، هذه التحركات الأمنية جاءت بمثابة صفعة قوية على وجوه من تطاولوا على القيم وتاجروا بالعقول، واعتقدوا أنهم فوق القانون بحجة الشهرة أو التأثير الرقمي، ما جرى لم يكن مجرد تنفيذ أوامر ضبط وإحضار، بل رسالة واضحة بأن الدولة لن تتهاون مع من يفسدون المجتمع أو يحوّلون المنصات الإلكترونية إلى أوكار للانحراف والاستغلال والربح غير المشروع.
هؤلاء لم يكونوا مجرد صانعي محتوى تافه، بل تحولوا إلى أدوات خطيرة لتفكيك الوعي المجتمعي، وبث القيم السلبية، والترويج للسلوك المنحرف تحت لافتة "الترفيه"، إن ما حدث هو بمثابة إعلان عن استعادة الدولة هيبتها في مواجهة "مافيا الترند"، وإثبات على أن هناك قبضة أمنية قادرة على حماية المجتمع، خاصة الأجيال الصغيرة، من الانجراف وراء هذا العبث المنظم والممول في كثير من الأحيان، فالشكر واجب لأجهزة الأمن التي ضربت بيد من حديد، وأثبتت أن لا أحد فوق القانون، مهما بلغ عدد المتابعين أو حجم الضجيج على السوشيال ميديا.
إنني أرى أن القضية لم تكن يوما مجرد "فيديوهات تافهة" أو "ترندات سخيفة" تذهب مع الوقت، بل كانت قضية وعي يسرق، وقيم تدهس، وأجيال يُعاد تشكيلها على أيدي من لا يملكون أخلاقًا ولا ضميرا، ما فعله هؤلاء التيك توكرز لم يكن ترفيهًا، بل كان تهديدًا مباشرًا لمفهوم الأسرة، والتعليم، والاحترام، والعمل، والانضباط، لقد صنعوا واقعًا موازيًا يعيش فيه المراهقون والأطفال، ظنًا منهم أن الحياة تختصر في مشاهدات، وأموال، وابتذال، دون حساب أو عواقب، اليوم، بعد هذه الضربات الأمنية القوية، أشعر بأن هناك بارقة أمل، أن هناك من لا يزال يؤمن بأن حماية المجتمع ليست رفاهية، بل أولوية.
لكن الحقيقة الأهم، أن المعركة لم تنته بعد.. التيك توك ليس فقط أشخاصًا تم القبض عليهم، بل منظومة كاملة تحتاج إلى مواجهة شاملة: قانونية، وثقافية، وتعليمية، وتوعوية، نحتاج إلى أسر تراقب وتحتضن، لا تترك أبناءها فريسة للتطبيقات.
