الخميس 01 مايو 2025
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

محمد فودة يكتب عن "منصات العار": الوجه القبيح لعالم التواصل الاجتماعي

الكاتب والإعلامى
الكاتب والإعلامى محمد فودة - صورة أرشيفية

- حروب قذرة تدور في فضاءات العالم الافتراضي سلاحها الكذب والطعن في الظهر

- السوشيال ميديا.. وكر مفتوح لتصفية الحسابات وتشويه الكرامة الإنسانية

- مواقع التواصل تسقط في "مستنقع" الانحطاط.. والآفاقون يعبثون بسمعة الشرفاء تحت ستار الحرية

- "الفيسبوك" تحول إلى ساحة للمهاترات ومنبر لترويج الأكاذيب والشائعات

لم يكن يتخيل أحد على الإطلاق أن تتحول مواقع التواصل الاجتماعي التي ولدت بهدف نبيل إلى ساحة تعج بالفوضى الأخلاقية والاجتماعية، وإلى وكر متكامل للابتزاز الإلكتروني وتزييف الحقائق، فبعد أن كان الهدف الرئيسي لتلك الوسائل هو تعزيز التواصل الإنساني بين البشر على اختلاف ثقافاتهم وجغرافيتهم، أصبحت اليوم معول هدم يضرب القيم، ويفسد العلاقات، ويشيع الفوضى في المجتمعات، لقد غابت الرؤية الحقيقية، وانقلبت المفاهيم رأسًا على عقب، فتحولت منصات التواصل إلى ساحات للمهاترات، ومنابر لترويج الأكاذيب والشائعات، بل بات من المعتاد أن نرى حملات ممنهجة تستهدف شخصيات عامة ومؤسسات وطنية دون سند أو دليل، اعتمادا فقط على تداول معلومات مغلوطة، أو نشر صور وفيديوهات مجتزأة تخلق حالة من الجدل المصطنع والبلبلة المدروسة.

ووسط هذا الانفلات المدمر، أصبح الحديث عن السوشيال ميديا في كثير من الأحيان مدعاة للملل والاشمئزاز، بل يبعث شعورا بالاستياء لدى كل من لا يزال يتمسك بالقيم الحقيقية للإنسانية والتواصل الشريف، فبدلا من أن تكون هذه الوسائل جسرا للتقارب، أصبحت أداة لزرع الفتن ونشر الكراهية والتشهير بالآخرين، مستخدمة أساليب تضليلية تنطلي على العامة بسهولة بسبب غياب الوعي الرقمي اللازم لمواجهة هذه التحديات.

ولم تتوقف الكارثة عند هذا الحد، بل تجاوزته إلى حدود أخطر، إذ أصبحت بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي "بوابات" منظمة للابتزاز الإلكتروني، تستغل الخصوصية وتنتهك الحريات، وتلوح بفضائح مختلقة مقابل مكاسب مادية أو أهداف شخصية خسيسة، وهكذا وبدلاً من أن تحمي المجتمعات وتصون كرامات الأفراد، صارت بعض هذه المنصات أدوات لاغتيال السمعة والنيل من الخصوم في معارك لا أخلاقية.

أما عن زيف الحقائق، فقد صار هو السمة السائدة، فمن خلال تحريف الوقائع وتلفيق الروايات، يتم صناعة أحداث افتراضية تبث الكراهية وتحرض على الانقسام المجتمعي، في مشهد يؤكد أن السوشيال ميديا تحولت إلى ساحة حرب معلوماتية، لا ضابط لها ولا رابط، ولا شك أن هذه الفوضى الإلكترونية، التي تنمو مثل الفيروس الخبيث في جسد المجتمعات، تشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن القومي والاجتماعي، إذا لم يتم التصدي لها بسياسات إعلامية رشيدة، وتشريعات قانونية صارمة، وبرامج توعية مكثفة تزرع في الأجيال الجديدة مفاهيم الاستخدام الرشيد والمسؤول للتكنولوجيا.

ولقد بات من الضروري أن تعي المجتمعات خطورة هذا السلاح ذي الحدين، وأن تدرك أن مواجهة الغزو الإلكتروني لا تكون فقط عبر المنع أو الحجب، بل الأهم هو بناء عقلية نقدية تستطيع التمييز بين الحقيقة والزيف، وتتحلى بالمسؤولية عند التفاعل مع الأخبار والمعلومات المتداولة، إن معركة الحفاظ على العقل الجمعي من التلوث الرقمي ليست معركة فردية، بل هي معركة أمة بأكملها، تحتاج إلى تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية معًا، من أجل استعادة السيطرة على المنصات المفتوحة، وإعادة توجيهها إلى المسار الصحيح الذي من أجله أنشئت، فالخطر لم يعد قادمًا فقط من الخارج، بل بات ينبع من الداخل، متغلغلًا في تفاصيل حياتنا اليومية، يهدد القيم، ويعبث بالحقائق، ويفسد النسيج الاجتماعي، وما لم نتحرك الآن بقوة وحكمة، فإن الثمن سيكون باهظًا.

وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من الأخبار المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن سوى "مادة مفبركة" تفتقد الحد الأدنى من المصداقية والمهنية، إلا أن المؤسف حقا أن أعدادا كبيرة من المستخدمين ينساقون خلفها دون أدنى محاولة للتحقق أو التقصي، هذا الانجراف الأعمى وراء الأخبار الزائفة، سواء بدافع الفضول أو الجهل أو الاستسهال، يؤدي إلى خلق بيئة مشبعة بالتضليل والكذب، تساهم مع مرور الوقت في زعزعة الثقة المجتمعية وتشويه الوعي الجمعي، ومن المؤلم أن السوشيال ميديا، التي كان يُفترض أن تكون منصة لتعزيز التواصل الإنساني، تحولت إلى مرتع خصب للشائعات، ومعول هدم يستخدمه البعض للإساءة إلى الأشخاص والمؤسسات دون أدلة حقيقية أو محاكمات عادلة، وهو ما يفرض علينا جميعًا أن نتعامل مع هذا الانفلات بمزيد من الحذر والوعي، وألا نمنح مواقع التواصل هذا السلطان الكامل على عقولنا ووجداننا.

وما يزيد من خطورة الموقف أن القائمين على إدارة هذه المنصات لا يدركون أو يتجاهلون عمدًا حقيقة واضحة كالشمس هي: أن الإفراط في استخدام وسائل التواصل أو إساءة استخدامها يتسبب في أضرار اجتماعية ونفسية فادحة، فقد أدى الاعتماد المفرط على التواصل الافتراضي إلى إضعاف مهارات التواصل الإنساني الحقيقية، وتقليل اللقاءات الشخصية والأنشطة الجماعية، مما خلق جيلًا أقل قدرة على بناء علاقات اجتماعية صحية وأقل استعدادًا للاندماج في المجتمع، بل وأصبح البعض يجد في العزلة الرقمية ملاذًا بديلاً عن التفاعل الطبيعي مع الآخرين، فيتحول شيئا فشيئا إلى كائن اجتماعي هش يفتقر إلى دفء التواصل المباشر وقيمته، ومن هنا، فإن إعادة التوازن في علاقتنا مع التكنولوجيا باتت ضرورة وجودية وليست مجرد رفاهية، ومن هنا، تبرز الحاجة الملحة إلى وعي جماعي يرفض الاستسلام أمام سطوة السوشيال ميديا، ويضع نصب عينيه أن المعلومة لا تُؤخذ من منصات الفوضى الرقمية إلا بعد تمحيص وتدقيق، فالحفاظ على تماسك المجتمع، وترميم العلاقات الإنسانية الحقيقية، والتمسك بالتحقق والعقلانية، أصبح خط الدفاع الأول في معركة مواجهة زيف العالم الافتراضي.

إن استعادة قيم الحوار المباشر، والاحتكام إلى العقل، والبحث عن الحقيقة بعيدًا عن التزييف، هي السبيل الوحيد لإنقاذ أنفسنا من هذا الطوفان الجارف الذي يكاد يبتلعنا جميعا.

واللافت للنظر أن "فيسبوك"، الذي كان يومًا ما منصة للتواصل الإنساني وتبادل الأفكار البناءة، تحول تدريجيًا إلى ساحة تعج بالآفاقين والانتهازيين، فقد أصبح مرتعًا خصبًا لكل من يسعى إلى تصفية حسابات شخصية أو إشعال حروب وهمية لا طائل منها سوى بث الكراهية ونشر الأحقاد، هؤلاء المتربصون لا يتورعون عن استخدام أكثر الأساليب دناءة، بدءًا من الطعن في الظهر، ومرورًا باختلاق الأكاذيب والروايات الزائفة التي لا تجد لها مكانًا إلا في خيالهم المريض، وهم بذلك يحاولون النيل من سمعة الشرفاء وتلويث صورة من يعملون بصدق وإخلاص، دون وازع من ضمير أو خوف من مساءلة، وهكذا تحولت منصات التواصل إلى ميادين قتال مفتوحة، حيث تسفك سمعة الناس بلا رحمة، ويختزل الشرف في بضع كلمات مغرضة تكتب ببرود وتنشر بلا تحقق، مما يفرض علينا جميعا أن نقف بحذر ويقظة أمام هذا الانفلات الأخلاقي، دفاعا عن قيم الحق والعدل وكرامة الإنسان.

ما يجري على منصات التواصل الاجتماعي يؤكد أن الحاجة باتت ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى وقفة جادة تعيد ضبط بوصلة التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما انزلقت إلى هاوية العبث والكذب والابتزاز، وأصبحت تشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار المجتمعات وسلامها الداخلي، ولم يعد مقبولًا أن نظل أسرى لمخططات خفية تستغل هذه الفضاءات المفتوحة لترويج الشائعات وهدم الثوابت وتزييف وعي الشعوب، فإن مسؤولية إعادة الاعتبار لقيم التواصل النبيل تقع على عاتق الجميع؛ حكومات ومؤسسات وأفراد، عبر سن التشريعات الرادعة، ونشر ثقافة الاستخدام الرشيد، وتعزيز دور الإعلام التقليدي الرصين كحائط صد في مواجهة الانفلات الرقمي، وإلا فإننا سنظل ندفع ثمن هذا الانفلات فوضى اجتماعية، وشروخا أخلاقية، وفقدانا تدريجيا لملامح الحقيقة في حياتنا اليومية، فهل آن الأوان أن نستعيد سيادتنا على عقولنا قبل أن يستبيحها هذا الطوفان الأسود؟

الصفحة الثامنة من العدد رقم 410 الصادر بتاريخ 1 مايو 2025

 

تم نسخ الرابط