تيسير إجراءات التصوير الأجنبي فرصة ذهبية لإنعاش الاقتصاد المصري
- اللائحة الجديدة للتصوير الأجنبي خطوة لتصحيح مسار طويل من التعقيد
- التصوير العالمي داخل مصر مصدر مباشر للعملة الصعبة.. وفرص جديدة للشباب المصري عبر الاحتكاك بفرق إنتاج دولية
- الإدارة المرنة ضرورة لنجاح نافذة التصوير الموحدة.. وتنوع المواقع المصرية كنز بصري واقتصادي غير مستغل بالكامل
- تعزيز صورة مصر عالميًا عبر حضورها في الإنتاج السينمائي الدولي بعد سنوات من البيروقراطية أبعد شركات الإنتاج الأجنبية عن مصر
- وجود فريق إنتاج عالمي داخل مصر يخلق دورة اقتصادية كاملة مع إتاحة فرص عمل وخبرات متقدمة للشباب والعاملين في المجال الفني
لم أكن يومًا من المؤمنين بأن الاقتصاد يُبنى بالأرقام وحدها، أو بأن الدخل القومي يتدفق فقط من المصانع والمشروعات الضخمة.
كنت دائمًا أرى أن هناك مسارات أخرى، مسارات لا يلتفت إليها الكثيرون، لكنها تمتلك القدرة على فتح أبواب واسعة لعوائد لا تقل أهمية عن عائدات القطاعات التقليدية.
أحد هذه المسارات هو صناعة السينما العالمية، وما يمكن أن يقدمه تصوير الأفلام الأجنبية داخل مصر من قيمة اقتصادية وثقافية وسياحية.
وكلما تأملتُ في اللائحة التنظيمية الجديدة لتصوير الأعمال الأجنبية، ومعها إنشاء نافذة رقمية موحدة تُسهِّل حصول الشركات العالمية على التصاريح، شعرت بأن مصر تقترب من خطوة كان يجب اتخاذها منذ سنوات طويلة.
لقد عاشت هذه الصناعة، بكل ما تحمله من جمال وقوة وتأثير، سنوات طويلة رهينة لإجراءات معقدة وبيروقراطية مثقلة بالخطوات، حتى ابتعدت شركات الإنتاج الأجنبية وفضّلت البحث عن دول أخرى تمنحها سرعة القرار ووضوح القواعد ومرونة الحركة.
كنت أشعر بالحزن كلما شاهدت فيلمًا عالميًا يتحدث عن مصر لكنه مصوَّر في دولة أخرى.
كنت أتساءل: ما الذي كنا نفتقده؟ ولماذا كنا نتخلى عن فرصة بهذا الحجم دون مبرر؟ ومع صدور اللائحة الجديدة، وإطلاق نافذة موحدة عبر لجنة مصر للأفلام، تذكرت هذا السؤال، وشعرت بأن الإجابة أصبحت واضحة الآن: كنا بحاجة لإرادة تنهي التعقيد وتفتح الأبواب بلا خوف.
إن تصوير فيلم أجنبي داخل مصر ليس مجرد كاميرا تتحرك وسط الشوارع، ولا فريق عمل يجلس في فندق أو ينتقل بين مواقع تصوير.
الأمر أكبر من ذلك بكثير.
إن ما يحدث حين تختار شركة عالمية أن تُصوّر فيلمها هنا هو أن مصر تدخل، ولو لأسابيع قليلة، في دورة اقتصادية كثيفة تعتمد بالكامل على العملة الصعبة.
كل وجبة يتناولها فريق الإنتاج، كل غرفة فندقية تُحجز، كل سيارة تُستخدم في النقل، كل مؤثرات تُنقل إلى مواقع التصوير، كل قطعة ديكور تُبنى، وكل عامل يعمل لساعات طويلة في الموقع .. كل هذا يتحول إلى دخل مباشر وغير مباشر ينساب إلى جيوب آلاف المصريين، ويضيف رقمًا جديدًا إلى رصيد مصر من العملة الأجنبية.
وعندما أتحدث عن القيمة الاقتصادية، فأنا لا أتحدث عن عائد محدود أو مؤقت، بل أتحدث عن سلسلة ممتدة من المكاسب.
فوجود أعمال سينمائية عالمية يُصوَّر جزء منها في مصر يعني أن اسم البلد سيُذكر في المقابلات العالمية، والبرامج التلفزيونية، والحملات الإعلانية، ومواقع الأخبار الفنية، ومواقع التواصل الاجتماعي.
سيشاهد ملايين البشر خلفيات طبيعية من مصر، سيلفت نظرهم نيلها، شوارعها، آثارها، وعمارتها، وسيرغب كثيرون في زيارة تلك الأماكن التي شاهدوها على الشاشة.
إنها دعاية ضخمة، مجانية، لا تستطيع أي دولة في العالم شراءها مهما امتلكت من ميزانيات تسويق.
ولعل أجمل ما في الأمر أن هذه الصناعة تمنح الفرصة لمئات الشباب المصريين الذين يعملون في مجالات فنية دقيقة لا تجد دائمًا فرصة للظهور.
أستطيع أن أرى فنيًّا شابًا يقف خلف الكاميرا في إحدى المناطق التاريخية، يتعلم من فريق عالمي جاء من هوليوود أو أوروبا، وينقل هذه الخبرة إلى أعمال مصرية لاحقة.
أستطيع أن أرى عاملًا بسيطًا يعمل في فريق الخدمات داخل موقع تصوير، يحصل على أجر يومي محترم ويعود إلى بيته وهو يشعر بأنه جزء من عمل فني سيشاهده العالم كله.
أستطيع أن أرى مخرجًا شابًا يراقب أساليب تنفيذ المشاهد ويكتسب معرفة لم يكن ليحصل عليها لولا وجود هذا الإنتاج الأجنبي في بلده.
وليس خافيًا على أحد أن العالم اليوم يتنافس بشراسة على جذب صناعات السينما العالمية، لأنهم يعرفون قيمتها.
المغرب، الأردن، الإمارات، السعودية، وحتى دول صغيرة في أوروبا الشرقية أصبحت تخصص صناديق لدعم تصوير الأفلام الأجنبية لديها، وتمنح حوافز ضريبية، وتسهل مرور المعدات، وتسرّع الإجراءات إلى درجة تجعل المنتج العالمي يشعر بأنه تعامل مع منظومة واحدة متماسكة.
لم يكن منطقيًا أن تبقى مصر، بكل تنوعها الجغرافي وتاريخها وآثارها، متأخرة في هذا المضمار.
نحن نملك ما لا تملكه كثير من الدول، لكن ما كان ينقصنا هو الطريق الواضح والخطوة الأولى.
واليوم، مع اللائحة التنظيمية الجديدة، تبدو تلك الخطوة قابلة للتحقق.
ورغم أن الإجراءات أصبحت أوضح وأسهل، فإن النجاح الحقيقي لن يتحقق إلا حين يرى المنتج الأجنبي أن مصر ليست فقط دولة جميلة، بل دولة جاهزة للتعامل الاحترافي.
إن نافذة التصوير الموحدة خطوة عظيمة، لكنها تحتاج إلى إدارة مرنة، ترد على الطلبات بسرعة، توفر معلومات دقيقة، وتقدّم حلولًا لأي عوائق محتملة.
ما نحتاجه الآن هو العمل بروح واحدة، وفكرة واحدة، ومقصد واحد: أن نثبت للعالم أن مصر قادرة على احتضان صناعة سينمائية عالمية دون ارتباك أو بطء أو عوائق غير مبررة.
لقد كنت دائمًا مؤمنًا بأن مصر ليست فقط وجهة للسياحة التاريخية، بل هي موقع تصوير عالمي ينتظر من يكتشفه.
هناك أماكن في مصر يمكن أن تتحول إلى لوحات بصرية ملهمة، من شواطئ البحر الأحمر، إلى جبال سيناء، إلى القاهرة القديمة، إلى الإسكندرية بعمارتها الفريدة، إلى واحات الصحراء، إلى شوارع المدن الحديثة.
هذه الثروة الطبيعية ليست مجرد مساحة جغرافية، بل كنز اقتصادي ينتظر من يفتح له الباب.
إن الدخول في هذا العالم الجديد لن ينعكس فقط على الاقتصاد، بل سيغير صورة مصر في الإعلام العالمي، وسيعيدها إلى مكانتها الطبيعية كحاضنة للفنون والإبداع.
ولعل أجمل ما سيحدث أن الأجيال الجديدة ستشعر بأن بلدها أصبح جزءًا من الحكايات السينمائية الكبرى التي يشاهدها العالم.
سيكبر الأطفال وهم يرون اسم مصر في نهاية فيلم عالمي، وسيكبر الشغف، وستكبر معها الثقة بأن الفن يمكن أن يكون أحد مصادر القوة الناعمة التي لا تقل أهمية عن أي قوة أخرى.
ولذلك، فإن قرار تيسير إجراءات تصوير الأفلام الأجنبية ليس مجرد إصلاح إداري، وليس مجرد خطوة تنظيمية، بل هو إعلان نوايا.
إعلان بأن مصر قررت أن تتعامل مع صناعة السينما العالمية بمفهوم جديد، وأن تستثمر في مكانتها الجغرافية والثقافية، وأن تفتح بابًا واسعًا لدخل قومي يتدفق دون ضجيج ودون الحاجة لمشروعات ثقيلة أو بنية تحتية معقدة.
كل ما نحتاجه هو أن نُحسن استقبال هذه الصناعة، وأن نمنحها أسباب النجاح، وأن نؤمن بأن الفن، حين يُدار بشكل سليم، قادر على أن ينعش اقتصاد دول بأكملها.
ولعل الأيام القادمة تحمل ما هو أجمل.
وربما نشاهد قريبًا فيلمًا عالميًا يحقق نجاحًا كبيرًا، ونشعر جميعًا بأن جزءًا من هذا النجاح يعود إلى قرار حكيم، ورؤية واضحة، وإرادة أرادت أن تُعيد لمصر مكانتها في عالم التصوير السينمائي العالمي.
وحين يحدث ذلك، سنعرف أننا لم نكن نُسهّل مجرد إجراء… بل كنا نفتح بابًا لمستقبل جديد يستحقه هذا الوطن.

- الفن
- خالد الطوخى يكتب
- القــــــوة النـــاعـــــمــــة
- الدول
- ملك
- المصري
- النجاح
- طلبات
- المشروعات
- تعزيز
- قرار
- توفر
- اجتماع
- لجنة
- المغرب
- فيل
- الطب
- الشباب
- حملات
- سياح
- اقتصاد
- صلاح
- شاب
- العملة
- الاقتصاد
- العالم
- النقل
- فيلم
- اول
- فرص عمل
- يوم
- درة
- الصناعة
- مشروع
- ادا
- نقل
- حركة
- داخل
- البحث
- حملة
- تصحيح
- مواقع التواصل
- عامل
- تصوير
- خالد الطوخى
- سينما
- مصر
- كرة



