محمد فودة يكتب عن رؤية فنان وصناعة تاريخ: «المتحف المصري الكبير».. تحفة فاروق حسني الخالدة

الشورى

- كنت شاهدا على الحلم.. حين رسم فاروق حسني ملامح المتحف المصري الكبير بعبقرية وذكاء.

- عبقرية القرار والموقع.. عندما قرر الوزير الفنان أن يولد المتحف في ظل الأهرامات.

- فاروق حسني صاحب البصمة الأولى في ميلاد المتحف والرائد الذي أطلق الشرارة .

- المتحف المصري الكبير صرح عالمي يحكي قصة حضارة عمرها سبعة آلاف سنة.

- فاروق حسني "عرّاب" الحضارة.. وواضع مصر على خريطة الثقافة العالمية.

لم يكن الفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، وزيرا تقليديا، بل كان مشروعا وطنيا متكاملا، وفنانا يحمل ريشة الحلم في يد، وملف الدولة المصرية في اليد الأخرى، رجل رؤية وإرادة، حمل على كتفيه طموحات حضارية كبرى، آمن بأن مصر تستحق متاحف لا تنسى، وذاكرة معمارية تحاكي تاريخها الخالد، فكان حلمه الأجرأ والأجمل هو مشروع المتحف المصري الكبير، ذلك الحلم الذي بدأ بفكرة ورؤية وأصبح أحد أعظم الصروح الحضارية على مستوى العالم.

الفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق

الفنان فاروق حسني هو صاحب فكرة إنشاء هذا الصرح الذي بدأت ملامحه بخطواته الأولى، حين وضع حجر الأساس بنفسه، وحدد مع الخبراء موقعه الفريد قرب أهرامات الجيزة، في تماهي نادر بين عبقرية الفكرة وخلود الموقع، فالمتحف المصري الكبير، كما أراه، ليس مجرد مبنى، ولا حتى مجرد مشروع ثقافي ضخم، بل هو وصية فاروق حسني لمصر، رسالة رجل أراد أن يعيد للعالم ذاكرته عن الحضارة المصرية القديمة، ولكن بروح العصر ولغة المعمار الحديث، هو حلمه ومشروعه، وامتداد رؤيته التي آمنت بأن الثقافة قوة ناعمة تصنع المجد الحقيقي لأي دولة.

الفنان فاروق حسني 

والحق يقال، فإنني كنت من المحظوظين الذين عايشوا عن قرب واحدة من أزهى فترات وزارة الثقافة المصرية، حين كان الفنان الكبير فاروق حسني على رأسها، لم تكن تلك مجرد سنوات عمل، بل كانت تجربة إنسانية وفكرية عميقة، تعلمت فيها أن الثقافة يمكن أن تكون مشروعا وطنيا جادا، لا مجرد رفاهية نزين بها الخطاب الرسمي.

الفنان فاروق حسني 

لقد كنت "شاهد عيان" على تلك النقلة النوعية التي أحدثها هذا الوزير الفنان، رأيته عن قرب وهو يعمل بكامل طاقته، لا يعرف للراحة طريقا، ولا يرضى بأقل من التميز، كان دائما يؤمن بأن مصر تستحق أن تكون في قلب المشهد الثقافي العالمي، لا في هوامشه، وقد ترجم ذلك إلى سياسات واضحة ومشروعات واقعية، جعلت من وزارة الثقافة حينها خلية عمل نابضة لا تهدأ، لم يكن يؤمن بالحلول المؤقتة أو الإنجازات الشكلية، بل كان يسعى لبناء بنية ثقافية مستدامة، تنبض بالإبداع وتعكس هوية مصر العريقة، ولعل المتحف المصري الكبير، بكل ما يمثله من رؤية مستقبلية، هو شاهد حي على عبقرية هذا الرجل وإيمانه العميق بقوة الثقافة كقوة ناعمة وحاسمة في آنٍ واحد.

الفنان فاروق حسني والكاتب والإعلامى محمد فودة

منذ اللحظة الأولى، كان الوزير الفنان فاروق حسني صاحب رؤية استثنائية أدركت مبكرا أن مصر، بتاريخها العريق وكنوزها الفريدة، لا يليق بها إلا متحف يضاهي أعظم متاحف العالم، لم ير في المتحف المصري الكبير مجرد مبنى ضخم يعرض فيه التراث، بل اعتبره مشروعا حضاريا يحمل رسالة للعالم، رسالة تقول إن هذه الأرض لم تكن يوما عادية، بل كانت وستظل مهدا للحضارة، كان يؤمن بأن عظمة مصر لا تحفظ فقط في كتب التاريخ، بل يجب أن تقدم للعالم في أبهى صورة تليق بها، وهذا ما جسده في حلمه الكبير.

الفنان فاروق حسني 

المتحف المصري الكبير، كما تصوره فاروق حسني، لم يكن مجرد صالة عرض أثرية، بل صرح متكامل يعيد صياغة العلاقة بين الإنسان المصري وتاريخه، ويستحضر الذاكرة الحضارية في قلب العصر الحديث، واختيار موقعه الفريد بجوار أهرامات الجيزة لم يكن تفصيلا عابرا، بل قرارا مدروسا يعمق من رمزيته، ويربط بين الماضي المجيد والحاضر الطموح، هذا الموقع الفريد يجعل من المتحف وجهة ثقافية وسياحية استثنائية، لا لمصر فقط، بل للعالم بأسره.

وعن قرب، وخلال متابعتي مراحل بدايات هذا المشروع الطموح، لمست إصرار فاروق حسني على أن يكون المتحف المصري الكبير عنوانا للتجديد لا للتقليد، بوابة للمستقبل لا مجرد بوابة للماضي، لم يرض بأن يكون مجرد منشأة سياحية، بل أراده مساحة للتعليم والتأمل والاعتزاز بالهوية، كان يتابع التفاصيل بشغف الفنان ودقة الإداري وغيرة الوطني، فشعرت حينها بأنني أمام رجل لم يكن يسع لمجرد إنجاز يضاف لسيرته، بل لصياغة إرث يبق شاهدا على حبه لهذا الوطن وإيمانه الراسخ بأن الثقافة هي أعظم أدوات القوة الناعمة التي تمتلكها مصر.

وللحق فمهما تحدثت فإن الحديث لا يفي فاروق حسني قدره مهما طالت السطور، لا يسعني إلا أن أقول إن ما تركه هذا الوزير الفنان من أثر، يتجاوز حدود المناصب والسنوات، فقد كان رجلا سبق زمنه، آمن بأن الثقافة قوة ناعمة تبني الأوطان وتعبر بها نحو المستقبل، فجعل من وزارة الثقافة منصة للحلم والهوية والحداثة، وكان المتحف المصري الكبير تتويجا لهذه الرؤية، ومن يقف اليوم أمام المتحف الكبير، لا يرى فقط حجارة ضخمة وكنوزا أثرية، بل يرى حلما بني بإرادة ورؤية، وكان صاحبه يؤمن بأن مصر تستحق أن تروي حكايتها للعالم بكل فخر، وبأعلى صوت. 

سيبقى اسم فاروق حسني محفورا في ذاكرة مصر الثقافية، لا كوزير فقط، بل ملهم حقيقي علمنا أن الفن لا ينفصل عن الوطن، وأن الرؤية الواعية قادرة على تحويل الأحلام إلى مؤسسات خالدة.

تم نسخ الرابط