«فخر مصر والعرب» .. خالد العناني يكتب فصلًا جديدًا من المجد بتتويجه مديرًا لليونسكو

الشورى

- أول مصري وعربي يتولى قيادة اليونسكو في تاريخ المنظمة

- 55 صوتًا من أصل 58 تمنح خالد العناني فوزًا كاسحًا في انتخابات اليونسكو

- فوز العناني تتويج لمسيرة علمية وميدانية امتدت لأكثر من ثلاثين عامًا

- الوزير الذي أعاد للآثار والسياحة بريقهما يقود اليوم الثقافة العالمية

- العالم يمنح ثقته لمصر من جديد عبر اختيار أحد أبنائها الأكفاء

- مصر تستعيد ريادتها الثقافية على الساحة العالمية بجدارة واستحقاق

في لحظة تاريخية ستظل محفورة في ذاكرة المصريين والعرب، فاز الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار الأسبق، بمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، ليصبح أول مصري وعربي يتولى هذا المنصب الرفيع منذ تأسيس المنظمة عام 1945.

وجاء فوزه باكتساحٍ واضحٍ بعد حصوله على 55 صوتًا من أصل 58 في التصويت الذي جرى بمقر المنظمة في باريس، متقدمًا بفارقٍ ساحقٍ على منافسيه، في مشهدٍ جسّد ثقة العالم في الكفاءة المصرية وقدرتها على قيادة المؤسسات الدولية الكبرى.

فوز الدكتور العناني لم يكن مجرد انتصار شخصي، بل هو تتويج لمسيرة طويلة من العمل والإنجاز والعلم، ورسالة جديدة تؤكد أن مصر - بتاريخها، وحضارتها وعقولها - ما زالت قادرة على أن تتصدر المشهد الدولي حين تتوافر الكفاءة والإرادة.

منذ اللحظة الأولى لإعلان النتيجة، دوّى الخبر في الأوساط الثقافية والعلمية والإعلامية داخل مصر وخارجها، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات الفخر والتهنئة، إذ رآه كثيرون نصرًا ثقافيًا ومعنويًا يوازي نصر أكتوبر الذي يحتفل به المصريون في نفس التوقيت، وكأن القدر أراد أن يتزامن انتصار الماضي العسكري مع انتصار الحاضر الثقافي.

فالدكتور خالد العناني، الذي وُلد عام 1971 في حي المنيل، لم يكن يومًا باحثًا عن أضواء المناصب، بل عاش حياته مخلصًا للعلم والعمل، متنقلًا بين قاعات المحاضرات ومواقع الآثار، جامعًا بين الأكاديمية والميدان، بين الحلم المصري والطموح العالمي.

بدأت رحلة العناني من مقاعد كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان، حيث تفوّق منذ سنوات الدراسة الأولى، ليُعيَّن معيدًا بعد تخرجه، ثم يحصل على الدكتوراه في فرنسا، ويتدرج في المناصب الأكاديمية حتى أصبح أحد أبرز المتخصصين في علم المصريات.

لكن ما ميّزه عن غيره أنه لم يكن باحثًا في برجٍ عاجيّ، بل كان دائمًا صاحب رؤية عملية، يسعى لربط الآثار بالهوية، والتاريخ بالتنمية، والماضي بالمستقبل.

وعندما تولى حقيبة الآثار عام 2016، أحدث نقلة نوعية في إدارة الملف الأثري المصري، إذ شهدت فترته مشروعات كبرى غير مسبوقة، أبرزها افتتاح المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، وتنظيم موكب المومياوات الملكية الذي أبهر العالم وجعل أنظار البشرية تتجه إلى القاهرة.

كما عمل على تطوير المتحف المصري بالتحرير، والإشراف على استكمال المتحف المصري الكبير، وإعادة هيكلة منظومة العمل الأثري بما يتناسب مع المعايير الدولية.

وفي عام 2019، أضيف إلى مسؤولياته وزارة السياحة، فجمع بين القطاعين في توليفة نادرة من الفكر والإدارة، ليعيد إلى مصر بريقها السياحي، خصوصًا في مرحلة ما بعد الجائحة.

عرفه العاملون في المجالين بصفته وزيرًا عمليًا صارمًا في العمل، متواضعًا في التعامل، هادئًا في الأزمات، وصاحب رؤية علمية واضحة.

وكان يؤمن بأن حماية التراث الإنساني لا تتوقف عند حدود الوطن، بل هي مسؤولية عالمية مشتركة، وهو المبدأ نفسه الذي حمله معه إلى اليونسكو.

ترشحه لهذا المنصب لم يكن مفاجئًا لمن يعرف مسيرته، فقد كان اسم العناني يتردد في الأوساط الدولية منذ سنوات كأحد أبرز وجوه الثقافة والتراث في الشرق الأوسط.

وقد نال احترام المؤسسات العالمية بفضل مشاركاته في المؤتمرات الدولية، وكتاباته الأكاديمية، ومواقفه الواضحة في دعم الحوار الثقافي بين الشعوب.

وبحسب المراقبين، فإن فوزه الساحق من الجولة الأولى يعكس توافقًا دوليًا واسعًا على شخصيته المتزنة، وسيرته المهنية الخالية من أي جدل أو انحياز.

ويرى محللون أن اختيار العناني يأتي في توقيت بالغ الأهمية، فالعالم اليوم يحتاج إلى قيادة مثقفة ومتزنة في منظمة كاليونسكو، وسط تحديات متصاعدة تهدد الثقافة والتعليم والتراث العالمي.

ومصر، التي طالما كانت مهد الحضارة وراعية التراث الإنساني، تعود بهذا الفوز إلى موقعها الطبيعي كـ”صوتٍ للعقل والضمير الإنساني” في العالم.

ولم يخفِ كثير من الدبلوماسيين العرب فخرهم بالنتيجة، مؤكدين أن هذا الانتصار يعزز مكانة العرب وإفريقيا داخل المنظمات الدولية، ويعيد التوازن في تمثيل القارات داخل اليونسكو، بعد سنوات من سيطرة أوروبا وأمريكا اللاتينية على القيادة.

أما في مصر، فقد استقبل الشارع المصري الخبر بمزيج من الفخر والعاطفة، خاصة أن الدكتور خالد العناني يُعد نموذجًا للشاب المصري المكافح الذي صنع نفسه بالعلم والعمل لا بالوساطة أو المصادفة.

فمن شابٍ عمل موظف استقبال في فندق خلال دراسته الجامعية ليعيل نفسه، إلى وزير يقود أهم وزارتين في الدولة، ثم إلى مدير عام لأعرق مؤسسة ثقافية في العالم، هي قصة كفاحٍ وإنجاز تُدرَّس للأجيال القادمة.

ولعل أكثر ما يميّز رحلته أن جذوره مصرية خالصة، تنتمي إلى أسرة بسيطة من محافظة الشرقية، تربّى على القيم الأصيلة، وكان والده أول من بشّره بأنه سيصبح وزيرًا يومًا ما، قبل أن تتحول النبوءة إلى حقيقة، ثم إلى إنجازٍ عالميّ يتحدث عنه الجميع.

اليوم، يحمل الدكتور خالد العناني على عاتقه مسؤولية قيادة اليونسكو في مرحلة دقيقة، تتطلب فكرًا إصلاحيًا وحوارًا ثقافيًا عالميًا قائمًا على التسامح والتنوّع وحماية التراث المشترك للبشرية.

وبينما تتجه الأنظار إلى باريس، يتطلع المصريون والعرب بفخر إلى واحدٍ من أبنائهم وهو يجلس على مقعد القيادة، ممثلًا لقيم العلم، والإنسان، والسلام.

الصفحة الثامنة من العدد رقم 433 الصادر بتاريخ  9 أكتوبر 2025
 
تم نسخ الرابط