الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

« دولـة تصنع وتـصدر وتنــافس » .. مصــر تعــــود إلى مكانتها و5 مبادرات تصنع المعجزة الاقتصادية

خالد الطوخى - صورة
خالد الطوخى - صورة أرشيفية

- إعلان سياسي واقتصادي من العيار الثقيل يُعيد رسم أولويات التنمية ويضع القطاعات الإنتاجية على رأس الأجندة الوطنية

- إطلاق برنامج " رد أعباء المصدرين"  خطوة بالغة الأهمية لتصحيح مسار تأخر استحقاقات طال كثيرًا

- إنشاء 250 ألف غرفة فندقية وتوفير 45 ألف فرصة عمل مباشرة

- تنويع أنماط السياحة بين الثقافية والشاطئية والعلاجية ما يخلق شبكة متكاملة من الأنشطة والخدمات المرتبطة بهذا القطاع

- توفير 120 مليار جنيه لتمويل رأس المال العامل وشراء السلع الرأسمالية

 - الرهان لم يعد على مشاريع صغيرة متناثرة بل على خلق قواعد إنتاج كبيرة تتكامل فيها حلقات القيمة من التصنيع إلى التوزيع إلى التصدير

في لحظة حاسمة من تاريخ الأمم، تتوقف الشعوب قليلًا لتتأمل خياراتها، وتراجع ما مضى، وتقرر بإرادة واضحة: إمّا أن تستسلم لتيارات الاضطراب، أو تمسك بزمام المبادرة وتصنع مستقبلها.

ومصر، في هذه اللحظة، لا تختار الهامش، بل تختار المركز.

لا تنتظر موجات التعافي، بل تخلقها.

لا تستهلك فقط، بل تقرر أن تُنتج، وأن تُصدّر، وأن تُنافس في أسواقٍ لم تكن يومًا سهلة أو مفتوحة الذراعين.

في تقديري الشخصي، فإن المبادرات الاقتصادية الخمس التي أعلنتها الدولة مؤخرًا، ليست مجرد برامج دعم، ولا مجرد أرقام تُدرج ضمن أوراق الموازنة العامة، بل هي إعلان سياسي واقتصادي من العيار الثقيل، يُعيد رسم أولويات التنمية، ويضع القطاعات الإنتاجية على رأس الأجندة الوطنية، بعد سنوات طال فيها الغياب، وتعددت فيها المحاولات دون نتيجة تُذكر.

اللافت للنظر أن هذه المبادرات لا تنطلق من رد فعل متأخر، بل من إدراك استباقي لطبيعة المرحلة التي يعيشها العالم.

ففي ظل التباطؤ الاقتصادي الدولي، وتصاعد أزمات سلاسل التوريد، واضطراب أسواق الطاقة والغذاء، لم يعد أمام الدول إلا الاعتماد على قدراتها الذاتية.

وفي هذا السياق، جاءت تلك المبادرات المصرية كمنظومة متكاملة تسعى لإعادة بناء الاقتصاد الحقيقي، القائم على الصناعة والتصدير والسياحة، وليس مجرد تداول الأموال أو إدارة الديون.

المبادرة الأولى تمثلت في إطلاق برنامج " رد أعباء المصدرين" ، وهي خطوة بالغة الأهمية ليس فقط لدعم مناخ التصدير، وإنما أيضًا لتصحيح مسار تأخر استحقاقات طال كثيرًا، وأثّر بالسلب على تنافسية المنتج المحلي.

حين يُعلَن عن صرف نحو 69 مليار جنيه من مستحقات المصدرين، فهذا يعني أن الدولة لم تعد تؤجل حقوقًا، ولا تؤمن بتجزئة الالتزامات، بل تدرك أن التصدير هو الحصن الحقيقي لميزان المدفوعات، وأن من يُنتج ويُنافس خارجيًا، يجب أن يُكافأ لا أن يُعاقَب.

هذه المبادرة ليست فقط ضخ أموال، بل إشارة واضحة إلى أن مصر تطمح إلى أن تصل بصادراتها إلى 100 مليار دولار سنويًا، وفقًا لرؤية إستراتيجية تم إطلاقها في 2019، لكنها اليوم تدخل حيز التنفيذ الفعلي بدعم مالي حقيقي، وبرؤية تستند إلى شراكة الدولة مع القطاع الخاص، لا إلى الاعتماد عليه أو مراقبته من بعيد.

المبادرة الثانية اتجهت إلى دعم الاستثمار السياحي، والذي يشكّل أحد الروافد الأساسية للنمو، وفرص العمل، وتوليد العملة الصعبة. الدعم لم يكن عامًا أو بلا سقف، بل تم تخصيص 50 مليار جنيه بهدف محدد: إنشاء 250 ألف غرفة فندقية، وتوفير 45 ألف فرصة عمل مباشرة.

تلك الأرقام لا تعني مجرد بناء فنادق جديدة، بل تعني رفع الطاقة الاستيعابية، وتوسيع قاعدة التشغيل، وتنويع أنماط السياحة بين الثقافية والشاطئية والعلاجية، ما يخلق شبكة متكاملة من الأنشطة والخدمات المرتبطة بهذا القطاع.

الأهم أن المبادرة نُفّذت بطريقة ذكية، من خلال تحمّل الدولة فوائد القروض، دون الدخول في تفاصيل تشغيلية تُرهق الجهاز الإدارى، أو تُقلق المستثمر.

هذه المقاربة تجمع بين الانضباط المالي والحافز الاستثمارى، وهو ما تحتاجه القطاعات ذات الحساسية العالية مثل السياحة، التي ترتبط بمزاج السوق العالمي أكثر مما ترتبط بالعوامل المحلية.

المبادرة الثالثة تمثل قلب الخطة بأكملها، وهي المبادرة المُوجّهة لدعم الصناعة والزراعة عبر توفير 120 مليار جنيه لتمويل رأس المال العامل، وشراء السلع الرأسمالية.

هذه الخطوة تمثّل – دون مبالغة – بداية حقيقية لعصر صناعي جديد.

حين تقرر الدولة أن تُوفّر تمويلات بهذه الضخامة، وبسقف يصل إلي 150 مليون جنيه للكيانات الكبرى، فهذا يعني أن الرهان لم يعد علي مشاريع صغيرة متناثرة، بل علي خلق قواعد إنتاج كبيرة، تتكامل فيها حلقات القيمة، من التصنيع إلي التوزيع إلي التصدير.

في عالم اليوم، لا بقاء لمن لا يُنتج، ولا كرامة لمن يستورد كل شيء.

والمصانع، حين تُعاد إليها الحياة، لا تكتفي بتشغيل الآلات، بل تُعيد الحياة إلي مدن، وتُعيد الحلم إلي آلاف البيوت.

ولا يمكن لاقتصاد أن ينمو حقًا، ما لم يكن في قلبه مصنع يعمل، وعامل منتج، وسوق محلية تتوسع، وسوق خارجية تتسع.

المبادرة الرابعة جاءت لتكمل هذه الرؤية، عبر تخصيص 30 مليار جنيه لتحديث الآلات وخطوط الإنتاج.

من الخطأ الاعتقاد بأن مجرد تمويل التشغيل يكفى، لأن مصنعًا يعمل بمعدات من الثمانينات، لن يصمد أمام منافس آسيوي يُنتج بنفس الوقت وبنصف التكلفة.

لذا، فإن دعم التكنولوجيا الصناعية ليس رفاهية، بل ضرورة وجودية.

وما قامت به الدولة في هذا الصدد، من توفير تمويل بفائدة ميسرة لتحديث الماكينات، يمثل نقلة نوعية حقيقية، لا ترفع فقط الإنتاجية، بل ترفع معها الجودة، والتنافسية، والقدرة علي اختراق الأسواق.

أما المبادرة الخامسة، فقد اختتمت المشهد برؤية مستقبلية تُكرّس مفهوم الاستمرارية لا الموسمية، وذلك من خلال تخصيص 23 مليار جنيه إضافية لدعم التصدير، تُصرف خلال ثلاثة أشهر فقط من تقديم المستندات.

الفكرة هنا ليست فقط في المبلغ، وإنما في الالتزام الزمنى، والقدرة علي تحويل الوعود إلي تدفقات نقدية حقيقية.

هذه الخطوة تُرسّخ قاعدة جديدة في العلاقة بين الدولة والمصدر: لا تأخير، لا تعقيد، لا بيروقراطية.

بل التزام، دعم، وثقة.

وهذه القيم، حين تتكرس، فإنها تُصبح أكبر حافز للقطاع الخاص، لأنه لا يريد أكثر من مناخ عادل، وقواعد واضحة، وشريك يُفي بما يقول.

الملفت في هذه المبادرات أنها لا تعمل كلٌ علي حدة، بل تشكّل منظومة متكاملة، تبدأ من دعم التصدير، وتمضي نحو السياحة، وتتفرع للصناعة والزراعة، وتنتهي بتحديث شامل للماكينات والبنية الإنتاجية.

وهنا فقط يمكن أن نتحدث عن رؤية وطنية لا تقوم علي العشوائية، ولا تتحرك بردود الأفعال، بل تُدير الاقتصاد بعقلٍ واعٍ، ونَفَس طويل، ومؤسسات تعرف أين تضع المال، ومتى، ولماذا.

ومع هذه السياسات، ترتسم ملامح تحول اقتصادي كبير: مصانع جديدة، تشغيل حقيقى، صادرات تتوسع، قطاع خاص يعيد تموضعه، ومجتمع يبدأ من جديد في تصديق أن الأمل ليس شعارًا، بل خطة تُنفّذ.

وفي هذا المشهد كله، يظهر الإنسان كمحور رئيسى.

ليس فقط كعامل أو مستثمر، بل كمستفيد حقيقي من التغيير.

فالسياسات حين تصح، فإن آثارها لا تبقي محصورة في التقارير، بل تتجسّد في دخل الأسرة، واستقرار المجتمع، وتحسّن نوعية الحياة.

وكل قرار يُتخذ اليوم، له أثر مباشر علي مستقبل الأجيال القادمة.

فحين تُقرّر الدولة أن تضع الصناعة في المقدمة، فإنها لا تُغازل الحاضر، بل تُخاطب المستقبل.

هكذا تُبني الأوطان: بخطط واضحة، وقرارات جريئة، واستثمار واعٍ، وثقة لا تهتز.

وهكذا تنهض الأمم: حين تضع العمل قبل الكلام، والإنتاج قبل الاستهلاك، والاستثمار قبل الاستدانة.

وهكذا أيضًا تعود مصر إلي مكانتها: دولة تصنع، وتُصدّر، وتُنافس، وتُلهِم

الصفحة الخامسة من العدد رقم 420 الصادر بتاريخ 17 يوليو 2025

 

تم نسخ الرابط