د. فتحى حسين
التنمر ..جريمة أخلاقية مكتملة الأركان

في زمن السوشيال ميديا، بقى عندك فرصة تبقى بطل… بس مش بطل فيلم ولا مسرحية، لأ، بطل في تقطيع خلق الله. من أول لايك سخيف، لتعليق مسموم، لبوست يقطر تحقير… مصانع مفتوحة للكراهية، شغالة ٢٤ ساعة، خطوط إنتاجها بشر عندهم إيدين بتكتب لكن ما عندهمش قلوب بتحس.
يعني بلاش نصب على بعض… اللي بيرمي قذارة على غيره تحت لافتة حرية التعبير مش صاحب رأي ولا حتى "كول" زي ما فاكر، ده جبان بائس، بيختبئ وراء شاشة، بيطلع عقده على اللي أضعف منه، عشان يرتاح لحظتين قبل ما يرجع يتقوقع تاني في جحره.
شوف يا سيدي… مواقع التواصل، اللي المفروض تقرّب المسافات، تحولت عندنا لمستنقعات تحقير وسخرية. واحد ينزل فيديو بسيط، قصيدة، نصيحة، ضحكة… تلقى عليه آلاف التعليقات من نوع: "ايه القرف ده؟"، "شكلك يضحك"، "يا عم روح شوفلك شغل".
والأدهى… الناس تضحك وتعمل شير، وتقول: "عادي يا عم، هزار خفيف". هزار خفيف؟ والله لو تعرف إن كلمة واحدة بتكسر قلب قدامك، كان زمانك بلعت لسانك قبل ما تكتبها.
خذ عندك مثل حي: شريف نصار، شاب مصري بسيط، بيحب الشعر وبيحب يمثل النصيحة، لقى نفسه وسط عاصفة سخرية إلكترونية على تيك توك. تعليقات جارحة، تنمر يومي، حتى وصل الحال إنه فارق الدنيا بأزمة قلبية مفاجئة. موت موجع، مش بس لعيلته ولا أصحابه، ده موت بيحط وشنا كلنا قدام المراية: إحنا بقينا إيه؟ إزاي وصلنا نستهين بروح بني آدم بالشكل ده؟
التنمر مش تصرف عيل صغير ولا هزار مراهق… التنمر عفن نفسي متخم بالجهل، زي ما الفقر بيجيب أمراض الجسد، الجهل بيجيب أمراض الروح، والمتنمرين دول يا عزيزي مش ناقصين حرية، دول ناقصين تربية ورحمة. ولما بنسكت عليهم، بنبقى شركاء، بنبقى بندّيهم تصريح مفتوح بالإفساد.
عاوز تصلّح؟ لازم نوقف معاهم وقفة جد: رقابة على المحتوى، قوانين رادعة، برامج دعم نفسي، مساحات آمنة للضحايا يحكوا فيها وجعهم من غير ما يتكسفوا. والأهم: لازم نربي الأجيال الجديدة على احترام الكلمة، على إن كل حرف له تمن، وإن كل ضحكة على حساب غيرك، ممكن تكون آخر حاجة يتحملها إنسان موجوع.
شريف نصار مات، لكن قصته لسه بتدينا فرصة نسأل: إحنا عايزين نكون أي نوع من المجتمعات؟ اللي بتبني ولا اللي بتكسر؟ اللي ترحم ولا اللي تفرم؟
خلّي عندك شوية ضمير… مش كل تعليق ساخر لازم تكتبه، ومش كل فيديو غريب لازم تضحك عليه… في الآخر، كلنا بنمشي ونسيب ورا ضحايا، حتى لو ما قصدناش.