إن بناء الوعى يعد أمرا بالغ الأهمية وأنه غاية العملية التعليمية، وإن لم يولد التعليم الوعى، خاصةً فى ظل المخاطر، فلا جدوى له. لذلك فإن التعليم هو قضية أمن قومى، بل القضية الأولى، ليس فقط لأنه سياسة دولة، بل لكونه صانع الوعى.

فالأمن القومى لا يعنى أن تكون هناك دولة قوية قادرة على حماية أرضها وسلامة شعبها فحسب، وإنما الأمن القومى قضية مجتمعية، خاصةً أن الحروب الفكرية والثقافية هى أبرز أدوات الصراع فى العصر الحالي.

فالتعليم هو الذى يقوى الهوية، والهوية هى التى تنمى قيم الولاء والانتماء للحفاظ على مقدرات الدولة.

إن الوعى المجتمعى الذى يوافق مبادئ الدولة ويحافظ على كيانها يعد عاملًا رئيسيًا لاستمرارها وبقائها، خاصةً ان فكرة الهدم قائمة على تشويه وتزييف الوعى المجتمعى بآليات عدة.

وهنا تتضافر الجهود، لا جهود الدولة وحدها، بل الأفراد، والمؤسسات، وعلى رأسها المؤسسات التعليمية والقائمون عليها، وعلى قدر المسئولية والوعى تكون النتيجة.

التعليم عملية شاملة تهدف إلى بناء الإنسان ككل، والعمود الفقرى لأى أمة تريد أن تنهض، والبداية دائما ما تكون من التعليم، لذلك عندما يُصاب المجتمع بأى أوبئة اجتماعية وتتقاعس الإرادات وتكثر الأزمات والظواهر السلبية تذهب العقول والقلوب وتجحظ الأعين إلى التعليم باعتباره طوق النجاة والمنقذ، وما نود أن نسلط الضوء عليه،  الجدل الدائر بشأن العنف المدرسى بأشكاله وصوره المختلفة، وهو ما يجب الانتباه إليها جيدا، خاصة أن هناك من يستغل هذه الظواهر وتكرارها وترويجها على أنها لا تأتى في إطار الاستثناء، وهو ما ينعكس بالسلب على المنظومة التعليمية ككل، وعلى شكل الدولة ( اجتماعيا – اقتصاديا – سياسيا ) وانعكسات ذلك على النسيج المجتمعى.

لذلك مواجهة هذه الظواهر السلبية في المدارس تتطلب يقظة مستمرة، وتعاوناً بين جميع الأطراف المعنية "الأسرة، المدرسة، والجهات الحكومية" لخلق بيئة تعليمية آمنة ومحفزة، مع ضرورة وضع سياسة صارمة وواضحة وتكون هذه السياسات معروفة لجميع الطلاب والمعلمين والموظفين وأولياء الأمور.

والأهم، تنفيذ ورش عمل وحملات توعوية منتظمة للطلاب مع توفير تدريب متخصص للمدرسين والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين وتفعيل دور الأخصائيين كخبراء في الصحة النفسية ومنسقين بين العائلة والمدرسة، وبناء الثقة مع الطلاب لتشجيعهم على التحدث عن مشكلاتهم.

ورسالتنا، أن نعلم أن الفرق بين من يُحقق قفزة في عشر سنوات، ومن يظل في موقعه، هو طريقة إدارة الملف، وليس جودة النوايا، الأمر الآخر الذى يجب الانتباه إليه، وبالتالى التفرقة في التعليم من خلال تعدد المدارس والأنظمة قد يكون سبب الإشكالية وهو ما يجب فهمه ودراسته جيدا، لأن هدفنا أن يخرج إنسان مصري حقيقي نقي له هوية وانتماء، فظاهرة العنف الجسدى والجنسى للأطفال بقد يكون بمثابة اختراق للأمن القومى، وجرس إنذار للجميع، وليست عملاً عشوائياً.

التعليم يسهم في بناء إنسان، يدرك أنه مستخلف على أرض، تُستضاء بمزيد من الإعمار، الذي يقوم على عمل متصل وفق فلسفة التعاون، والتكامل بين المؤسسات، ومجالاتها المتباينة؛ ومن ثم تصبح الدولة حائزة للمنعة، التي تواجه بها أي تهديد، أو خطر، سواءً أكان من مفردات الطبيعة، أم من صنع البشر؛ كي تصبح مصالحها الحيوية في مأمن، وهنا نتحدث عن صورة التضافر، والتماسك، والترابط المجتمعي الدافع للتنمية، بكل صورها من خلال مَنْ يؤدي رسالته الوطنية في شتى الميادين، وبسائر المجالات، وبناءً عليه يحدث الاستقرار، وتسود الطمأنينة، ويعزز التعايش السلمي، وتعضد الهوية، والقومية في الوجدان.

تعزيز الأمن القومي المصري، لا ينفك عن بناء إنسان، يمتلك الخبرة، التي تتشكل من معرفة صحيحة، ومقدرة على الفهم العميق، وسائر مهارات التفكير العليا؛ ليصبح قادرًا على صناعة، واتخاذ قرار، ولديه تفرد في التواصل مع الآخرين، ويميل إلى العمل الجماعي، ويحوز فلسفة الانضباط الذاتي، ويحترم الآخرين، ويقدّر ماهية المسؤولية، ويتكيف مع متغيرات، باتت مفروضة على الساحة، ولديه الرغبة في التنمية المهنية، المعينة على مواكبة التطور، والتقدم في مجاله النوعي؛ ومن ثم يصل إلى عتبة الابتكار؛ بالإضافة إلى وعيه المرتبط بقيم المواطنة الصالحة، المعينة على البناء، والتنمية في خضم فكرة الاستدامة.

تم نسخ الرابط