أسامة الأزهري.. سماحة تمشي على الأرض

الكاتب والإعلامى
الكاتب والإعلامى محمد فودة - صورة أرشيفية

- يمتلك هدوء العارفين وسكينة العالم وفصاحة الحكيم.. وبصمته لا تنسى في ملامح الخطاب الديني

- الوسطية نهج راسخ في فكره.. وخطابه يتسم بالعلم ويتنفس الحكمة

- وقار الشيخ وهدوؤه العميق.. صفتان تتجليان في ثبات الإرادة وجلال الحضور

- وزير يعمل في صمت ويؤمن بأن البناء الحقيقي لا يحتاج إلى ضجيج

- وزارة الأوقاف في عهده.. منابر تنطق بالتجديد وخطاب يعيد تشكيل الوعي بروح العصر وثوابت الدين

هناك رجال دين يمرون على الوعي العام كأنهم عابرو سبيل، وهناك آخرون يحدثون أثرا عميقا لا يمحى، الشيخ أسامة الأزهري بلا شك ينتمي للفئة الثانية، فهو ليس مجرد عالم أزهري تقليدي، بل مشروع وطني متكامل يدمج بين العلم الأصيل والتجديد، بين الخطاب الروحي الواعي والعمل المؤسسي المنظم.

وللحق الشيخ أسامة الأزهري عقل مضيء يحمل روح الأزهر ووعيه، وينقل الخطاب الديني من دائرة التكرار إلى فضاء التجديد المتزن، خطابه يجمع بين عمق العلم ورحابة القلب، يلامس العقول دون أن يُقصى، ويدعو إلى الفهم لا التلقين، وتحت رؤيته الهادئة والواثقة، تحول دور وزارة الأوقاف من منبر تقليدي إلى منصة وعي وفكر وتنمية، تعلي من قيمة الإنسان، وتستعيد مكانة الدين كقوة بناء لا أداة استقطاب.

شخصيا، لم أسمع للشيخ أسامة حديثا إلا وشعرت بأن في نبرته طمأنينة وفي كلماته تصالحا مع الذات والآخر، رجل يجيد مخاطبة العقل والقلب معا، لا يُخاصم الحداثة ولا يفرّط في الأصول، ولعل هذه الموازنة الدقيقة هي سر احترام العامة والخاصة له.

وإحقاقا للحق فقد جاء الشيخ أسامة الأزهري في زمن أصبحت فيه الأصوات العالية والخطابات الانفعالية هي الأعلى صخبا، ليعيد تعريف "الخطاب الديني" بهدوء وعمق، وسطيته ليست مجرد مصطلح يزين البيانات، بل منهج متكامل في التفكير والسلوك والفتوى والتعليم، ينطلق الشيخ من جوهر الإسلام المشرق، لا من هوامشه المحمّلة بالاجتهادات المتشنجة، خطبه ولقاءاته الإعلامية لا تزرع خوفًا، بل تفتح أبواب الأمل، وتُعيد الإنسان إلى مركز العلاقة مع الله، لا كخائف مهزوم، بل كمكرم ومكلف.

وجود الشيخ أسامة وزيرا للأوقاف ومستشارا لرئيس الجمهورية للشؤون الدينية، مثّل نقلة نوعية واضحة، الخطاب الديني الرسمي لم يعد صوتا جامدا يعيد تكرار النصوص، بل أصبح مشروعا إصلاحيا واعيا، يتجه نحو بناء الإنسان فكريا وسلوكيا.

برامجه التدريبية للأئمة، ومشاركاته في تطوير المناهج الدعوية، ودعمه خطط التجديد الفكري داخل الوزارة، جعلت من المؤسسة الدينية الرسمية جزءًا فاعلًا في معركة الوعي، لا مجرد مكرر للقديم، حديثه عن "الرحمة" و"التسامح" و"الحكمة" ليس تنظيرًا بعيدًا عن الواقع، بل هو صوت عقل يريد أن يعيد الدين إلى مجاله الطبيعي كقوة بناء لا هدم، ففي زمن تعاني فيه المجتمعات من الاستقطاب والتشدد والارتباك الروحي، برز صوت الشيخ أسامة كواحة هادئة تدعو إلى التوازن.

الشيخ أسامة الأزهري ليس فقط وجها مميزا من وجوه الأزهر الشريف، بل هو تجسيد حي لقدرة الدين على أن يكون رحيما وحداثيا وإنسانيا، إن ما تحقق في عهده بوزارة الأوقاف لا يقاس فقط بالقرارات والخطط، بل بحجم الوعي الذي بدأ يتغير، وبالجيل الجديد من الأئمة والخطباء الذين يحملون نبرته لا نبرة التشنج.

لقد أثبت الأزهري أن التجديد الحقيقي لا يصنعه الصراخ، بل يصنعه الفهم العميق، والسماحة الممتزجة بالعلم، والإخلاص الهادئ الذي يغير دون ضجيج، لقد وجدت في الشيخ أسامة الأزهري ضالتي، حديثه لا يتعامل مع الناس كأرقام في سجلات الوعظ، بل كأرواح متعبة تبحث عن حكمة تهديها لا جلاد يخيفها، حين يتحدث عن المحبة، تشعر بأن قلبه يقولها قبل لسانه، وحين يتأمل في السيرة النبوية، يضيء لك زوايا لم تكن تراها من قبل، أتذكر لقطة عابرة له في لقاء تلفزيوني، حين تحدث عن أهمية تهذيب الكلمة قبل إطلاقها، وأن الدين لا ينتشر بالغلظة، بل بحسن الخلق، في لحظة قصيرة، شعرت بأنني أمام رجل ذي هيبة حقيقية لا بالصوت العالي، بل بالمعنى العميق.

وعلى مستوى الواقع العملي، لا يمكن إنكار البصمة التي تركها الشيخ في تطوير الخطاب الدعوي، لغة الأئمة تغيرت، نبرتهم أصبحت أكثر وعيا، حتى حضورهم في المشهد الاجتماعي بات أقرب للمواطن، لم يعودوا مجرد مبلغين، بل شركاء في صناعة وعي جديد، وهذه النقلة لم تكن لتحدث لولا وجود عقل يُفكر بحجم المشروع الوطني، لا بحجم المنبر فقط، أكثر ما يشعرني بالاطمئنان حين أرى الشيخ أسامة الأزهري في موقع المسؤولية، هو أنه يُدرك أن الدين لا يخصم من رصيد الدولة، بل يُضاف إليه حين يُقدّم بصورته الحقيقية باعثا للأمل، ودافعا للإنتاج، وضامنا للتماسك الأخلاقي والمجتمعي، إنه يمثل تلك المعادلة الصعبة أن تكون عالمًا حقيقيًا، ومثقفا واعيًا، ورجل دولة يعرف متى يتحدث ومتى يصمت.

وللحق وجود الشيخ أسامة الأزهري في الساحة الفكرية والدينية هو نعمة في وقت كثر فيه الالتباس، وضاعت فيه البوصلة بين من يرفعون شعارات التجديد بلا عمق، ومن يتقوقعون في الماضي خوفا من الحاضر، هو رجل لا يهوى الجدل ولا يركض وراء الضوء، بل يسير في طريق واضح المعالم، نشر الفهم، وتثبيت الرحمة، وتحرير العقول من الجمود.

ويظل الشيخ أسامة الأزهري تجربة حية تثبت أن العالم الأزهري حين يجمع بين العلم والخلق، بين التأصيل والتطوير، يمكن أن يكون أداة بناء حقيقية في نهضة الأمة، نبرته الهادئة ليست ضعفًا، بل وعيًا بأن المعارك الكبرى لا تكسب بالصوت، بل بالفكرة، وبالقدرة على مخاطبة الناس حيث هم، لا حيث نريدهم أن يكونوا، ومع كل خطوة تخطوها وزارة الأوقاف نحو التجديد والتنوير، يبدو أثر هذا الرجل واضحا، في الخطاب، في السياسات، وفي فلسفة التعامل مع المجتمع، لم تعد المؤسسة مجرد منبر، بل أصبحت مدرسة تربية ووعي، وهذا هو التغيير العميق الذي لا تصنعه التعليمات، بل تصنعه العقول المستنيرة، وربما تختلف الأجيال القادمة في كثير من الأمور، لكني على يقين أن اسم أسامة الأزهري سيبقى حاضرا في ذاكرة الزمن كأحد أولئك الذين أحبوا الدين بصدق، وخدموه بوعي، وتركوا فيه ما يدعو للفخر لا الندم، وإذا كان الزمن غربالًا كما يقولون، فقد أثبت الرجل أن الذهب لا يُخفى وأن العلم حين يصاحبه خلق، يبقى خالدًا مهما تغيرت الأيام.

الصفحة الثانيةعشر من العدد رقم 440 الصادر بتاريخ  27 نوفمبر 2025
تم نسخ الرابط