واقع يصنعة الشعب كل يوم

محمود الشويخ - صورة
محمود الشويخ - صورة أرشيفية

- بينما تتهاوى كيانات وتضيع خرائط.. تظل مصر ثابتة كجبلها.. صامدة بشعبها.. ماضية نحو مستقبلٍ تُكتب فصوله بعرق المخلصين وسواعد البنّائين

في وقتٍ تموج فيه المنطقة العربية بالحروب والصراعات والانقسامات، وفي لحظةٍ يختلط فيها صوت الرصاص بأنين الشعوب، خرج المصريون من جديد ليكتبوا مشهدًا مختلفًا، مشهدًا من الوعي والإرادة والإيمان بالدولة.

لم يكن ما حدث في انتخابات مجلس النواب مشهدًا عابرًا أو إجراءً ديمقراطيًا شكليًا، بل كان استفتاءً جديدًا على استقرار مصر، وعلى مشروع الدولة الحديثة التي وُلدت من رحم التحديات.

كانت الصورة أبلغ من أي خطاب: رجال ونساء، شباب وشيوخ، يقفون في طوابير طويلة تحت شمس نوفمبر الدافئة، يحملون بطاقاتهم وكأنهم يحملون رسالة إلى العالم مفادها أن مصر لن تسقط، ولن تعود إلى الفوضى مهما حاولت دعايات الكراهية أن تشوه الحقيقة.

مصر التي تصنع المعنى في زمن الانهيار

بينما تنهار دول من حولنا وتُهدم أوطان وتُهجر شعوب، ظلت مصر وحدها تقف بثباتٍ وشموخ، تبني مؤسساتها وتُجدد قوانينها وتُرسّخ مشروعها الوطني نحو "الجمهورية الجديدة" التي دعا إليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، جمهورية تُبنى على أساس من الكفاءة والانضباط وسيادة القانون، لا على فوضى الشعارات ولا مزايدات الحناجر.

وفي هذا السياق، جاءت انتخابات مجلس النواب 2025 كحلقة جديدة في سلسلة بناء الدولة، وكدليلٍ عملي على أن المسار الديمقراطي في مصر لم يكن ترفًا سياسيًا، بل ركيزة أساسية من ركائز استقرارها، فالانتخابات لم تُجرَ في فراغ، بل في سياق إقليمي ملتهب، وواقع دولي متغير، وتجارب دول مجاورة غارقة في دوامة الانقسام والعنف.

وعي الشعب أقوى من الدعاية السوداء

سؤالٌ مشروع طرحه الكثيرون: لماذا خرج المصريون بهذه الكثافة إلى لجان التصويت، رغم كل محاولات التشكيك والدعاية السوداء التي شنّها الإعلام المعادي وجماعة الإخوان الإرهابية؟

الجواب بسيط لكنه عميق؛ لأن المصريين تعلّموا الدرس.

لقد أدركوا أن معركة الوعي لا تقل خطورة عن معركة البقاء، وأن حماية الدولة تبدأ من صندوق الانتخابات قبل أن تبدأ من فوهة البندقية.

ولذلك، لم تكن مشاركة المصريين مجرد أداء واجبٍ انتخابي، بل كانت فعلًا وطنيًا واعيًا ورسالة ردٍّ على كل من يراهن على سقوط مصر.

الإخوان الذين حاولوا بثّ الإحباط عبر مواقعهم وصفحاتهم، فوجئوا بأن الشعب الذي واجه الإرهاب في الميدان، قادر أيضًا على هزيمته بالصوت والورقة داخل الصندوق.

لقد خسروا المعركة الإعلامية تمامًا؛ لأن الشارع لم يعد يصدق أكاذيبهم، ولا يثق بشعاراتهم القديمة.

ومن يتأمل المشهد أمام اللجان، يدرك أن المصريين لم يخرجوا استجابةً لنداء حزبي أو سياسي، بل خرجوا لأنهم يدركون قيمة الوطن، ويدركون أن الحفاظ عليه هو المعركة الكبرى.

الانتخابات كصورة من صور الاستقرار

من الناحية السياسية، تعكس انتخابات مجلس النواب الأخيرة حالة استقرار مؤسسي حقيقي.

فكل مؤسسات الدولة اليوم تعمل وفق قواعد واضحة ودستور مستقر، لا تحت وصاية الخارج ولا في ظل فوضى الميليشيات كما يحدث في دول أخرى.

إن ما تحقق خلال السنوات الماضية من إعادة بناء الدولة لم يكن ليكتمل دون انتخابات حرة تُعبّر عن الإرادة الشعبية، وتضمن تداول المسؤولية داخل إطار من الانضباط الوطني.

ومن هنا، فإن مشهد الطوابير الطويلة أمام اللجان الانتخابية هو استفتاء على الدولة قبل أن يكون استفتاءً على المرشحين، ودليل على أن المصريين اختاروا طريق الاستقرار لا طريق الفوضى.

مصر التي انتصرت مرتين

لقد انتصرت مصر في هذه الانتخابات مرتين:

المرة الأولى عندما انتصرت على حملات التشويه والتشكيك التي حاولت استهداف نزاهة العملية الانتخابية.

والمرة الثانية عندما أثبتت أن الوعي الشعبي صار الدرع الحقيقي للدولة، وأن المصريين يعرفون كيف يفرّقون بين البناء والهدم، بين من يعمل بصمت ومن يصرخ بلا إنجاز.

الانتخابات لم تكن مجرد عملية سياسية، بل كانت اختبارًا للثقة بين الشعب ومؤسساته.

وعندما يرى المواطن المصري أن دولته تحارب الإرهاب، وتبني الطرق والموانئ والمدن الجديدة، وتُطلق أكبر مشروع تنموي في تاريخها، فإنه يشعر بأن صوته في الصندوق هو امتدادٌ لجهدٍ في الميدان.

وفي خضم هذا المشهد المشرق، لا يمكن أن نغفل دور رجال الظل في الأجهزة الأمنية والمخابراتية الذين حموا الدولة من الفوضى، وواجهوا التنظيمات الإرهابية في الخفاء قبل أن تصل شرارتها إلى الشارع.

هؤلاء الرجال الذين لا يظهرون في الإعلام ولا يسعون إلى شهرة، هم الذين حفظوا استقرار الوطن وأمّنوا العملية الانتخابية في كل محافظات مصر.

من دونهم، ما كانت لجان الانتخابات لتُفتح في موعدها، ولا كانت الطوابير لتصطف في أمان.

إنهم الجدار الصامت الذي يحمي الجمهورية الجديدة من رياح الفوضى التي تعصف من حولنا، والعين الساهرة التي تتابع كل محاولة لزعزعة الأمن، وتُفشلها في صمتٍ واحتراف.

ولذلك، فإن قول "شكرًا لرجال الظل" ليس مجاملة، بل هو اعتراف بالجميل ووفاءٌ للذين صانوا الدولة بأرواحهم وأدوا رسالتهم في صمتٍ ونزاهة.

فالأمن هو الأساس الذي يُبنى عليه كل شيء: السياسة، والاقتصاد، والتنمية، وحتى صندوق الانتخابات.

الوعي الشعبي طريق الجمهورية الجديدة

إن ما شهدته مصر من انتخابات نزيهة ومنظمة يعكس انتقالًا حقيقيًا نحو مرحلة الوعي الجمعي، حيث أصبح المواطن شريكًا في القرار لا مجرد متلقٍ له.

فالجمهورية الجديدة ليست مشروعًا سياسيًا فحسب، بل مشروعا وطنيا شاملا يقوم على فكرة المشاركة والمسؤولية، وعلى إيمان عميق بأن الدولة لا تُدار بالعشوائية بل بالتخطيط والعلم والعمل الجماعي.

وإذا كانت بعض الدول تواجه اليوم مصير التفكك والانقسام، فإن مصر قدمت نموذجًا مغايرًا: دولة تواجه التحديات من موقع المبادرة لا من موقع الانفعال، وشعب يشارك في صنع القرار بدافع الانتماء لا بدافع الخوف أو المصلحة.

إن المصريين، وهم يصوّتون لمجلس نواب جديد، كانوا في الواقع يصوّتون لاستمرار الدولة ذاتها، وللمشروع الوطني الذي أنقذ مصر من مصيرٍ كان محتوماً لولا تماسك مؤسساتها وإرادة شعبها.

رسالة إلى من يراهن على سقوط مصر

ربما تُزعج هذه المشاهد بعض القوى التي اعتادت أن تراهن على فشل التجربة المصرية، لكن الحقائق على الأرض واضحة:

مصر اليوم دولة مؤسسات قوية، بجيشها وأجهزتها وشعبها، تسير بخطى ثابتة رغم الأزمات العالمية.

من يشاهد حال الإقليم يدرك حجم ما أنجزته القاهرة في حفظ تماسكها ووحدتها، وفي بناء منظومة سياسية واقتصادية صلبة قادرة على امتصاص الصدمات.

لقد تغيّر وعي المصريين، وتغيّر معنى الوطنية في نفوسهم، فلم تعد تُختزل في الشعارات، بل في العمل والإنتاج والمشاركة الواعية.

وهذا ما جعلهم يخرجون بكثافة إلى صناديق الاقتراع: ليقولوا للعالم إنهم باقون على العهد، وإن الجمهورية الجديدة ليست شعارًا بل واقعًا يصنعه الشعب كل يوم.

انتصار الإرادة

في النهاية، يمكن القول إن انتخابات مجلس النواب الأخيرة لم تكن مجرد عملية سياسية داخلية، بل تجسيدًا لانتصار الإرادة الوطنية المصرية على كل محاولات العبث والاستهداف.

لقد قال المصريون كلمتهم بوضوح: لن نعود إلى الفوضى، ولن نسمح بإسقاط الدولة.

الصفحة الثانية  من العدد رقم 438 الصادر بتاريخ  13 نوفمبر 2025
تم نسخ الرابط