صابر سالم يكتب: خطة تطوير الفنادق في مصر
تشهد مصر في السنوات الأخيرة طفرة نوعية في قطاع السياحة، تقودها خطة شاملة لتطوير الفنادق ورفع كفاءة البنية التحتية للضيافة بما يتماشى مع رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.
وتستهدف هذه الخطة تحويل مصر إلى واحدة من أبرز الوجهات السياحية على مستوى العالم، من خلال زيادة الطاقة الاستيعابية للفنادق، وتحسين جودة الخدمات المقدمة، وتعزيز استدامة القطاع بما يتناسب مع المعايير الدولية.
تبدأ ملامح الخطة بمبادرة وطنية لتمويل مشروعات تطوير الفنادق، خصصت لها الدولة حزمة مالية ضخمة لتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية في بناء وتوسعة المنشآت الفندقية.
وتركز المبادرة على المناطق ذات الجذب السياحي العالي مثل القاهرة الكبرى، الأقصر، أسوان، البحر الأحمر وجنوب سيناء، مع منح أولوية للمشروعات التي تراعي البعد البيئي وتستخدم الطاقة النظيفة.
الهدف من هذه الخطوة ليس فقط زيادة عدد الغرف، بل أيضًا تحسين جودة الإقامة والخدمة، وتوفير فرص عمل جديدة تعزز الاقتصاد الوطني.
كما شملت الخطة تحديث القوانين المنظمة لقطاع الفنادق والمنشآت السياحية، بما يسهم في تبسيط إجراءات الترخيص، وتحفيز المنافسة على أساس الجودة.
وتعمل وزارة السياحة والآثار على تطبيق منظومة تصنيف جديدة للفنادق وفق المعايير العالمية، تتيح للسائح معرفة مستوى الخدمة قبل الحجز، وتُلزم الفنادق بالالتزام بضوابط السلامة والنظافة وكفاءة الطاقة.
ومن شأن هذا النظام أن يرفع من تصنيف مصر عالميًا في مؤشرات جودة الخدمات الفندقية.
جانب آخر من الخطة يركّز على الاستدامة البيئية، حيث تشجع الدولة الفنادق على التحول إلى منشآت خضراء من خلال برامج دعم فني ومالي للحصول على شهادات الاعتماد البيئي. وتُعد محافظتا البحر الأحمر وجنوب سيناء في مقدمة المناطق التي بدأت تنفيذ هذا التحول، إذ يجري العمل على تقليل استخدام البلاستيك، وتوسيع الاعتماد على الطاقة الشمسية، وتطوير أنظمة إعادة التدوير داخل الفنادق.
هذه الإجراءات لا تهدف فقط إلى حماية البيئة، بل أيضًا إلى جذب نوعية جديدة من السائحين الذين يفضلون المقاصد الصديقة للبيئة.
وتتضمن الخطة أيضًا التوسع في أنماط الإقامة غير التقليدية، مثل تحويل المباني التاريخية ذات الطابع المعماري الفريد إلى فنادق بوتيكية، وإعادة استثمار القصور القديمة والمنازل التراثية في القاهرة والإسكندرية والأقصر.
هذه الخطوة تمثل دمجًا ذكيًا بين السياحة الثقافية وسياحة الرفاهية، وتمنح السائح تجربة فريدة تجمع بين الأصالة والحداثة في آنٍ واحد.
كذلك تولي الدولة اهتمامًا كبيرًا بتدريب وتأهيل الكوادر العاملة في القطاع الفندقي، إذ تم إطلاق برامج تدريبية متخصصة بالتعاون مع مؤسسات تعليمية وسياحية عالمية، تهدف إلى رفع كفاءة العاملين في مجالات الضيافة والإدارة والتسويق وخدمة العملاء.
ويأتي ذلك انطلاقًا من قناعة راسخة بأن العنصر البشري هو الأساس الحقيقي لتطوير الخدمات السياحية.
وتسعى الحكومة من خلال هذه الخطة إلى رفع الطاقة الاستيعابية للفنادق إلى أكثر من 400 ألف غرفة خلال السنوات القليلة المقبلة، لمواكبة الزيادة الكبيرة في أعداد السائحين التي تجاوزت خمسة عشر مليون زائر سنويًا.
ويجري بالتوازي تطوير المطارات والطرق والموانئ لضمان سهولة الوصول إلى المقاصد السياحية المختلفة، مما يسهم في زيادة معدلات الإشغال وتحسين تجربة الزائر من لحظة الوصول وحتى المغادرة.
وفي المجمل، تمثل خطة تطوير الفنادق في مصر نقلة نوعية تهدف إلى بناء صناعة سياحة عصرية ومستدامة، تليق بمكانة مصر التاريخية وتنافس كبرى الوجهات العالمية.
فبين التحفيز الاستثماري، والتحديث التشريعي، والالتزام البيئي، وتدريب الكوادر البشرية، تتكامل الجهود نحو تحقيق رؤية تجعل من مصر مركزًا إقليميًا وعالميًا للسياحة الفندقية، يجمع بين سحر الماضي وروح المستقبل.
