صابر سالم يكتب: مصر.. كنز سياحي ينتظر الاستثمار

تمتلك مصر واحدة من أعرق وأغنى الحضارات في التاريخ الإنساني، فهي أرض الفراعنة وملتقى الديانات ومهد الثقافات، وبوابة جغرافية تجمع بين القارات الثلاث: إفريقيا وآسيا وأوروبا.
هذه المكانة الفريدة تمنحها فرصًا استثنائية لتكون في مقدمة الوجهات السياحية العالمية، إذا ما أحسنت استغلال ما لديها من ثروات طبيعية وتاريخية وثقافية، ووظفتها برؤية حديثة قادرة على جذب السائح العصري الذي يبحث عن التجربة الشاملة.
تنوع المقومات السياحية
تملك مصر مقومات سياحية متعددة لا تتوافر مجتمعة في كثير من دول العالم. فهناك السياحة الثقافية والأثرية التي تجذب ملايين المهتمين بالتاريخ والحضارة، بدءًا من أهرامات الجيزة وأبو الهول، مرورًا بمعابد الكرنك والأقصر ووادي الملوك في الأقصر وأسوان، وصولًا إلى المتحف المصري الكبير الذي يُنتظر أن يكون أكبر متحف أثري في العالم.
وفي المقابل، تزخر مصر بسواحل ممتدة على البحرين الأحمر والمتوسط، تقدم فرصًا هائلة للسياحة الشاطئية والرياضات البحرية والغوص في واحدة من أجمل بيئات الشعاب المرجانية.
كما يضاف إلى ذلك السياحة الدينية التي تستند إلى إرث إسلامي ومسيحي ويهودي عريق، يجعل من مصر ملتقى روحانيًا فريدًا.
فرص استثمارية واعدة
تقدر منظمة السياحة العالمية أن السياحة أصبحت تمثل أكثر من 10% من الاقتصاد العالمي، وفي حالة مصر فإن زيادة الاستثمار في البنية التحتية السياحية يمكن أن يضاعف العوائد السنوية.
هناك فرص كبيرة في تطوير الفنادق والمنتجعات وفق المعايير العالمية، خاصة في المناطق الواعدة مثل الساحل الشمالي والعلمين الجديدة، إضافة إلى التوسع في سياحة المؤتمرات والمعارض التي باتت رافدًا مهمًا للدول المنافسة.
كما تشكل السياحة البيئية والصحراوية فرصة جديدة، حيث يمكن تحويل الصحراء المصرية إلى مقصد عالمي لرحلات السفاري ومراقبة النجوم والسياحة العلاجية باستخدام الرمال والعيون الكبريتية.
تحديات تحتاج إلى حلول
رغم هذه الإمكانات الهائلة، ما زالت السياحة المصرية تواجه تحديات تتعلق بالتسويق والترويج، حيث لا تزال صورة مصر في بعض الأسواق العالمية تقليدية لا تعكس حجم التطور الذي تشهده البلاد.
كما أن المنافسة الإقليمية من دول مثل تركيا والإمارات والمغرب تفرض على مصر تقديم منتج سياحي متنوع بأسعار تنافسية وخدمات عالية الجودة.
وتبقى مسألة تطوير الكوادر البشرية العاملة في القطاع من أهم القضايا، إذ لا يمكن للسائح أن يستمتع بتجربته إذا لم يتلقَ خدمة راقية تعكس كرم الضيافة المصري.
التحول الرقمي كرافعة للسياحة
واحدة من أبرز الفرص أمام مصر هي التحول الرقمي في إدارة وترويج السياحة.
فالسائح اليوم يعتمد على الإنترنت وتطبيقات السفر لحجز رحلاته واختيار وجهاته.
ومن هنا، يصبح من الضروري إطلاق منصات رقمية متكاملة تتيح الحجز المباشر للفنادق والبرامج السياحية، وتوفر معلومات دقيقة بلغات متعددة، مع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للتسويق الموجه.
رؤية نحو المستقبل
إذا استطاعت مصر أن توظف هذه الفرص بذكاء، فإنها قادرة على مضاعفة عدد السياح من 15 مليون سائح حاليًا إلى 30 مليون خلال سنوات قليلة، بما يعزز الاقتصاد الوطني ويوفر ملايين فرص العمل.
والسياحة ليست مجرد صناعة ترفيهية، بل هي قوة ناعمة تعكس صورة الدولة، وتبني جسورًا من التفاهم مع شعوب العالم.
إن مصر، بتاريخها العريق وطبيعتها الساحرة وموقعها الفريد، تملك كل عناصر التميز.
ويبقى التحدي في تحويل هذه الإمكانات إلى واقع ملموس عبر استراتيجيات واضحة، واستثمارات جادة، وشراكات دولية، لتظل مصر دائمًا الوجهة التي يحلم بها كل مسافر يبحث عن مزيج بين الماضي العريق والحاضر المتجدد.
