«اللعب بالنار مع مصر» .. كيف وضع الرئيس السيسي إسرائيل في "وضع الرعب"؟

محمود الشويخ - صورة
محمود الشويخ - صورة أرشيفية

- ما سر وصف السيسي لإسرائيل بالعدو لأول مرة منذ زيارة السادات إلى القدس؟!

- كلمة الرئيس في قمة الدوحة.. "خارطة طريق" لمواجهة غطرسة وجنون نتنياهو 

- الصحافة الإسرائيلية تُصاب بالهلع.. وقيادات المعارضة اليهودية تحذر من اللعب مع مصر

لم تكن كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة الدوحة مجرد خطاب عابر على منبر دبلوماسي، بل كانت أشبه بجرس إنذار دوّى في أروقة تل أبيب وأربك حسابات قادتها.

في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة، خرج صوت القاهرة صريحًا وحادًا، يعرّي السياسات الإسرائيلية، ويضعها أمام مسؤوليتها عن جرائم الحرب في غزة، واعتداءاتها المستهترة على سيادة الدول العربية.

ما قاله الرئيس لم يكن ترديدًا لمواقف تقليدية، بل إعلانًا صريحًا أن الصبر العربي قد نفد، وأن مصر – بما تمثله من ثقل ومكانة – قررت أن تعيد ضبط قواعد اللعبة، وتواجه الغطرسة الإسرائيلية بلغة الحزم، لتضع إسرائيل في "وضع الرعب" الذي لم تعهده منذ عقود.

وضع الرعب

منذ بداية كلمته، ربط الرئيس المصري بين العدوان الإسرائيلي على قطر وجرائمه المتواصلة في غزة، مؤكداً أن ما تقوم به إسرائيل ليس سوى ممارسات "منفلتة" تجاوزت كل الخطوط الحمراء.

هذا الخطاب الحاد لم يترك مجالاً للغموض، بل وجه رسالة مباشرة بأن القاهرة لم تعد تقبل بسياسة "الهروب من العقاب" التي تمارسها إسرائيل منذ عقود.

الرعب الإسرائيلي لم يكن من مضمون الإدانة وحده، بل من دلالاتها السياسية؛ إذ أكد السيسي أن العدوان على قطر – الدولة التي تضطلع بدور محوري في الوساطات – يعني عمليًا ضرب الاستقرار الإقليمي وإفشال أي جهد دولي للتهدئة.

إسرائيل وجدت نفسها فجأة في مرمى الاتهام بأنها لا تريد سلامًا ولا تهدئة، بل تتعمد توسيع رقعة الصراع. وفي السياسة، هذه الرسائل حين تأتي من القاهرة تحديدًا، تحمل وزنًا لا يمكن تجاهله.

تفجير اتفاقيات السلام

في سابقة لافتة، خاطب السيسي الشعب الإسرائيلي مباشرة، قائلاً إن ما يجري يقوض مستقبل السلام ويهدد أمن إسرائيل نفسها، بل يضع العراقيل أمام أي اتفاقيات قائمة أو مرتقبة.

هذا التصريح لم يكن عابرًا؛ فالقاهرة التي رعت اتفاقية "كامب ديفيد" وتعتبر الضامن الأبرز للاستقرار مع إسرائيل، تعلن اليوم على الملأ أن تل أبيب بممارساتها الحالية تهدد هذه الاتفاقيات.

الصدمة التي تلقتها الأوساط الإسرائيلية تكمن في أن مصر – شريك السلام الأول – تحذر علنًا من انهيار ما بُني عبر عقود، وتضع المسؤولية كاملة على قادة إسرائيل الذين اختاروا العنف بدلًا من الالتزام بالقانون الدولي.

فالرئيس لم يكتفِ بتحميل إسرائيل مسؤولية الدماء في غزة، بل وضعها أمام حقيقة سياسية: أن استمرار العدوان لن يقود سوى إلى تفجير المعاهدات القائمة وإعادة المنطقة إلى أجواء الصراع.

العدو الواضح

أحد أكثر مقاطع الكلمة قوة وإثارة كان حين استخدم الرئيس لفظ "العدو" في وصف إسرائيل، وهو توصيف لم يجرؤ أي رئيس مصري بعد السادات على استخدامه علنًا.

منذ زيارة القدس عام 1977 وما تبعها من معاهدة سلام، التزمت الخطابات الرسمية المصرية باستخدام لغة هادئة حتى في أحلك اللحظات.

لكن السيسي كسر هذا التقليد، ليعيد توصيف إسرائيل باعتبارها "عدوًا" حين يعتدي على سيادة الدول العربية والإسلامية ويهدد أمنها القومي.

هذا التوصيف لم يكن لغويًا فقط، بل يعكس تحوّلًا في الإدراك الإستراتيجي.

فإسرائيل لم تعد مجرد طرف متجاوز أو قوة احتلال في فلسطين، بل أصبحت عامل تهديد مباشرا للأمن القومي العربي من المحيط إلى الخليج.

وهنا تبرز دلالات الرسالة: القاهرة لم تعد ترى إسرائيل كطرف يمكن الوثوق بسلامه، بل كخطر وجودي يتطلب مواجهته بموقف عربي إسلامي موحد.

خارطة طريق

الخطاب المصري لم يتوقف عند حدود الإدانة أو التحذير، بل قدّم ملامح خارطة طريق لمواجهة السياسات الإسرائيلية.

فقد دعا السيسي إلى بناء "آلية عربية إسلامية للتنسيق والتعاون" لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية، بما يمنع أي قوة إقليمية من فرض ترتيبات أحادية أو الهيمنة على المنطقة.

كما شدد على أن الحل الوحيد يكمن في إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

هذه النقطة تحديدًا تمثل الرد العملي على جنون نتنياهو السياسي، الذي يحاول إجهاض حل الدولتين وتكريس سياسة الاستيطان والتهجير

ومن خلال الدعوة إلى مؤتمر دولي لحل الدولتين، وضعت القاهرة المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، محذرة من أن تجاهل هذه الفرصة سيقود إلى انفجار أكبر.

اللعب مع مصر

ردود الفعل في الداخل الإسرائيلي كانت لافتة؛ إذ تعاملت الصحف العبرية مع خطاب السيسي بقلق شديد، ووصفت بعض التعليقات الكلمة بأنها "الأقسى منذ توقيع كامب ديفيد".

محللون في تل أبيب اعتبروا أن مصر أرسلت إنذارًا واضحًا بأن السلام ليس مفتوحًا بلا ثمن، وأن استمرار الغطرسة سيؤدي إلى نتائج كارثية على إسرائيل نفسها.

بل إن قيادات من المعارضة الإسرائيلية خرجت لتحذر نتنياهو من "اللعب بالنار مع مصر"، مؤكدين أن خسارة القاهرة كوسيط وفاعل إقليمي ستكون ضربة لا يمكن لإسرائيل تحملها.

وفي ظل الأزمة الداخلية الإسرائيلية وتزايد الانقسام السياسي، جاءت كلمة السيسي لتضاعف الضغوط على الحكومة، وتكشف حجم العزلة التي باتت تعيشها تل أبيب.

استعادة زمام المبادرة

بخطاب قمة الدوحة، أعادت مصر تثبيت موقعها كقلب العالم العربي والإسلامي، والفاعل الذي لا يمكن تجاوزه في أي معادلة تخص الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

فالرسالة كانت واضحة: لا مجال بعد اليوم لسياسات إسرائيلية منفلتة، ولا قبول باستهداف المدنيين أو تهجير الفلسطينيين من أرضهم. والمطلوب هو تحرك عربي وإسلامي موحد يضع حدًا لهذه الغطرسة.

لقد أعاد السيسي إلى الأذهان الدور التاريخي لمصر كقائدة لمشروع السلام وحامية للأمن القومي العربي. لكنه في الوقت نفسه، أكد أن هذا الدور لن يستمر على حساب الحقوق العربية أو في ظل سياسة إسرائيلية لا تعترف بالقانون ولا بالمبادئ الإنسانية.

وبذلك، فتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاطي العربي مع إسرائيل، مرحلة تقوم على الحزم والوضوح، لا على المساومات الفارغة.

وأخيرًا أقول:

إن خطاب السيسي في قمة الدوحة لم يكن مجرد تسجيل موقف، بل تحوّل إلى رسالة إنذار وتوجيه في آنٍ واحد: إنذار لإسرائيل بأن سياساتها تقودها إلى عزلة وصدام مع جوارها العربي والإسلامي، وتوجيه للعرب والمسلمين بأن وحدتهم هي السبيل الوحيد لردع العدوان وحماية الحقوق.

لقد جاء الخطاب ليعيد تعريف موازين القوى في المنطقة، ويؤكد أن مصر – برؤيتها ومكانتها – لا تزال قادرة على تغيير قواعد اللعبة متى شاءت.

إنها كلمة ستظل علامة فارقة في الخطاب السياسي المصري منذ كامب ديفيد حتى اليوم، لأنها أعادت رسم حدود العلاقة مع إسرائيل، وأكدت أن القاهرة لا تزال تملك مفاتيح الاستقرار والسلام، لكنها في الوقت ذاته لن تتهاون أمام أي عدوان على سيادة الدول العربية والإسلامية، أو على حقوق الشعب الفلسطيني.

الصفحة الثانية من العدد رقم 429 الصادر بتاريخ 18 سبتمبر 2025
تم نسخ الرابط