« مفيش على راسنا بطحة » .. كيف ترد الدولة المصرية على إرهابيي السفارات بالخارج ؟

محمود الشويخ - صورة
محمود الشويخ - صورة أرشيفية

مصر التي علمت الدنيا كيف تُصان الكرامة وتُحمي السيادة، تثبت يومًا بعد يوم أنها لا تعرف الانكسار ولا تقبل المساومة على حقها.. مصر التي تواجه العواصف بثبات الأهرام ونقاء النيل، تبرهن اليوم أنها قادرة على ردع كل من يحاول الاقتراب من هيبتها الوطنية أو المساس ببعثاتها الدبلوماسية في الخارج.  ،،

- لماذا اعتذرت هولندا الآن عن الاعتداء على مبنى السفارة المصرية في لاهاي؟

- ما سر تهديد الوزير بدر عبدالعاطي برفع الحماية عن سفارة أي دولة تسمح بالاعتداء على بعثتنا الدبلوماسية؟

- أسرار مواجهة شباب مصر في الخارج لإرهاب السفارات الإخوانية.. وكواليس الوقفة المصرية أمام سفارة هولندا بالزمالك

في لحظة فارقة تتكشف فيها معادن الدول وقدرتها على حماية هيبتها، برزت مصر بموقف صارم وواضح في مواجهة حادث الاعتداء الفردي الذي وقع أمام مبنى سفارتها في مدينة لاهاي الهولندية. 

لم تتعامل القاهرة مع الحادث بوصفه مجرد واقعة عابرة يمكن تجاوزها، بل نظرت إليه باعتباره اختبارًا حقيقيًا لالتزام الدول المضيفة بواجباتها تجاه البعثات الدبلوماسية الأجنبية وفقًا للقانون الدولي واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية. 

ومن هنا جاء التحرك المصري السريع والمباشر، سواء عبر القنوات الرسمية متمثلة في اتصال وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبد العاطي بنظيره الهولندي، أو من خلال المواقف الشعبية التي جسدها اتحاد شباب مصر في الخارج، حين نظموا وقفة تضامنية قوية للتصدي لمحاولات الاعتداء الإخوانية على السفارة المصرية.

هذا المزيج بين التحرك الرسمي والتحرك الشعبي كشف عن معادلة مصرية جديدة في التعامل مع ما يمكن تسميته بـ "إرهاب السفارات"، وهو الإرهاب الذي يحاول أن ينقل معارك جماعات متطرفة إلى عواصم العالم عبر استهداف البعثات الدبلوماسية.

لكن مصر بعثت برسالة شديدة الوضوح: "لا أحد يملك أن يضع على رأسنا بطحة".

لا للابتزاز

قد يتصور البعض أن مصر يمكن أن تتغاضى عن بعض الحوادث الفردية التي تقع أمام بعثاتها الدبلوماسية في الخارج، باعتبارها "تفاصيل صغيرة" لا تستحق التصعيد.

لكن الموقف المصري الأخير أثبت العكس تمامًا.

فمنذ اللحظة الأولى، أصر الوزير بدر عبد العاطي على تحميل الحكومة الهولندية المسؤولية الكاملة عن تأمين مقر السفارة المصرية، مؤكدًا أن احترام القوانين الدولية ليس خيارًا، بل التزامًا لا مجال للتهاون فيه.

عبارة "مفيش على راسنا بطحة" تختصر الموقف المصري: الدولة واثقة من عدالة قضيتها، ومن شرعية وجود بعثاتها، ومن حقها الأصيل في المطالبة بالحماية الكاملة لمقارها الدبلوماسية، تمامًا كما توفر هي الحماية لبعثات الدول الأخرى على أراضيها.

إن رفض مصر أي محاولة للابتزاز أو التبرير، يضعها في مصاف الدول التي تعرف كيف تدافع عن كرامتها الوطنية دون تردد.

اتصال هام

من النقاط اللافتة في الاتصال الهاتفي بين الوزيرين المصري والهولندي أن الدكتور بدر عبد العاطي لوّح بوضوح بمبدأ "المعاملة بالمثل".

هذا التلويح ليس مجرد تصريح عابر، بل هو أداة ضغط قوية في العلاقات الدولية.

فعندما تقول مصر إنها قد ترفع الحماية عن أي سفارة أجنبية في حال عدم حماية بعثتها، فهي بذلك تستخدم حقها السيادي في الرد بالمثل، لتؤكد أن الاحترام لا يكون من طرف واحد.

المعاملة بالمثل هنا ليست تهديدًا بقدر ما هي تحذير من نتائج الإهمال.

فإذا كان هناك من يظن أن أمن البعثات المصرية يمكن أن يُترك للعبث أو أن يتعرض للانتهاك من دون رد، فإن القاهرة تقول بوضوح: "كما تحافظون نحافظ، وكما تفرّطون نُحاسب".

الرد القوي

السؤال الأبرز الذي يفرض نفسه هو: كيف ستتعامل مصر مع ما يمكن وصفه بـ "إرهاب السفارات" الذي تقوده بعض العناصر المحسوبة على جماعة الإخوان في الخارج؟

الإجابة تكمن في مزيج من السياسات:

•  أولاً: التحرك الدبلوماسي السريع، كما ظهر في موقف وزارة الخارجية المصرية، حيث لم تترك الأمر يمر دون اتصال مباشر ورسمي مع الحكومة الهولندية.

•  ثانيًا: الحشد الشعبي والجاليات المصرية في الخارج، الذين أصبحوا خط الدفاع الأول عن صورة بلدهم وكرامتها، كما فعل اتحاد شباب مصر في الخارج بتنظيم وقفة قوية أظهرت أن السفارة ليست وحدها.

• ثالثًا: الإعلام الوطني الذي يبرز الحقائق ويكشف للرأي العام الدولي أن ما يحدث أمام السفارات ليس احتجاجًا مشروعًا بل محاولات فوضوية تستهدف إرهاب الدبلوماسيين.

•  رابعًا: التلويح بأدوات ضغط قانونية ودبلوماسية مثل اللجوء إلى القضاء الدولي أو استدعاء السفراء وتفعيل مبدأ المعاملة بالمثل.

لماذا اعتذرت هولندا الآن؟

يطرح كثيرون سؤالًا مهمًا: لماذا سارعت الحكومة الهولندية إلى الاعتذار رسميًا عن الاعتداء أمام السفارة المصرية؟

الإجابة تكمن في عدة اعتبارات:

•  أولاً: لأن الاعتداء شكّل إحراجًا للحكومة الهولندية أمام التزاماتها الدولية، خصوصًا أن اتفاقية فيينا تنص بوضوح على أن الدولة المضيفة مسؤولة عن حماية المقار الدبلوماسية.

• ثانيًا: لأن القاهرة أرسلت رسالة واضحة بأنها لن تقبل المماطلة أو التبرير، وهو ما جعل الرد الهولندي سريعًا وحازمًا.

•  ثالثًا: لأن استمرار التوتر مع مصر – بما لها من ثقل سياسي في الشرق الأوسط وإفريقيا – لا يصب في مصلحة أي دولة أوروبية.

سر التهديد

تصريحات الوزير بدر عبد العاطي لم تكن مجرد انفعال سياسي، بل كانت رسالة مدروسة.

فعندما يقول إن مصر قد ترفع الحماية عن سفارات دول تسمح بالاعتداء على بعثتنا، فهو يضع النقاش في إطار المعاملة بالمثل، ويبعث برسالة تحذير استباقية لأي طرف قد يتهاون.

هذا التهديد يحمل في طياته معنى الردع: إذا لم تحمِ بعثتي، فلن ألتزم بحماية بعثتك.

إنها صيغة بسيطة لكنها فعالة في العلاقات الدولية، خاصة إذا جاءت من دولة بحجم مصر التي تستضيف مئات البعثات وتدير شبكة واسعة من العلاقات الخارجية.

خط الدفاع الأول

لكن ربما كان المشهد الأكثر تأثيرًا في هذه الأزمة هو الدور الذي لعبه شباب مصر في الخارج.

فبمجرد محاولة الاعتداء على السفارة في لاهاي، تحرك اتحاد شباب مصر في الخارج ونظم وقفة تضامنية قوية، ليقول للعالم إن المصريين، سواء داخل حدود الوطن أو خارجه، يقفون صفًا واحدًا في مواجهة الإرهاب.

هذه الوقفة لم تكن مجرد رد فعل، بل كانت تعبيرًا عن وعي وطني متزايد لدى الأجيال الجديدة من المصريين المهاجرين، الذين يدركون أن الدفاع عن صورة بلدهم لا يقل أهمية عن الدفاع عن أرضها.

وبالتوازي مع الموقف في لاهاي، شهدت القاهرة وقفة رمزية أمام سفارة هولندا بالزمالك.

هذا التحرك الشعبي في الداخل حمل بدوره رسالة مزدوجة: الأولى إلى هولندا لتذكيرها بأن المصريين يرفضون المساس بكرامتهم الوطنية، والثانية إلى الداخل المصري نفسه لتأكيد أن قضية حماية البعثات ليست شأنًا حكوميًا فقط بل شأنًا وطنيًا عامًا.

مصر ترسم معادلة جديدة

في المحصلة، يمكن القول إن مصر تعاملت مع الحادث بمنطق الدولة التي لا تتهاون في حقوقها.

فقد فرضت معادلة جديدة قوامها: حماية بعثاتنا شرط لحماية بعثاتكم.

ومع هذا الموقف، يصبح من الصعب على أي دولة أن تتجاهل مسؤولياتها تجاه مصر.

إن ما جرى في لاهاي لم يكن مجرد حادث فردي، بل كان رسالة اختبار تعاملت معها القاهرة باحترافية وصرامة.

والنتيجة أن مصر أثبتت أنها قادرة على حماية كرامتها الدبلوماسية، وأن شبابها في الداخل والخارج يشكلون معًا حصنًا منيعًا في مواجهة محاولات الإرهاب الإخواني.

الصفحة الثالثة من العدد رقم 425 الصادر بتاريخ 21 أغسطس 2025
تم نسخ الرابط