« شعب لا يتخلى عن وطنه ».. كيف هزم المصريون دعوات "الإرهابية " وسجلوا حضورا قويا في انتخابات الشيوخ؟

محمود الشويخ - صورة
محمود الشويخ - صورة أرشيفية

- ما سر إقبال كبار السن والنساء وذوي الهمم على أداء الواجب الوطني؟

- الشباب يسجلون إقبالاً لافتًا ويقولون كلمتهم بكل حرية وأمانة 

- حاول الإرهابيون دعوة الشعب للمقاطعة والرد جاء على الأرض 

تحولت انتخابات مجلس الشيوخ 2025 من مجرد استحقاق دستوري إلى مشهد وطني بالغ الدلالة، عبّر فيه المصريون عن وعيهم السياسي، وانتمائهم العميق، ورفضهم القاطع أي دعوة مشبوهة تستهدف ضرب مؤسسات الدولة أو التشكيك في شرعيتها.

ففي لحظة فاصلة، وبصوت واضح، أعلن الشعب المصري أنه هو المصدر الحقيقي للسلطة، وأنه الحائط المنيع أمام محاولات العبث والاستغلال والتزييف.

فعلى مدار يومين من التصويت، اصطف الملايين أمام اللجان الانتخابية في مختلف محافظات الجمهورية، من أقصى الصعيد إلى الدلتا، ومن سيناء إلى مطروح، في مشهد كاشف عن معدن هذا الشعب الأصيل، الذي كلما اشتدت عليه المحن، ازداد تمسكًا بوطنه وحرصًا على المشاركة في صياغة مستقبله.

سر الإقبال

السؤال الذي فرض نفسه على الساحة السياسية والإعلامية: لماذا أقبل المصريون على صناديق الاقتراع بهذا الحماس؟ ولماذا جاءت المشاركة بهذا الزخم رغم الدعوات الممنهجة للمقاطعة؟ الإجابة ببساطة تكمن في المعادلة التي أصبحت واضحة للجميع: المواطن المصري لم يعد ذلك المتفرج السلبي، بل أصبح طرفًا فاعلًا في المعادلة السياسية، يشارك، ويُقيّم، ويحاسب.

لقد أدرك المصريون أن مجلس الشيوخ ليس مجرد كيان استشاري، بل مؤسسة تشريعية مكملة، تؤدي دورًا مهمًا في دعم الديمقراطية وتعميق النقاش العام حول القوانين والتشريعات والسياسات العامة.

كما أيقنوا أن كل ورقة اقتراع هي تعبير صادق عن إرادتهم، ورسالة واضحة بأن الشعب حاضر في كل مفصل من مفاصل الدولة، وأنه يختار ويقرر بمنتهى الوعي.

الرسالة كانت موجهة داخليًا وخارجيًا.

داخليًا، مفادها أن الدولة المصرية لا يمكن زعزعتها أو التشكيك في مؤسساتها طالما أن شعبها واقف في ظهرها.

وخارجيًا، أكدت المشاركة الواسعة أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو بناء تجربة ديمقراطية خاصة بها، نابعة من ظروفها وتاريخها وثقافتها، ولا تُفرض عليها من الخارج.

الصدارة للمخلصين

المشهد الذي أثار إعجاب الجميع هو ذلك الحضور الكثيف من كبار السن، الذين تحدّوا ظروفهم الصحية وأجواء الطقس الحار، وحرصوا على الحضور في الصباح الباكر، يحملون أعلام مصر، وقلوبهم عامرة بالوطنية.

بعضهم جاء على كراسٍ متحركة، وبعضهم استند إلى عكاز أو يد ابن أو حفيد، لكن جميعهم حضروا بروح عالية وإرادة حديدية.

النساء أيضًا تصدّرن الصفوف، كما هي عادتهن في كل استحقاق وطني.

فهنّ شريكات في صنع القرار، ومثال حي للانضباط والوعي والمسؤولية.

وقد رصدت عدسات الكاميرات طوابير طويلة من السيدات أمام اللجان، وهن يرددن الأغاني الوطنية، ويُظهرن حماسًا فاق التوقعات.

وذوو الهمم، الذين يمثلون عنوانًا حقيقيًا للعزيمة، أصروا على أداء واجبهم الوطني، رغم ما يواجهونه من تحديات حياتية يومية.

فكل من شارك منهم كان يبعث برسالة ضمنية أن لا أحد خارج دائرة التأثير، وأن الوطن يتسع للجميع، وأن المشاركة حق ومسؤولية لا تعترف بعائق جسدي أو ظرف خاص.

كلمة واضحة بلغة الصندوق

كان التحدي الأكبر هو مشاركة الشباب.

كثيرون كانوا يتحدثون عن فتور اهتمام الشباب بالعملية السياسية، أو انشغالهم بقضايا أخرى.

لكن انتخابات مجلس الشيوخ جاءت لتكذّب هذه التوقعات، حيث ظهر الشباب بقوة، سواء كمشاركين أو كمنظمين، أو كمراقبين للعملية الانتخابية.

لقد لمسنا وعيًا كبيرًا لدى الشباب، الذين باتوا يدركون أن مستقبلهم لا يُصنع عبر مواقع التواصل الاجتماعي فقط، بل من خلال صناديق الانتخابات، والمشاركة الفاعلة في صناعة القرار.

وقد مثّل تواجدهم رسالة بأن هذا الجيل لا يتهرب من المسؤولية، بل يشارك حين يجد احترامًا لوعيه ورأيه.

الشباب عبّروا عن آرائهم بحرية كاملة، واختاروا من يمثلهم وفق قناعات شخصية، بعيدًا عن التوجيه أو الاصطفاف القسري، مما أعطى للانتخابات طابعًا ناضجًا وحيويًا، وجعل منها فرصة حقيقية لتجديد الثقة بين الدولة وجيل المستقبل.

محاولات الإرهاب لإفساد المشهد

كعادتها، لم تترك الجماعات الإرهابية والمناهضة للدولة المصرية أي فرصة دون محاولة استغلالها.

وقبل موعد الانتخابات، بدأت حملات منظمة عبر منصاتهم الإعلامية، تدعو للمقاطعة، وتشكك في نزاهة الإجراءات، وتحاول تخويف الناس من النزول إلى الشارع.

لكن ردّ الشعب المصري جاء حاسمًا.

لم يعبأ بالدعوات المسمومة، ولم يلتفت للشائعات.

بل على العكس، بدا كأن هذه الدعوات المحبطة زادته إصرارًا على التحدي والمشاركة.

في كل لجنة انتخابية كان الرد عمليًا على كل مقطع فيديو مشبوه، وعلى كل بيان مغرض.

لقد فشلت دعوات المقاطعة لأن الشعب بات أكثر وعيًا، ولأن تجربة السنوات الماضية جعلته يميز جيدًا بين من يريد الخير للوطن، ومن يريد هدمه.

المواطن البسيط فهم الرسالة، وردّ عليها بالفعل، لا بالكلام، مؤكدًا أنه الحصن الحصين أمام كل محاولات النيل من مصر.

تنظيم محكم ومصداقية عالية

النجاح الكبير للانتخابات لم يكن ليتحقق لولا الجهود المخلصة التي بذلتها المؤسسات الوطنية، وعلى رأسها الهيئة الوطنية للانتخابات، التي نظّمت العملية بكل شفافية ومهنية.

فكل لجنة كانت مجهزة، وكل إجراء اتسم بالدقة، وكل مراحل التصويت تمت في أجواء يسودها القانون والانضباط.

القضاء المصري كان حاضرًا كما هو معهود، مشرفًا على اللجان، ضامنًا لنزاهة العملية.

كما قامت القوات الأمنية بدورها بكفاءة في تأمين المقار الانتخابية، وضمان انسيابية الحركة، وتوفير الأمان للمواطنين.

اللافت أيضًا كان التعاون بين مختلف مؤسسات الدولة، من الصحة إلى المحليات إلى التعليم، لإنجاح العملية الانتخابية، وتوفير الخدمات للناخبين، وخاصة كبار السن وذوي الهمم.

رصد ومتابعة ووعي

كان للإعلام المصري دور محوري في نقل الصورة الحقيقية للمواطنين، والرد على الشائعات في وقتها، وتقديم تغطية مهنية حيادية شاملة.

فقد ساهمت الفضائيات والمواقع الإخبارية والصحف في تعزيز الوعي بأهمية المشاركة، ونقلت الصورة الحية من أرض الواقع، دون مبالغة أو تزييف.

كذلك كان للإعلام الإقليمي والدولي دور في رصد الحدث، وتقديم صورة واقعية للعالم، عن شعب يشارك بإرادته، وعن عملية انتخابية تحترم المعايير القانونية، وتعبّر عن مرحلة جديدة من الوعي الديمقراطي في مصر.

ماذا بعد المشاركة؟

بعد انتهاء التصويت، تبدأ مرحلة جديدة، وهي مرحلة فرز الأصوات، ثم إعلان النتائج، وتشكيل مجلس الشيوخ في ثوبه الجديد.

لكن الرسالة الأهم تبقى أن الشعب قال كلمته، ومارس حقه، وأثبت أن مصر أكبر من أي تهديد، وأقوى من أي محاولة تشكيك.

والأهم أن هذه المشاركة ستكون حافزًا لاستكمال طريق الإصلاح السياسي، وتعزيز ثقافة الحوار، وترسيخ الديمقراطية، وإعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الحكم، على أسس جديدة من الشفافية والمساءلة والاحترام المتبادل.

رسالة مصر إلى العالم

في النهاية، فإن انتخابات مجلس الشيوخ 2025 كانت أكثر من مجرد حدث انتخابي.

لقد كانت رسالة من مصر إلى العالم بأن الديمقراطية في هذه البلاد ليست رفاهية، ولا شعارات، بل ممارسة حقيقية نابعة من شعب يعرف قيمة صوته، ويُدرك أنه صاحب القرار الأخير.

هذا الشعب الذي صنع الحضارة، وواجه الإرهاب، وتحمّل ضغوطًا اقتصادية واجتماعية قاسية، هو ذاته الذي اختار أن يكون جزءًا من صناعة القرار، لا مجرد متلقٍ له.

وبهذا، تُثبت مصر من جديد أنها تسير في طريق البناء، بإرادة شعب لا يُقهر، وبقيادة تفهم جيدًا أن السلطة الحقيقية هي ما يمنحها الشعب، لا ما تُفرض عليه.

الصفحة الثالثة من العدد رقم 423 الصادر بتاريخ 7 أغسطس 2025
تم نسخ الرابط