الثلاثاء 01 يوليو 2025
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

صابر سالم يكتب: 30 يونيو.. عندما انتفض الشعب دفاعًا عن هويته

صابر سالم - صورة
صابر سالم - صورة أرشيفية

في حياة الشعوب لحظات لا تُنسى، تتحول فيها الإرادة الجمعية إلى طوفان لا يمكن إيقافه، وتُكتب فيها صفحات التاريخ بحبر العزيمة والوعي، لا بأقلام السلطة وحدها.

ويظل يوم 30 يونيو 2013 واحدًا من تلك اللحظات المفصلية التي انتفض فيها الشعب المصري، لا طلبًا لرفاهية، ولا طمعًا في سلطة، بل دفاعًا عن هويته الوطنية التي بدت مهددة في وضح النهار.

لم يكن ما جرى في ذلك اليوم مجرّد احتجاج شعبي على حكم جماعة سياسية، بل كان رفضًا قاطعًا لمحاولات اختطاف الدولة المصرية وتغيير وجهها الحضاري والمدني باسم الدين.

لقد شعر المصريون، بكل فئاتهم، بأن شيئًا عزيزًا عليهم يُنتزع قسرًا، وبأن مشروع الجماعة الحاكمة آنذاك لا يمثلهم، ولا يعبر عن تاريخهم الممتد لآلاف السنين، ولا يعكس روح مصر الوسطية التي عاشت دومًا على خط الاعتدال، بعيدًا عن الغلو والتشدد.

في 30 يونيو، لم تتحرك الجماهير استجابة لدعوة حزبية، ولا بإيعاز من جهة ما، بل خرجت من تلقاء نفسها، مدفوعة بإحساس فطري بالخطر، وعزيمة صادقة على إنقاذ الوطن من مستقبل غامض كان يلوح في الأفق.

خرج الملايين إلى الشوارع، ليس فقط في القاهرة، بل في كل المحافظات، رافعين علم مصر، ومرددين الهتاف ذاته: "ارحل". لم تكن صرخة غضب بقدر ما كانت صرخة حياة، تأكيدًا على أن مصر لا تقبل القوالب الضيقة، ولا تُحكم بمنطق السمع والطاعة.

أدهشت الملايين التي خرجت العالم كله، وأكدت أن الشعب المصري، الذي قد يصبر طويلاً، لا يسكت عندما تتعرض هويته للخطر. كانت الرسالة واضحة: لا مكان لحكم لا يؤمن بالدولة، ولا يعترف بالتعددية، ولا يحترم مدنية المؤسسات.

لقد أحس الناس، بوعيهم الجمعي، أن مشروع الجماعة ليس أكثر من محاولة لطمس الشخصية المصرية، وتذويبها في فكر مستورد، لا يمتّ إلى هذه الأرض ولا إلى أهلها بصلة.

ولعل أجمل ما في 30 يونيو هو أن كل أطياف المجتمع شاركت فيه؛ شباب وشيوخ، نساء ورجال، مسلمون ومسيحيون، عاملون وطلاب، مدنيون وعسكريون سابقون، فقراء وأغنياء.

لم يكن هناك فصيل يعلو فوق الآخر، بل كان الجميع يقفون على أرض وطنية واحدة، يواجهون عدوًا مشتركًا: مشروعًا أراد أن يحكم باسم الدين، لكنه في الحقيقة كان يهدد بنيان الدولة ذاته.

ويحسب لهذا اليوم التاريخي أنه لم يكن نهاية فقط لحكم الجماعة، بل بداية لمسار جديد استعاد فيه المصريون ثقتهم بأنفسهم، وأعادوا التأكيد على أن الشرعية الحقيقية لا تُقاس بصناديق الانتخابات وحدها، بل بقدرة الحاكم على الحفاظ على وحدة البلاد، واحترام مؤسساتها، وتحقيق إرادة مواطنيها.

لقد كانت ثورة 30 يونيو تجسيدًا فعليًا لمعنى الدولة الوطنية، ورسالة إلى الداخل والخارج بأن مصر لا تُحكم إلا بإرادة شعبها، ولا تسير إلا على طريقها الذي اختارته بوعي وحرية.

صحيح أن الطريق بعد ذلك لم يكن مفروشًا بالورود، وأن التحديات لا تزال قائمة، لكن يكفي أن ذلك اليوم أعاد تصحيح البوصلة، وحدد الاتجاه من جديد: مصر أولًا، والدولة فوق الجميع.

سيظل 30 يونيو يومًا تتوارثه الأجيال، ليس كحدث سياسي، بل كوثيقة شعبية تؤكد أن المصريين حين يقررون لا يتراجعون، وأن هويتهم ليست قابلة للبيع أو التفاوض. لقد قال الشعب كلمته بصوت عالٍ: نحن أصحاب هذا الوطن، ونحن من يحدد مستقبله.

الصفحة التاسعة من العدد رقم 418 الصادر بتاريخ 3 يوليو 2025
تم نسخ الرابط