الثلاثاء 01 يوليو 2025
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

جيل "30 يونيو" يعيد كتابة التاريخ الحديث

خالد الطوخى - صورة
خالد الطوخى - صورة أرشيفية

- الشباب نبض الثورة وسند الوطن

- شكرًا شباب" 30 يونيو".. أنقذتم وطنًا وأعدتم المعنى لكلمة "مواطن"

في كل مرة أكتب فيها عن مصر، أشعر بأن الكلمات مهما كانت جميلة، تظل أقل من وصف ما يستحقه هذا الوطن.

لكن 30 يونيو تحديدًا، تفرض نفسها على الذاكرة، لا بوصفها حدثًا سياسيًا، بل لحظة إنسانية نادرة اجتمع فيها شعب على قلبٍ واحد، ليقول لا، وليفتح بابًا جديدًا للحياة.

ولعل ما يهمني هنا ليس فقط الحدث ذاته، بل ذلك الدور العميق الذي لعبه الشباب في تلك اللحظة المصيرية.

لم يكونوا جمهورًا على هامش الثورة، ولا مجرد صوت مرتفع في الميادين، بل كانوا النبض الحقيقي الذي جعل القلوب تتحرك، والعقول تُفكر، والناس تخرج دون تردد.

لم يكن غريبًا أن يكون المشهد الأول في هذه الثورة، شاب يصرخ من فوق سيارة يلوّح بالعلم، ويهتف ضد الظلم.

ولم يكن استثنائيًا أن ترى فتاة في العشرين تقف لساعات في الشمس، تحمل لافتة كتبتها بيدها، وتبتسم رغم التعب.

بل الغريب هو أن نُفاجأ، وكأننا لم نكن نعرف هؤلاء الشباب قبل تلك اللحظة.

الحقيقة أن هذا الجيل، الذي وُلد في زمن التحولات، لم يكن كما تصفه بعض الأبواق بأنه جيل الإنترنت والمظاهر واللا مبالاة.

بل أثبت في 30 يونيو أنه جيل قادر على الفعل، على القيادة، على اتخاذ القرار الصعب، تمامًا كما فعل جيل أكتوبر من قبل، ولكن في معركة من نوع آخر.

أعرف شابًا ، كان قد تخرج منذ عام فقط في كلية الهندسة.

قال لي في اليوم التالي للثورة: "أنا كنت فاكر إن ماليش لازمة.. لكن لما لقيت الناس بتهتف جنبي، حسيت إني بقيت بني آدم بجد". كانت جملة بسيطة، لكنها تحمل قدرًا هائلًا من العمق.

فهذه الثورة لم تُسقط حكمًا فقط، بل أعادت لملايين من الشباب شعورهم بالانتماء، بالقدرة، بالحضور في قلب المشهد، لا على أطرافه.

في ميدان التحرير، ومحيط قصر الاتحادية، وعلى كوبري قصر النيل، وفي القرى البعيدة، والنجوع، والمناطق العشوائية، كان الشباب هم أصحاب الصوت العالي والخطوات الأولى.

لم ينتظروا دعوات رسمية ولا خطبا حماسية، بل تحركوا فقط حين شعروا بأن مصر تُنادي، وأن مستقبلهم يُسرق أمام أعينهم.

30 يونيو كانت لحظة توازن رهيبة بين الألم والحلم، بين الخوف والشجاعة.

لكن الشباب هم من رجّحوا كفة الحلم، وسحبوا مصر من حافة الانهيار إلى بداية جديدة.

هم من كسروا الجدار بين الصمت والكلام، بين الاستسلام والمقاومة.

والأهم، أنهم لم يكتفوا فقط بإسقاط حكم الجماعة، بل ظلوا حاضرين في كل محطة بعدها، في كل خطوة بناء، في كل مبادرة وطنية، حتى وإن لم تظهر أسماؤهم على الشاشات.

منذ ذلك اليوم، بدأت الدولة تتغير، والمجتمع يعيد تشكيل نفسه، والشباب يحجزون لأنفسهم موقعًا جديدًا في الصورة.

صحيح أن التحديات لم تنتهِ، وأن الطريق لا يزال طويلاً، لكن يكفينا أن نعرف أن روح 30 يونيو ما زالت حية، وأن شبابها أصبحوا أكثر وعيًا، وأكثر تصميمًا على ألا يتركوا بلدهم مرة أخرى لمن لا يفهمها، أو يريدها على مقاسه وحده.

ولا أنسى أن هناك من دفع الثمن.

شباب خرجوا ولم يعودوا، آخرون فقدوا أعينهم، وغيرهم تم تهديدهم في أعمالهم أو دراستهم.

لكنهم لم يندموا، ولم يرفعوا الراية البيضاء.

بالعكس، ظلوا في الميدان، يعملون، ويتعلمون، ويثبتون كل يوم أن مصر أقوى بشبابها، وأن الثورة لم تكن لحظة، بل حالة مستمرة.

وكم أشعر بالفخر عندما أرى شابًا اليوم يعمل في مشروع قومي، أو فتاة تدرّس في جامعة، أو طالبًا يقدّم مبادرة، فأعرف أنهم أبناء هذه الثورة، حتى لو لم يُكتب اسمهم في كتب التاريخ.

فهم من كتبوا الصفحة الأجمل بأياديهم، بلا مقابل، فقط لأنهم يحبون مصر، ويؤمنون بأنها تستحق الأفضل.

وهنا أقول بصوتٍ واضح: لا تستهينوا أبدًا بقوة جيل، شعر للحظة بأنه منسي، لكنه قرر أن يتكلم.

لا تقللوا من حماس شاب، يرى في نفسه جزءًا من وطن، لا تابعًا له.

لا تخذلوا هذا الجيل، ولا تُغلقوا أمامه الأبواب، ولا تُشوّهوا صورته، لأنه ببساطة، الجيل الذي أنقذ الدولة حين سكت الجميع.

ولذلك، فإن كل من ينظر إلى 30 يونيو كحركة سياسية عابرة، لا يفهم روح المصريين، ولا يعرف ماذا تعني كلمة "وطن" عند شاب اختار أن يقف في وجه الخطر، لا أن يركض بعيدًا عنه.

فهؤلاء الشباب هم العمود الفقري لأي نهضة حقيقية، وهم الضمانة الحقيقية بأن مصر ستظل في أيدٍ تعرف كيف تحبها، وكيف تحميها.

وهذا هو جوهر الحكاية التي أكتبها اليوم.

ليست قصة زعامات أو بيانات، بل قصة شعب شاب وقف على الحافة، ونظر إلى المجهول، وقال: لا.. لن نسمح بانكسار آخر.

وسار في الطريق، غير خائف، ولا متردد، فقط ممسكًا بحلمه الكبير أن تعود مصر كما أرادها دائمًا: وطنًا للجميع، يتسع للكل، ويُعلي قيمة الإنسان.

ولعل أجمل ما يمكن أن نقوله اليوم هو: شكرًا لشباب 30 يونيو.. أنقذتم وطنًا، وأعدتم المعنى لكلمة "مواطن".

الصفحة الخامسة من العدد رقم 418 الصادر بتاريخ 3 يوليو 2025

 

تم نسخ الرابط