30" يونيو".. ثورة شعب أراد الحياة

- العدو في الداخل لا يقل خطرًا عن الخارج
- "30 يونيو" و"6 أكتوبر" وجهان لعملة واحدة عنوانها "الكرامة"
- المشهد الإنساني في الميادين
- الجيش المصري.. حارس الحلم والهوية
- شعب عظيم يعرف متى يتحرك ويقول: "لا للجماعة الإرهابية"
- مصر بلد عريق.. وُلد من جديد في 30 يونيو
كنت دائمًا أؤمن بأن الأوطان لا تُقاس بحجم أراضيها أو طول أنهارها، بل بقدرة شعبها على أن يصنع لحظات فارقة في تاريخه، لحظات يقف فيها الجميع صفًا واحدًا، ويعلو صوت الوطن على كل الأصوات الأخرى.
و"30 يونيو" كانت واحدة من هذه اللحظات النادرة التي لم تكن مجرّد يوم في التقويم، بل كانت روحًا تسري في جسد الوطن، توقظ الوعي، وتشعل القلب بالإيمان بأن لمصر أبناء يعرفون كيف يحمونها حين يشتد الخطر.
عندما خرج الملايين إلى الشوارع، لم يكونوا يبحثون عن مكاسب شخصية أو شعارات رنانة، بل كانوا يدافعون عن بيتهم الكبير، عن هويتهم، عن شكل الحياة الذي حلموا به منذ أن أسقطوا نظامًا فاسدًا في يناير 2011.
لكنهم وجدوا أنفسهم في قبضة جماعة لا تؤمن بالدولة، ولا ترى في الشعب سوى أدوات لتنفيذ مخططاتها.
خلال عامٍ واحد من حكم الجماعة، شعر الناس بأن شيئًا ما ينكسر داخلهم.
كانت ملامح مصر التي نعرفها تتلاشى. بدأت مؤسسات الدولة تفقد توازنها، وبدأ الخطاب العام يتحول إلى صراع بين "نحن" و"هم".
وبدلًا من أن تكون مصر هي الهدف المشترك، أصبحت الجماعة هي الغاية، وأصبح الوطن مجرد وسيلة للبقاء في السلطة.
واللافت للنظر أن المصريين، ببساطتهم وذكائهم الفطري، فهموا المعادلة. لم ينتظروا أن يقول لهم أحد إن الخطر كبير.
كانوا يرونه في عيون الناس، وفي طوابير الخبز، وفي انقطاع الكهرباء، وفي لهجة الاستعلاء التي تحدث بها بعض قيادات الجماعة عن الإعلام والقضاء والجيش.
ولم يكن الخوف وحده هو ما دفع الناس إلى الخروج، بل أيضًا الأمل.
الأمل في أن مصر يمكن أن تعود كما عرفوها. الأمل في أن يكون الغد أفضل، وأن يعود الوطن إلى أبنائه لا إلى من اختطفوه باسم الدين.
لذلك خرج الجميع، من كل الأعمار، من كل الأطياف، في صورة إنسانية مذهلة لا يمكن أن تُنسى.
أتذكر جيدًا تلك المشاهد التي رأيتها يوم 30 يونيو.
شوارع ممتلئة بالناس، وجوه باسمة رغم التعب، أيادٍ تلوّح بالأعلام، أصوات تهتف بحب مصر، رجال ونساء، شيوخ وشباب، كلهم كانوا هناك، يكتبون سطرًا جديدًا في كتاب الوطن.
لم يكن المشهد سياسيًا بحتًا، بل كان إنسانيًا حتى النخاع.
في أحد الميادين، رأيت رجلًا كبيرًا في السن يجلس على كرسي متحرك، يحمل علم مصر ويقول لمن حوله: "أنا جيت علشان أقول للناس إن مصر ما بتموتش".
وفي مكان آخر، شابة ترتدي تيشيرت أبيض مكتوبا عليه "أنا مصرية.. مش تبع حد".
كانت الرسالة واضحة: هذه البلاد لنا، وسنحميها بكل ما نملك من قوة.
ومثلما انتصر المصريون في 6 أكتوبر على عدو خارجي كان يحتل الأرض، انتصروا في 30 يونيو على عدو داخلي حاول أن يحتل العقول والقلوب.
وفي الحالتين، كان النصر من نصيب الإرادة الوطنية، وكان الجيش المصري حاضرًا، لا يقف بعيدًا، بل في قلب المعركة، حارسًا أمينًا على اختيارات الشعب.
ولا أبالغ إذا قلت إن 30 يونيو كانت بمثابة عبور جديد.
عبور من زمن الارتباك إلى زمن الوضوح.
عبور من حالة التردد إلى لحظة الحسم.
عبور من حكم الجماعة إلى دولة المواطنة.
وكما كان عبور القناة في 1973 لحظة استرداد الأرض، كان خروج الملايين في 2013 لحظة استرداد الدولة.
لقد كان بيان القوات المسلحة في الثالث من يوليو لحظة فارقة.
لم يكن انقلابًا كما حاول البعض أن يصوّره، بل كان استجابةً حقيقية لنداء شعب أراد أن يستعيد بلاده.
كانت الرسالة واضحة ومباشرة: الجيش المصري لا يمكن أن يقف متفرجًا بينما الوطن يتمزق من الداخل.
فمهمة الجيوش لا تقتصر على حماية الحدود، بل حماية الدولة ذاتها من السقوط.
ومن تلك اللحظة، بدأ مسار جديد.
طريق طويل وصعب، مليء بالتحديات، لكنه طريق واضح.
عادت مؤسسات الدولة إلى قوتها.
بدأنا نسمع عن مشروعات قومية كبرى، عن إصلاح اقتصادي، عن مواجهة الإرهاب، عن بناء دولة جديدة على أسس مختلفة.
لم يكن ذلك سهلًا، ولم يحدث بين يوم وليلة، لكن الإرادة التي ظهرت في 30 يونيو لم تكن لحظة انفعال عاطفي، بل كانت تحولًا عميقًا في الوعي الجمعي.
كان المصريون يعرفون أن التغيير الحقيقي يحتاج وقتًا، ويحتاج تضحيات.
لذلك لم يتوقفوا بعد البيان، ولم يكتفوا بما تحقق، بل واصلوا دعمهم للدولة، وتحمّلوا فاتورة الإصلاح، وواجهوا التحديات بثقة وشجاعة.
وكما انتصروا في المعركة الأولى ضد الجماعة، انتصروا في معارك أخرى ضد الإرهاب، وضد التشكيك، وضد محاولات زعزعة الاستقرار.
والأهم من كل ذلك، أن المصريين أعادوا اكتشاف أنفسهم.
عرفوا أنهم أقوى مما تصوروا.
عرفوا أن صوتهم قادر على صناعة الفارق، وأن التاريخ لا يُكتب إلا عندما يتحرك الناس من مقاعد الانتظار إلى ساحات الفعل.
وهذا هو جوهر ثورة 30 يونيو: أنها لم تكن فقط رفضًا لحكم معين، بل كانت إعلانًا صريحًا بأن مصر لا تُدار من خلف ستار، ولا تُحكم بمنطق الجماعة، بل بمنطق الدولة التي تسع الجميع.
ولأنني كنت شاهدًا على التفاصيل، أقول بكل ثقة: ما حدث في 30 يونيو كان نصرًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
نصرًا لإنسان هذا البلد الذي يملك حسًا وطنيًا فريدًا، ويعرف متى يتحرك، ومتى يصمت، ومتى يقول كلمته.
نصرًا للهوية الوطنية التي كانت مهددة، وللدولة التي كادت تضيع. نصرًا لروح مصر التي لا تموت أبدًا.
وإذا كانت 6 أكتوبر قد أعادت لنا الأرض، فإن 30 يونيو أعادت لنا المعنى.
وإذا كان الجنود في 1973 قد واجهوا العدو بالسلاح، فإن المواطنين في 2013 واجهوه بالوعي والإرادة.
وفي الحالتين، أثبت المصريون أنهم شعب لا يُقهَر، وأن مصر التي أنجبت نجيب محفوظ وأم كلثوم وعبد الناصر والسادات، لا يمكن أن تُترك في يد من لا يعرف قيمتها.
لقد كانت ثورة 30 يونيو درسًا عظيمًا في الوطنية، في الشجاعة، في الحب الحقيقي لهذا الوطن.
لم تكن ثورة غاضبة فقط، بل كانت ثورة ناضجة، تعرف ماذا تريد، وتعرف كيف تحقق ما تريد.
وفي لحظة فارقة، وقف المصريون على قلب رجل واحد، لا يسألون عن ثمن، بل يفتشون عن وطن.
ولعل أجمل ما في تلك الثورة، أنها كانت صادقة.
بلا زيف، بلا ادعاء، بلا مصالح خفية.
كانت الثورة التي خرج فيها الشعب من تلقاء نفسه، دون قيادة حزبية، دون إغراء، فقط بدافع الحب والانتماء.
وهذا ما جعلها تختلف عن كل ما سبقها، وتتفوق حتى على كثير من الثورات في التاريخ الحديث.
ومع مرور السنوات، يظل 30 يونيو محفورًا في ذاكرة الوطن.
ليس فقط كيوم للثورة، بل كيوم لاستعادة الكرامة، واستعادة الدولة.
ويبقى واجبنا الآن أن نحمي هذا الإنجاز، وأن نواصل البناء، وأن نُورِّث أبناءنا روح هذه الثورة، ونقول لهم: كنتم هناك، في قلب مصر، حين انتصرت على الخوف، وعلى الفوضى، وعلى محاولات خطفها.
وفى تقديرى الشخصى فإن الأوطان، مثل الأمهات، لا تُقدَّر إلا حين تكون في خطر.
و30 يونيو كانت لحظة الفهم العميق لهذه الحقيقة.
وها نحن اليوم نعيش في دولة تتقدم بخطى ثابتة، لا تخشى التحديات، لأنها واثقة من نفسها، واثقة من شعبها، واثقة من تاريخها الطويل في الانتصار.
وفي الختام، أقولها بكل صدق: مصر لا تنسى أبناءها، ولا تخذل من يحميها، ولا تنكسر إذا التفَّ أبناؤها حولها.
وثورة 30 يونيو ستظل شاهدًا حيًا على هذا المعنى، وستظل نبراسًا لكل من يحاول أن يعرف كيف يحمي وطنه حين تُظلم السماء.
مصر تستحق دائمًا الأفضل، وشعبها يستحق أن يحيا في دولة قوية عادلة آمنة.
وهذا ما بدأت ملامحه تتضح منذ لحظة أن قرر الشعب أن يقول كلمته في 30 يونيو.
ومن يومها، لم تعد مصر كما كانت، بل أصبحت كما يجب أن تكون.

- الخبز
- استقرار
- قناة
- المصري
- عبد الناصر
- اراضي
- حكم
- تنفيذ
- القوات
- ملك
- الإرهاب
- القضاء
- 30 يونيو
- قرار
- سقوط
- الشجاع
- تعرف
- نقل
- شخص
- حزب
- القوات المسلحة
- ثورة
- الحب
- اول
- مشروع
- كهربا
- اقتصاد
- صلاح
- قنا
- تنفي
- داخل
- تفقد
- محمد فودة يكتب
- الوعي
- ادا
- 6 اكتوبر
- يناير
- خروج
- المواطنة
- الدول
- الكهرباء
- عون
- تبون
- ساحات
- يونيو
- درة
- شاب
- سلاح
- اكتشاف
- انقطاع
- مصر
- كرة
- رجال
- محمد فودة
- يوم
- الحدود
- ثورة شعب أراد الحياة