الأربعاء 11 ديسمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

حرب أكتوبر بعد 51 عاما

لواء أ.ح د. سمير
لواء أ.ح د. سمير فرج - صورة أرشيفية

احتفلت مصر هذا العام بالذكرى الواحد والخمسين لنصر أكتوبر المجيد، تلك الحرب التي  غيرت مجري التاريخ، ليس في مصر فقط ولكن في العالم، ويكفينا كمصريين أن نفتخر بأنها المعركة التي غيرت من مفاهيم العلوم العسكرية والإستراتيجية في العالم، ومازالت تدرس حتى اليوم في المعاهد والكليات العسكرية، رغم مرور نصف قرن على أحداثها.

على مدار خمسين عاما كانت وقائع تلك الذكرى الغالية، تجدد في قلبي ووجداني كل مشاعر الفرحة التي عايشتها في تلك اللحظة الفارقة من التاريخ التي عبر فيها جنودنا قناة السويس وقاموا بتحطيم خط بارليف، ورفع علم مصر فوق أرض سيناء الغالية التي ظلت مغتصبة لـ 6 سنوات بعد نكسه 67 المريرة.

والحقيقة أنني منذ بداية هذا العام أردت أن يكون احتفالي بالذكرى الذهبية لحرب أكتوبر  مختلفاً، فبعد أن بلغت من العمر أرذله، شعرت بأنه قد آن الأوان لأروي شهادتي الكاملة عن واحدة من أهم  أحداث القرن الواحد والعشرين  ، وعن ذكريات النصر، وآلام الهزيمة، لتخرج في كتاب  من إصدار الهيئة العامة المصرية للكتاب، تحمل عنوان " شاهد على حرب أكتوبر 73".

والحقيقة أن اختيار عنوان الكتاب جاءني بعد أن مررت بشريط ذكريات بحرب أكتوبر، فوجدت أنني كنت شاهداً، على الكثير من أحداثها ووقائعها الهامة، في ترتيب قدري أدركت حكمته وأن أسترجع ذكريات كل لحظة من لحظات تلك الفترة الهامة من تاريخ مصر ومن تجربتي كضابط  بالقوات المسلحة المصرية.

ففي اليوم الأسود على تاريخ مصر يوم 5 يونيو 1967، كنت ضابطا صغيرا برتبة ملازم أول، عائدا لتوه من حرب اليمن، لأجد نفسي  وسط الآلاف من زملائي على خط الحدود مع إسرائيل في منطقة الكونتلا، نهرب من نيران العدو التي تلاحقنا من كل مكان، بعد أن جاءتنا تعليمات بالانسحاب من حرب لم نحصل فيها على فرصة حقيقية لمواجهة العدو ، حتى وصلت إلى غرب قناة السويس، عبر ممر مثلا.. في الساعة الخامسة يوم 9 يونيو جاء إعلان عبد الناصر التنحي وأمامنا العلم الإسرائيلي يرفرف على الضفة الشرقية للقناة ؛لأعيش بعد ذلك مرارة الهزيمة، والانكسار، وألم التهجير الذى عانت منه أسرتي التي تعيش في موطن رأسي ببورسعيد وأن أتذكر والدي الذى اضطرني لأخذ إجازة لمدة يوم واحد لإقناعه بأن يغادر بورسعيد، بعد أن يئس إخوتي من إقناعه.

ووجدت نفسي أسترجع ذكريات " حرب الاستنزاف" التي دامت لـ 6 سنوات، حارب  فيها الجيش المصري ببطولات، مازالت محفوظة في التاريخ، كمعركة رأس العش، وعملية إغراق المدمرة إيلات، التي غيرت من مفاهيم العلوم العسكرية البحرية في العالم.

وفي السنوات الست وأنا أتدرج في رتبتي العسكرية من ملازم أول حتى وصلت إلى رتبة النقيب، كنت شاهدا من  موقعي  على الشاطئ الغربي للقناة، على عملية بناء العدو الإسرائيلي لـ " خط بارليف "، وأرى جنود العدو، وهم يسيرون بها مختالين بأنفسهم، سعيدين بنصر في معركة لم يواجهوا فيها شرف القتال، وأسأل نفسي كل يوم متى نعبر القناة ومتى تعود أرض سيناء الحبيبة إلى حضن أمها مصر؟!

وخلال هذه السنوات تعلمنا الكثير من فنون الحرب، حيث هناك مقولة إن الحرب تعلم الحرب، حيث تدربنا على الأسلحة الجديدة التي وصلت من الاتحاد السوفيتي، وبدأنا التدريب على عبور الموانع المائية في بحيرة قارون، وعلى أفرع نيل مصر العظيم. 

واليوم أحمد الله أنه قد أعطاني العمر، ليس فقط لأشهد  اليوم الذي تعود فيه سيناء الحبيبة إلى مصر، ولكنه قد منحني الفرصة لأكون شاهدا على تفاصيل  حرب أكتوبر 1973 منذ أن كانت خطة تحمل اسم التوجيه 41.

فعندما كنت طالبا في كلية القادة والأركان  ، شاء لي القدر أن أكون  ضمن فريق الدارسين الذي عهد إليه مناقشة التوجيه 41، بقيادة الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة، ذلك التوجيه الذي لم يكن لدينا أي فكرة أنه لعبور قناة السويس واقتحام خط بارليف خطة حرب أكتوبر 1973.

ثم جاءت مفاجأة القدر السعيدة لي الثانية، ليتم اختياري لأكون أصغر ضابط في غرفة عمليات حرب أكتوبر 73، العمليات المركزية لقيادة حرب أكتوبر 1973، بجوار كبار قادة معركة النصر بداية من الرئيس محمد أنور السادات، وقادة الأسلحة والقوات، وأوثق معركة النصر لحظة بلحظة.

وعشت داخل غرفة العمليات لحظات النصر، بدءا من نجاح الضربة الجوية، ثم اقتحام الجنود المصريين القناة في القوارب المطاطية 12 موجة وسقوط نقاط خط بارليف، ورفع العلم المصري عليها، وقيام قواتنا بصد احتياطيات العدو المدرعة التي تحاول تدميرها بعد عبورها القناة، ثم جاء الليل لتبدأ الكباري في العبور. وجاءت الدبابات والمدفعية خلال ثلاثة أيام، أصبح لدينا. 200ألف مقاتل على الضفة الشرقية لأرض سيناء الغالية.

وقد شاء الله لي ألا تتوقف معاركي بعد انتصار أكتوبر المجيد، لأجد نفسي في أحد أيام عام  ، وأنا جالساً في مقر  قناة BBC البريطانية، بلندن أواجه القائد الإسرائيلي الجنرال شارون، في مناظرة  تم نقلها على الهواء  مباشرة ، كانت لجنة التحكيم بها كبار الخبراء العسريين بواحد من أهم مراكز الدراسات الإستراتيجية في العالم لأمثل الجيش المصري، وأروي شهادتي للعالم كله كيف صنعت مصر معجزة أكتوبر 73.

من ذلك كله، قررت أن أكتب شهادتي على حرب أكتوبر العظيم، ليس لنا، ولكن للأجيال الجديدة من شعب مصر، لكي يتعرفوا كيف صنع رجال الجيش وشعب مصر هذا النصر العظيم.

الصفحة الرابعة من العدد رقم 383 الصادر بتاريخ 17 أكتوبر2024

 

تم نسخ الرابط