ظاهرة عبيط القرية أو الأبله كما يصورها التراث الشعبى، هى ظاهرة ثرية جدًا ومليئة بالأسرار وتستحق الدراسة، فع

جريدة الشورى,اخبار مصر,اخبار مصرية,اخبار الرياضة,اخبار الفن,اخبار الحوادث,اخبار الصحة,مراة ومنوعات,حظك اليوم,اخبار الاقتصاد,رياضة,عملات,بنوك,الرئاسة

الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:01
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة

ندى لبيب تكتب: عبيط القرية

ندى لبيب  الشورى
ندى لبيب


ظاهرة عبيط القرية أو الأبله كما يصورها التراث الشعبى، هى ظاهرة ثرية جدًا ومليئة بالأسرار وتستحق الدراسة، فعبيط القرية هو شخص ليس له اسم ولا لقب، أحيانًا يسمى بالدرويش وأحيانًا بالعبيط.

له مميزات وصفات جسدية متقاربة إلى حد ما فتجده أشعث الشعر، كثيف اللحية، زائغ العينين، لا يتحكم به أحد ولا تحكمه قوانين.. لا نعرف من أين جاء ولا ما هو أصله.. يتفوه بالتفاهات أحيانًا ويشوب كلامه الغموض أحيانًا أخرى ويعتبر ضعفه وقلة حيلته الباديان على قسمات وجهه سببا من أسباب الاطمئنان له فتجده يراقب بدون اهتمام ويتوغل فى المجالس بدون خوف ولا رهبة، لا يخشاه أحد ولا تنبذه النساء فهو لا يشكل خطرًا، فهو يفترش الأرض ويلتحف السماء، ولا يكترث بمن حوله.

ورؤيتى فى هذا العبيط أو ما يطلقون عليه المجذوب هو أنه شخص يعى تمامًا ما يفعل، ولوجوده بين الناس وتوغله فى بعض الأماكن حكمة فهو يربط الأحداث ببعضها ويعلم عن الجميع كل كبيرة وصغيرة ولكنه غير مُكترث بما يحدث حوله غير مهتم بما تأتى به الأيام، عيونه زائغة دومًا، وعند الحاجة إليه تجده مؤهلا أكثر من غيره لكشف الأسرار وتبيان الحقائق عما يدور حوله سواء فى منطقته السكنية أو حتى مكان عمله.

فعبيط القرية هو تمثيل ونموذج لكل شخص يعمل فى صمت بدون إثارة ضوضاء وجلبة حوله، هو الموظف الذكى الصامت وهو الجار الغامض وهو القريب غريب الأطوار، هو حولنا فى كل مكان!!  نحتاج أحيانًا فى حياتنا لادعاء العبط أو التجاهل، ليس ضعفًا أو تخاذلاً؛ ولكن لعدم جدوى ما قد نُقدم عليه من أفعال تؤدى إلى عواقب غير مدروسة، ولكن مع أخذ الحذر والحيطة ولنتبع المثل القائل Lets wait and see، فأحيانًا الصمت أبلغ من الكلام وعدم الفعل أفضل ألف مرة من فعل نُقدم عليه ونندم.

فمثلاً عند مخاطبة الجهلاء فالصمت دواء، وللصمت حكمة حين يُطلب من الإنسان التحكم فى نفسه فلا يتكلم إلا فى موضع الكلام؛ وما وراء الثرثرة إلا الوقوع فى الأخطاء والانزلاق فى الزلل! ويختلف الصمت عن السكوت فالصمت محمود ودليل على الحكمة، أما السكوت فهو الامتناع عن الكلام إذعانًا وضعفًا.

فلنفرق جيدًا بين صمتنا وسكوتنا، وأن نزنه بميزان العقل حتى لا نقع فى محظور الثرثرة أو السلبية بالسكوت عن الحق، أو التراخى فى المطالبة بالحقوق، وحرى بنا أن نتصف بالتعقل والحكمة؛ وكما تقول الحكمة "إذا تم العقل نقص الكلام" فكلما نضج الإنسان وفهِم ما حوله كلما قل كلامه؛ فكونوا كعبيط القرية حكماء فى كلامكم متوازنين فى صمتكم، فمن الجيد أن نعرف متى نتكلم ومتى نصمت وكما قال إرنست همنغواي: "يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين سنة ليتعلم الصمت".