صابر سالم يكتب: الموسم السياحي الشتوي… ازدهار ينتظر أنفاس الدفء وسط برد العالم
مع بداية كل شتاء، تدخل السياحة المصرية مرحلة خاصة تتغير فيها خرائط الحركة، وتتبدل فيها طبيعة الزوار، ويُعاد فيها رسم المشهد السياحي بالكامل.
فالموسم السياحي الشتوي لم يعد مجرد فترة موسمية عابرة، بل أصبح واحدًا من أهم محركات القطاع، وأحد الأعمدة الأساسية التي تبنى عليها خطط تنشيط السياحة عامًا بعد عام.
ومع تزايد الإقبال الدولي على المقاصد الدافئة، تتقدم مصر بخطى ثابتة لتكون مركزًا رئيسيًا يجذب عشاق الشمس والدفء والثقافة والتجارب المتفردة.
ما يميز الشتاء تحديدًا هو أنه موسم تتقاطع فيه ثلاثة عناصر لا تجتمع بسهولة: المناخ المعتدل، والهدوء الذي يكسر ضوضاء المدن الباردة حول العالم، والمزيج الفريد بين السياحة الشاطئية والثقافية في وقت واحد.
كثير من الدول تمتلك شواطئ، وأخرى لها تاريخ، لكن قلة قليلة فقط يمكنها تقديم التجربتين معًا خلال أشهر الشتاء.
وهذا ما يجعل مصر واحدة من أبرز الوجهات المفضلة لدى ملايين السائحين، خصوصًا من أوروبا التي تهبط درجات حرارتها إلى ما دون الصفر وتغلق كثير من الأنشطة أبوابها.
فى هذا السياق، يصبح البحر الأحمر بجماله الدافئ نجم الموسم الأول.
فمدن مثل الغردقة ومرسى علم وشرم الشيخ تشهد حركة متزايدة في شهري ديسمبر ويناير بفضل المناخ الذى يسمح بالسباحة والغوص والاستمتاع بالشواطئ طوال اليوم دون انقطاع.
كما تلعب السياحة العلاجية والأنشطة البحرية دورًا مهمًا، إذ أصبحت هذه المدن مركزًا عالميًا للغواصين ومحبّي الطبيعة، بفضل المحميات البحرية والشعاب المرجانية الفريدة.
وعندما يتجه السائح إلى الداخل بعيدًا عن الشواطئ، يجد أمامه عالمًا آخر لا يقل جاذبية: الأقصر وأسوان. في الشتاء، تصبح هذه المدن متاحف حية يمكن زيارتها دون مشقة حرارة الصيف.
السير وسط المعابد، ركوب الفلوكة مع غروب الشمس، زيارة وادي الملوك ومدينة البر الغربي، ثم الانتقال إلى معابد أسوان ومشهد النيل الذي يزداد سحره في تلك الفترة .. كلها تجارب تجعل الموسم الشتوي ذروة السياحة الثقافية بلا منافس.
ولا تزال الأقصر وأسوان وجهتين تحتفظان بقدرة مدهشة على إبهار السائح للمرة الأولى مهما تعددت زياراته.
أما القاهرة، فتمزج بين الشتاء الخفيف والأجواء الحضرية.
المتحف المصري الكبير ، ومنطقة الأهرامات، وشارع المعز وخان الخليلي .. كلها نقاط تجذب الزوار الذين يبحثون عن رحلة تجمع بين التاريخ والحياة اليومية، بين الأصالة والحركة الحديثة.
وحتى السياحة الترفيهية في العاصمة أصبحت جزءًا أساسيًا من الخريطة الشتوية، خاصة مع ازدهار المهرجانات والمناسبات الثقافية.
ومع ذلك، لا يتوقف نجاح الموسم على المقومات الطبيعية وحدها، بل يتطلب استعدادًا واسعًا من القطاع السياحي.
فقد اتجهت الدولة خلال السنوات الأخيرة إلى تطوير البنية التحتية، ورفع كفاءة المطارات، وتوسيع شبكة الطرق، إلى جانب برامج دعم الطيران منخفض التكلفة لجذب الأسواق الجديدة، خاصة من دول شرق أوروبا وآسيا.
كما تلعب الحملات الدولية دورًا مهمًا في تعريف العالم بالمقاصد الشتوية المصرية، والترويج لتجارب متنوعة تتجاوز الصورة التقليدية للسياحة الشمسية.
ويظل التحدي الأكبر دائمًا هو القدرة على الحفاظ على جودة الخدمة وتنوعها، لأن السائح الشتوي يسعى إلى تجربة مريحة ومنظمة وخالية من التعقيد.
وهنا تبرز أهمية تدريب العاملين، ورفع مستوى المنشآت، وإضافة أنماط جديدة مثل سياحة المغامرات، وسياحة الرفاهية، والسياحة البيئية التي تشهد رواجًا عالميًا.
فى النهاية، يبدو الموسم السياحي الشتوي فرصة ذهبية لمصر ليس فقط لزيادة عدد الزوار، بل لتعزيز مكانتها كوجهة عالمية قادرة على المنافسة بقوة.
فهي تمتلك ما لا يُمنح بسهولة: شمسًا دافئة في عز الشتاء، وتاريخًا لا ينتهي، وطبيعة تأسر القلب، وشعبًا يعرف كيف يرحب بضيوفه.
وإذا استمرت الخطط التطويرية بالمعدل ذاته، فإن المستقبل يحمل مواسم شتوية أقوى، ونموًا يليق ببلد يحمل من الجمال أكثر مما يستطيع أن يقدمه في موسم واحد.




