أكتوبر.. حين رأيت النصر بعين طفل فى الخامسة من عمره

- من صوت الرصاص إلى دموع الكرامة.. حكاية وطن لا يعرف الانكسار
- أكتوبر.. نصر العزة والكرامة الذى لا يبهت مع الزمن
- من نصر أكتوبر إلى معركة استعادة الوطن.. عبقرية القيادة من السادات إلى السيسي وصناعة النصر في معركتين فاصلتين
- الرئيس السادات.. قائد صنع النصر وغير وجه التاريخ
- الرئيس السيسي قائد معركة الوعي والبناء وصانع نصر جديد في زمن التحديات
كنت طفلا صغيرا لم أتجاوز الخامسة من عمري حينما كانت أجواء مصر مشحونة بالقلق والترقب، كانت سماء وطننا تموج بأصوات الصواريخ، وكان الجميع يلتف حول المذياع بقلوب تملؤها المخاوف والآمال.
مازلت أذكر كيف كانت أصوات الرصاص والانفجارات تتداخل مع حديث الكبار، وكيف كانت العيون تتطلع بشغف إلى أخبار النصر أو الهزيمة، وكانت تلك اللحظات بالنسبة لي أشبه بحكاية من عالم آخر، مليئة بالأحداث التي تفوق قدرتي على الفهم، لكنني كنت أدرك أن شيئًا عظيمًا يحدث في أرضنا، ومع مرور الأيام، بدأت أدرك أن نصر أكتوبر لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل كان تجسيدًا لإرادة أمة صممت على استرداد كرامتها وتأكيد هويتها.
لقد شاهدت كيف تحولت تلك اللحظات الصعبة إلى فخر وطني يحيا في قلوبنا، وكيف رسمت معالم المستقبل الذي نعيش فيه اليوم.
وكلما كبرت، تعمقت معرفتي بحجم التضحيات التي قدمها أبطال هذا النصر العظيم، وعلى رأسهم عبقرية الرئيس الراحل أنور السادات، الذي قاد مصر بحكمة وعزيمة لا تلين نحو تحقيق هذا الإنجاز التاريخي.
واليوم، ونحن نحتفل بالذكرى الثانية والخمسين لنصر أكتوبر المجيد، أشعر بفخر أكبر ونحن نرى الأجيال الجديدة تتعلم دروس هذا النصر، وتفهم قيم الوطنية والتضحية.
كما أنني أجد في قائدنا الحالي، الرئيس عبد الفتاح السيسي، صورة معاصرة لتلك الروح الوطنية، والذي قاد مصر في معركة جديدة ضد قوى الإرهاب والفساد، مطهرًا البلاد من شر الإخوان المسلمين، ومؤكدًا أن مصر قادرة على استعادة مكانتها وأمنها واستقرارها، تمامًا كما فعل أبطال أكتوبر قبل أكثر من خمسة عقود.
هذه الذكرى ليست مجرد يوم في التقويم، بل هي درس حي في الإرادة والتحدي، ونبراس يضيء دروب المستقبل. هي قصة شعب لا ينسى ماضيه، ويؤمن بقدراته على بناء غد أفضل.
وكلما استرجعت هذه اللحظات، أشعر بأنني جزء من قصة أكبر، قصة وطن لا يموت، وقائدين عظيمين رسما له طريق المجد والكرامة.
وفي كل مرة أتعمق في تفاصيل حرب أكتوبر، أشعر بأن كلمات الشجاعة والبطولة تصبح باهتة أمام ما قدمه الجنود المصريون على الجبهة.
لم يكونوا جنودًا فقط، بل كانوا رجالاً من طراز فريد، آمنوا بأن تراب هذا الوطن أغلى من أرواحهم، وأن استعادة الأرض ليست مجرد واجب عسكري، بل رسالة أبدية في كتب الشرف.
كان العبور إلى الضفة الشرقية لقناة السويس مشهدًا أسطوريًا، حين تسلّق آلاف الجنود الساتر الترابي، واقتحموا خط بارليف المنيع، وكأنهم يصعدون إلى المجد لا إلى الموت.
لم تكن لديهم رفاهية التراجع، كانوا يعرفون أنهم إما أن يكتبوا النصر، أو يكتبوا التاريخ بدمائهم، أبطال مثل إبراهيم عبد التواب، أحمد حمدي، عبد العاطي صائد الدبابات، وغيرهما ممن قد لا يعرفهم الجيل الجديد، هم من سطروا أعظم صفحات البطولة في العصر الحديث.
وجنود لا نعرف أسماءهم، لكن أفعالهم لا تزال حاضرة في وجدان هذا الوطن، يروون بدمائهم قصة الصمود والتحدي.
لم تكن حرب أكتوبر معركة توازن قوى بقدر ما كانت معركة إرادة، فبينما امتلك العدو ترسانة عسكرية متقدمة، امتلك الجندي المصري عقيدة قتالية راسخة، وإيمانًا بأنه يدافع عن حق، لا يعتدي على أرض.
كان الجندي المصري يصوم نهار رمضان وهو في قلب المعركة، ثم يُفطر على التمر والماء، ويعود ليحمل سلاحه دون أن يتزحزح.
العبور العظيم لم يكن فقط جسديًا من الغرب إلى الشرق، بل كان عبورًا نفسيًا من الإحباط إلى الإصرار، ومن الانكسار إلى استعادة الكرامة.
كل طلقة أُطلقت كانت إعلانًا بأن مصر عادت لتأخذ مكانها الطبيعي بين الأمم.
إن الحديث عن نصر أكتوبر ليس مجرد استدعاء للذكريات، بل مسؤولية وطنية.
علينا أن نعلّم أبناءنا أن ما نعيشه من أمن واستقرار لم يأتِ بسهولة، بل دفعنا ثمنه دماء وأرواحا. أن يعرفوا أن الحرية ليست شعارًا، بل موقفا، وأن الوطن لا يحيا إلا بمن يُحبونه بالفعل، لا بالكلام.
جيل أكتوبر حمل السلاح، وجيل اليوم يحمل مسئولية البناء.
وتبقى المعركة مستمرة، وإن اختلفت الأدوات.
معركة وعي، ومعركة معرفة، ومعركة انتماء لوطن يجب أن نحميه ونفخر به دائمًا.
وها أنا بعد 52 عامًا من ذلك اليوم العظيم، أجد قلبي لا يزال يخفق كلما استرجعت صوت المذياع يذيع خبر العبور، وكأن اللحظة ما زالت حيّة في الذاكرة، لم تبهت، ولم تبهت عظمتها.
كنت طفلًا صغيرًا، لم أفهم معنى الحرب ولا الانتصار، لكنني رأيت الفرح في عيون الكبار، رأيت دموعًا لم تكن من الحزن، بل من كرامة مستردة وحق عاد لأصحابه.
كبرت، وكبرت معي قصة أكتوبر.
كلما قرأت عنها أو سمعت شهادة أحد أبطالها، شعرت بأنني مدين لهذا الجيل العظيم، جيل لم يتذمر، لم يهرب، بل واجه المستحيل وصنع منه نصرًا تدرّسه الأكاديميات العسكرية حول العالم.
أكتوبر لم يكن مجرد معركة في كتاب التاريخ، بل درس في الإيمان، في الانتماء، في العزة.
واليوم، ونحن نعيش معركة أخرى من نوع مختلف، معركة الوعي والبناء وحماية الدولة من الفوضى والانقسام، أجدني أضع يدي على قلبي، وأردد: كم نحن بحاجة لروح أكتوبر… لروح السادات ورفاقه، لروح الجندي الذي لم يتردد لحظة في التضحية.
وأجد في الرئيس عبد الفتاح السيسي امتدادًا لتلك الروح، قائدًا يعرف أن النصر لا يكون فقط على الجبهة، بل أيضًا في حماية الدولة من الداخل، في مواجهة جماعة أرادت خطف الوطن، فجاء القرار الحاسم ليكتب نصرًا جديدًا لا يقل أهمية عن أكتوبر.
فلنروِ لأولادنا حكاية أكتوبر كما عشناها، وكما جسّدها الأبطال، لا كذكرى باهتة، بل كنبض مستمر، يعلّمهم أن لا شيء مستحيل، وأن مصر، حين تُحاصَر، تخرج من عنق الزجاجة أقوى مما كانت.
ستبقى أكتوبر نبراسا، وستبقى دماء الأبطال أمانة في رقابنا، نرد الجميل بالعمل، بالوعي، وبالحفاظ على ما تحقق من مجد، تحيا مصر، دائما وأبدا.
