« المحرضون على الخراب » .. لماذا يرفض نتنياهو صفقة وقف الحرب ويصمم على اقتحام مدينة غزة؟

- ما الذي ستفعله مصر للرد على خطة فرض الوصاية الأمريكية على غزة؟.. السيسي يستعد للمعركة
- كيف ستسقط خطة سيد البيت الأبيض الجديدة تحت أقدام أهل غزة؟
منذ اللحظة التي تسرّبت فيها تفاصيل ما يُسمّى بخطة "غزة ريفييرا" التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدا واضحًا أن واشنطن عادت إلى ممارسة لعبة قديمة بوجه جديد.
الخطة التي تسعى إلى وضع غزة تحت وصاية أمريكية لعقد من الزمن، وتقديم إغراءات مالية للفلسطينيين لمغادرة أرضهم، ليست سوى محاولة جديدة لتصفية القضية الفلسطينية عبر بوابة التهجير المقنّع. إنّ ترامب يتوهم أنّ الفلسطيني يمكن أن يبيع أرضه مقابل حفنة من الدولارات، متناسيًا أن تاريخ هذا الشعب قائم على التضحيات لا على الصفقات.
أرض غزة، كما أرض فلسطين كلها، ليست معروضة في مزاد سياسي، ولا يمكن أن تكون "مشروعًا استثماريًا" لرجال الأعمال ولا "حلمًا سياحيًا" لرئيس أمريكي يريد أن يسوّق أوهامه الانتخابية على حساب دماء الأبرياء.
رسالة الفلسطينيين للعالم واضحة: هذه الأرض ليست للبيع، لا بمال ولا بوعود ولا بتهديدات.
تحت أقدام أهل غزة
من يتأمل تفاصيل الخطة يجد أنّها مبنية على ثلاث ركائز: أولاها إخراج السكان عبر ما يسمّى "إعادة توطين مؤقت" مقابل تعويضات مالية؛ ثانيها: وضع القطاع تحت إدارة أمريكية مباشرة لعشر سنوات؛ وثالثها: تحويل غزة إلى "مشروع اقتصادي ترفيهي" تحت شعار التنمية.
غير أن هذه الركائز الثلاث ليست إلا محاولات لتجميل فكرة التهجير القسري وتفريغ القطاع من سكانه الأصليين.
لكنّ التاريخ علّمنا أنّ غزة لا تخضع للمشاريع الخارجية.
كل المحاولات السابقة لتفكيك هويتها باءت بالفشل، من احتلالات وحروب وحصارات، إلى مخططات دولية أرادت تحويلها إلى ورقة مقايضة.
واليوم، ليس من المنطق أن ينجح ترامب فيما عجزت عنه إسرائيل نفسها.
أهل غزة، الذين صمدوا في وجه أعتى آلة عسكرية لعقود، لن يقبلوا بأن يصبحوا "لاجئين بدوام مؤقت" بقرار صادر عن البيت الأبيض.
لقد جُرّبت سياسة "العصا والجزرة" مرارًا، فالمساعدات المشروطة لم تُثنِ الفلسطينيين عن التشبث بحقوقهم، والحصار لم يكسر إرادتهم، والتهديد لم يُخرجهم من بيوتهم.
وبالمثل، فإن هذه الخطة ستسقط تحت أقدام الفلسطينيين؛ لأنّ الأرض التي ارتوت بدماء الشهداء لا يمكن أن تُشترى بالمال.
كواليس خاصة عن أحدث مخطط
قد يتساءل كثيرون: لماذا يعود ترامب الآن إلى مشروع التهجير؟ الجواب يكمن في توازنات السياسة الدولية والانتخابات الأمريكية المقبلة.
ترامب يحاول أن يقدم نفسه على أنّه الرئيس القادر على "حل معضلة غزة"، في الوقت الذي يستغل فيه ضعف الموقف الدولي وانشغال المنطقة بصراعاتها.
الكواليس تكشف أن فريق ترامب قد أعاد تدوير أفكار قديمة كانت تُعرف بـ "الخيار السيناوي" أو "الوطن البديل"، مع إضافة غطاء اقتصادي برّاق.
لكن الجديد أنّ هذه المرة الطرح لا يعتمد فقط على إسرائيل، بل على إدارة أمريكية مباشرة، كأنّ واشنطن تريد أن تعلن نفسها وصيّة على أرض ليست لها، وسكان لم يطلبوا وصايتها.
الخطير في الخطة أنّها تُلبس مشروع التهجير ثوب التنمية، فتتحدث عن مدن ذكية ومنتجعات سياحية وفرص عمل مستقبلية، بينما جوهرها الحقيقي هو اقتلاع الناس من أرضهم.
إنها سياسة استعمارية بوجه حديث، إذ يُعرض على الفلسطيني أن يهاجر مقابل حفنة من المال، على أن تعاد صياغة القطاع كـ "أرض بلا شعب" متاحة للاستثمار.
السيسي يستعد للمعركة
مصر، التي تشكّل غزة جزءًا من أمنها القومي، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مخطط يهدد حدودها الجنوبية ويمس جوهر القضية الفلسطينية.
القاهرة أعلنت بوضوح رفضها أي مشروع يهدف إلى تهجير الفلسطينيين أو وضع القطاع تحت وصاية أجنبية.
الرئيس عبد الفتاح السيسي تحدث مرارًا عن "الخطوط الحمراء"، وغزة من أبرز تلك الخطوط.
من المتوقع أن تتحرك مصر على ثلاثة مسارات:
المسار الدبلوماسي: بتكثيف التحركات في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية لفضح الخطة باعتبارها مخالفة للقانون الدولي.
المسار الإقليمي: عبر بناء موقف موحد مع الأردن والسعودية والإمارات وباقي الدول العربية، بما يقطع الطريق أمام محاولات واشنطن فرض الأمر الواقع.
المسار الأمني: بتعزيز الإجراءات على الحدود وضمان عدم تحول سيناء إلى ساحة بديلة لأي مشروع تهجيري.
لقد أثبتت التجربة أنّ القاهرة حين تتخذ موقفًا صلبًا فإنها قادرة على تعطيل أية مخططات خارجية، كما حدث من قبل مع مشاريع "الوطن البديل".
واليوم، تبدو مصر مستعدة لمعركة سياسية كبرى، دفاعًا عن حق الفلسطينيين في أرضهم، وعن أمنها القومي الذي لا ينفصل عن استقرار غزة.
كواليس من غرفة العمليات الملعونة
لا يمكن فهم خطة ترامب بمعزل عن إصرار بنيامين نتنياهو على استمرار الحرب واقتحام مدينة غزة.
نتنياهو، الذي يواجه أزمات داخلية عاصفة وملفات فساد ثقيلة، يجد في الحرب وسيلة للبقاء السياسي.
ومن هنا، فإن رفضه صفقات وقف إطلاق النار ليس مجرد عناد عسكري، بل إستراتيجية للبقاء.
الكواليس من داخل غرفة العمليات تشير إلى أن القيادة الإسرائيلية تدرك أنّ السيطرة الكاملة على غزة مستحيلة عسكريًا، لكنها تراهن على إنهاك السكان وإجبارهم على القبول بأي تسوية تُفرض لاحقًا.
من هنا يتقاطع مشروع نتنياهو مع خطة ترامب: الأول يريد تفريغ غزة بالقوة، والثاني يريد إفراغها بالمال.
كلاهما يسعى إلى الهدف نفسه، وإن اختلفت الأدوات.
لكنّ المعطيات على الأرض تقول إنّ هذه الحسابات مغلوطة.
فالحرب التي أرادها نتنياهو حربًا خاطفة تحولت إلى استنزاف طويل، وغزة التي أرادها ترامب "مشروعًا سياحيًا" لا تزال تقاوم، وتُفشل كل محاولة لإلغائها من الخريطة.
كلمة أخيرة
إنّ ما يُطرح اليوم تحت مسمى "إدارة أمريكية" أو "وصاية دولية" على غزة ليس سوى نسخة حديثة من مخططات التهجير القديمة.
لكنّ الحقائق التاريخية والجغرافية والسياسية جميعها تقول إنّ هذا المشروع محكوم عليه بالفشل.
غزة ليست للبيع، والفلسطيني ليس مستعدًا ليغادر أرضه مقابل المال.
ترامب ونتنياهو قد يعتقدان أنّ بوسعهما أن يعيدا رسم خريطة الشرق الأوسط على الورق، لكن الأرض لا تستجيب إلا لأهلها.
ومصر ومعها الدول العربية الرافضة المشروع ستظل تدافع عن الحق الفلسطيني.
لقد أثبتت التجربة أن غزة، رغم الحصار والحروب، قادرة على إسقاط أعنف المؤامرات.
واليوم، ستسقط أيضًا خطة ترامب تحت أقدام الفلسطينيين، لأنّ هذه الأرض ببساطة ليست للبيع.
