قانون المشروعات الصغيرة.. ثورة تشريعية تفتح أبواب الاستثمار أمام الشباب وتحوّل البيروقراطية إلى تمكين

خالد الطوخى - صورة
خالد الطوخى - صورة أرشيفية

-  كيف يغير قانون المشروعات الصغيرة خريطة الاقتصاد المصري ويضع الشباب في قلب المعادلة التنموية؟

- من العقبات إلى الفرص.. التشريع الجديد للمشروعات الصغيرة يضع حدًا للبيروقراطية ويطلق طاقات الشباب

- ٣٠٪ من الأراضي للشباب وتراخيص فورية.. خطوات غير مسبوقة في قانون المشروعات الصغيرة

- لماذا يمثل قانون المشروعات الصغيرة نقطة تحول تاريخية في مسيرة الاقتصاد الوطني المصري؟

- المشروعات الصغيرة من الهامش إلى الصدارة.. رؤية جديدة تدعم الابتكار وتخلق وظائف

- التشريع الجديد.. رسالة أمل للشباب بأن الدولة تراهن على عقولهم وتضع المستقبل بين أيديهم

- من اقتصاد غير رسمي إلى اقتصاد منظم.. كيف يساهم القانون في تحويل الأفكار إلى كيانات قوية؟

- قانون المشروعات الصغيرة.. نموذج للشراكة بين الدولة والمواطن من أجل تنمية شاملة ومستدامة

- لماذا يعتبر دعم الشباب عبر المشروعات الصغيرة ضرورة وطنية وليس مجرد خيار اقتصادي؟

لم يكن الطريق أمام الشباب المصري مفروشًا بالورود في رحلة البحث عن فرص استثمارية حقيقية داخل الوطن.

سنوات طويلة عانى خلالها الحالمون بإنشاء مشروعاتهم الخاصة من قيود البيروقراطية، وتعقيدات الإجراءات، وغياب الدعم المؤسسي المباشر.

هذه العوائق لم تكن مجرد تفاصيل إدارية، بل كانت بمثابة جدار عالٍ يحول بين الشباب وأحلامهم، ويقودهم إما إلى الإحباط، أو إلى التفكير في الهجرة بحثًا عن بيئة تحتضن أفكارهم.

لكن ما جرى مؤخرًا مع صدور قانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر لم يكن مجرد تعديل تشريعي عابر، بل هو بمثابة ثورة قانونية وتنظيمية تعيد رسم المشهد الاقتصادي، وتضع الشباب في قلبه.

هذا القانون جاء ليغيّر قواعد اللعبة بأكملها، فاتحًا أبواب الأمل أمام أجيال جديدة من رواد الأعمال، مانحًا لهم الأدوات التي تجعلهم شركاء حقيقيين في مسيرة التنمية.

كنت وما زلت على يقين بأنّ أي نهضة اقتصادية حقيقية لا يمكن أن تقوم على عاتق الكيانات الكبرى وحدها، مهما بلغت قوتها. فالاقتصاد السليم يحتاج إلى شرايين صغيرة تضخ فيه المرونة والحيوية والابتكار.

من هنا جاء القانون ليعيد الاعتبار لفكرة أنّ المشروعات الصغيرة ليست نشاطًا هامشيًا أو بديلًا مؤقتًا للبطالة، بل دعامة أساسية من دعامات الاقتصاد الوطني.

وعندما نتأمل تجارب الدول الكبرى، نجد أنّ هذه المشروعات هي العمود الفقري للنمو، فهي التي تخلق الوظائف، وتولد الأفكار الجديدة، وتضمن بقاء عجلة الاقتصاد في حركة مستمرة.

لذلك لم يكن أمام مصر وهي تسعى إلى بناء اقتصاد قوي ومستدام سوى أن تفتح الأبواب واسعة أمام هذه الفئة.

ما يميز القانون الجديد أنه لم يتوقف عند حدود الشعارات أو الأمنيات، بل تحرك مباشرة نحو التنفيذ عبر حزمة من التيسيرات والإجراءات الثورية.

فقد نصّ على أن يحصل الشاب الراغب في إطلاق مشروعه على ترخيص مؤقت خلال خمسة عشر يومًا فقط، دون أن يضطر للانتظار في طوابير المكاتب الحكومية أو الدخول في متاهات الأوراق غير المنتهية

والأكثر جرأة أنّ القانون أقرّ مبدأ الترخيص النهائي بحكم القانون إذا لم ترد الجهة المعنية خلال ثلاثين يومًا، وهو ما يمثل ضربة قوية في قلب البيروقراطية التي أنهكت أحلام آلاف الشباب لعقود طويلة.

إنّ هذا التحول لا يُعد مجرد تعديل إداري، بل هو بمثابة إعلان رسمي بأن الدولة جادة في تحرير طاقات شبابها.

فالوقت في عالم الاقتصاد لا يقل أهمية عن رأس المال، وكل يوم يضيع في انتظار الموافقات يعني خسارة فرصة، وضياع حلم، وربما هجرة عقل كان يمكن أن يضيف قيمة للاقتصاد الوطني.

توقفت طويلًا أمام البند الخاص بتخصيص ٣٠٪ من الأراضي الصناعية والزراعية والسياحية للشباب.

هذه الخطوة ليست مجرد رقم في نص قانوني، بل هي انعكاس لإرادة سياسية حقيقية في تمكين الأجيال الجديدة.

الأرض هنا لا تمثل مساحة جغرافية فحسب، بل هي فرصة حياة، وقاعدة انطلاق، ومصدر إنتاج.

تخيّل شابًا يمتلك فكرة مبتكرة في مجال التصنيع الغذائي أو الطاقة المتجددة أو حتى السياحة البيئية، يجد فجأة أنّ الدولة توفر له قطعة أرض مجهزة بالبنية التحتية، وتضعها تحت يده ليبدأ مشروعه دون أن يضطر لخوض حرب طويلة مع مضاربات السوق العقارية.

هذه الخطوة وحدها قادرة على تحويل آلاف الأفكار من مجرد أحلام مكتوبة في دفاتر، إلى مشروعات قائمة على أرض الواقع.

ولا يقتصر الأمر على توفير الأرض أو تسهيل التراخيص، فالقانون يعكس أيضًا فلسفة اقتصادية جديدة تقوم على الاقتصاد الشامل.

بمعنى أنه لم يعد النمو الاقتصادي حكرًا على كبار المستثمرين أو أصحاب رؤوس الأموال الضخمة، بل أصبح الباب مفتوحًا أمام كل صاحب فكرة أو موهبة.

وهذا هو المعنى الحقيقي للتنمية المستدامة؛ أن تتوزع الفرص بعدالة، وأن يجد كل مواطن مكانًا له في منظومة الإنتاج.

لقد لمسنا في السنوات الأخيرة كيف استطاع شباب بموارد محدودة أن يبتكروا منتجات وخدمات نافست محليًا وعالميًا، فقط لأنهم وجدوا البيئة المناسبة.

واليوم، ومع وجود إطار قانوني رسمي يوفر هذه البيئة ويمنحها الحماية والدعم، يمكننا أن نتوقع أن يتحول الاقتصاد غير الرسمي إلى اقتصاد منظم، وأن تتحول الطاقات الفردية المبعثرة إلى قوة جماعية تضيف للاقتصاد القومي.

الأهم أنّ القانون لم يغفل عنصر الدعم الفني والتقني. فجهاز تنمية المشروعات بات يلعب دور الموجه والمرشد، يساند الشاب بخبرة مؤسسية، ويقدم له الاستشارات والحلول العملية.

هنا يكمن الفرق بين تشريع نظري يبقى حبرًا على ورق، وتشريع ينبض بالحياة.

القانون الجديد ليس مجرد نصوص، بل منظومة متكاملة تمنح الشاب الأدوات اللازمة لينتقل من فكرة على الورق إلى مشروع منتج على أرض الواقع.

ولعل ما يضاعف من أهمية هذه الخطوة أنّها جاءت في توقيت حساس، حيث يواجه الاقتصاد المصري كغيره من اقتصادات العالم تحديات متزايدة بفعل الظروف الدولية المضطربة.

في مثل هذه اللحظات لا يكون الاستثمار في الشباب مجرد خيار تنموي، بل يصبح ضرورة وطنية عاجلة.

فالرهان على الشباب يعني الرهان على المستقبل، وعلى القدرة الكامنة التي يمكن أن تتحول إلى قوة دافعة للاقتصاد إذا أُحسن استغلالها.

ومن ثم يمكن القول إن قانون المشروعات الصغيرة ليس مجرد إطار تنظيمي، بل هو رسالة أمل واضحة المعالم: مصر تراهن على عقول شبابها، وتمنحهم الأدوات ليكونوا شركاء حقيقيين في صياغة الغد.

التجارب تؤكد أن الاستثمار في الشباب لا يحقق مكاسب اقتصادية فقط، بل يخلق أيضًا مناخًا اجتماعيًا إيجابيًا، يعزز الانتماء الوطني، ويزرع الثقة بين المواطن والدولة.

لقد اعتدنا لسنوات طويلة أن نرى قصص النجاح في الخارج، ونتحسر على غياب الفرصة هنا.

أما اليوم، فإننا أمام تجربة تعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن من علاقة بيروقراطية قائمة على التعطيل، إلى علاقة تشاركية قائمة على التمكين والتحفيز.

هذا التحول في فلسفة الدولة هو في حد ذاته ثورة تستحق أن تُسجّل في تاريخ التشريعات الاقتصادية المصرية.

صحيح أن الطريق لن يكون خاليًا من التحديات، فالمنافسة في السوق مفتوحة، ومتطلبات الإدارة والابتكار عالية.

لكن ما يبعث على التفاؤل أن الأساس التشريعي قد وُضع، وأن البيئة القانونية أصبحت أكثر دعمًا للشباب.

يبقى فقط أن يلتقطوا هذه الفرصة ويحولوا أحلامهم إلى إنجازات ملموسة.

هنا تظهر أهمية الوعي، وإدارة المشروع باحتراف، والاستفادة القصوى من التسهيلات الممنوحة.

إن ما نشهده اليوم هو بداية مرحلة جديدة من عمر الاقتصاد المصري، مرحلة تُعيد الاعتبار للمشروعات الصغيرة باعتبارها قاطرة للتنمية، وأداة لتوسيع قاعدة الإنتاج، ووسيلة لخلق فرص العمل.

ومن هنا فإن رسالتي لكل شاب يمتلك فكرة أو حلمًا: الفرصة بين يديك، والقانون أصبح داعمًا لك، والدولة مدت يدها لتقف إلى جانبك.. فلتبدأ الخطوة الأولى نحو المستقبل.

فالتاريخ لا يرحم المترددين، وإنما يكتبه أولئك الذين يجرؤون على اتخاذ الخطوة الأولى.

الصفحة الخامسة من العدد رقم 427 الصادر بتاريخ 4 سبتمبر 2025
تم نسخ الرابط