أرقام تعيد الثقة وتصنع الأمل في الاقتصاد المصري

خالد الطوخى - صورة
خالد الطوخى - صورة أرشيفية

- التضخم يهبط إلى أدنى مستوياته منذ سنوات ويمنح الأسر متنفساً جديداً

- قفزة تاريخية للاستثمارات الأجنبية تعكس ثقة العالم في الاقتصاد المصري

- المصريون بالخارج يرسلون رسائل انتماء عبر تحويلات قياسية

- احتياطي نقدي يتجاوز 48 مليار دولار يعزز استقرار العملة الوطنية

- النمو الاقتصادي يسجّل تقدماً رغم الأزمات العالمية

- أرقام تؤكد: مصر تتحول من سوق استهلاكي إلى مركز إنتاج إقليمي

- الثقة الشعبية والدولية تتلاقى في لوحة اقتصادية واحدة

- إرادة المصريين تكتب قصة جديدة تتجاوز حدود الإحصاءات

حين نتأمل في مسار الأمم، ندرك أن لحظات التحول الكبرى لا تُصنع فقط داخل أروقة السياسة أو في قاعات الاجتماعات المغلقة، بل تُولد من رحم الحياة اليومية للناس، من إحساس المواطن العادي بالاستقرار وهو يذهب إلى عمله، ومن بريق الأمل الذي يلوح في أعين الشباب وهم يخططون لغدٍ أفضل.

هذه اللحظات الفارقة كثيرًا ما تُترجم بلغة الأرقام، لكنها في الحقيقة تعكس روح الشعوب وإرادتها الصلبة على مواجهة الأزمات وصناعة مستقبل جديد. ومصر، بتاريخها العريق وتجربتها الممتدة، تقدم اليوم نموذجًا حيًا لهذه القصة.

لقد مرت البلاد خلال السنوات الماضية بظروف اقتصادية صعبة، تراكمت خلالها الضغوط على المواطن، وواجهت الأسر تحديات قاسية مع ارتفاع الأسعار وتفاقم التضخم.

ومع ذلك، لم يفقد المصريون إيمانهم بقدرتهم على الصمود، بل ظلوا يبحثون عن بارقة أمل تُعيد لهم الثقة في المستقبل.

واليوم، حين يقرأ المواطن أن معدل التضخم تراجع من 34.1% إلى 12.8% في فبراير 2025، فإنه لا يتعامل مع خبر جاف على صفحات الاقتصاد، بل يشعر بأن معاناته اليومية بدأت تخف حدتها، وأن الجنيه الذي يتقاضاه العامل أو الموظف بات أكثر قدرة على تلبية احتياجاته.

هذا الرقم ليس مجرد إحصائية، بل شهادة لصبر شعب وإصراره على تحمل عبء الإصلاح من أجل قطف ثماره.

وإذا كان انخفاض التضخم يمثل متنفسًا للصعداء، فإن القفزة الكبيرة في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة تُعد علامة فارقة لا تقل أهمية.

أن يرتفع حجم هذه الاستثمارات من 10 مليارات دولار إلى 46.1 مليار في عام واحد فقط، فذلك يعني أن العالم كله يقرأ المشهد المصري بثقة، وأن المستثمرين باتوا يرون في مصر أكثر من مجرد سوق استهلاكي، بل مركزًا واعدًا للإنتاج والصناعة والخدمات.

ومن المعروف أن رأس المال لا يعرف المجاملة، ولا يغامر بأمواله إلا إذا وجد أرضًا خصبة ومناخًا آمنًا.

وبالتالي فإن هذه الأرقام ليست عابرة، بل تحمل في طياتها دلالات إستراتيجية على أن مصر وضعت قدمها بثبات على طريق بناء اقتصاد أكثر صلابة واستدامة.

وإلى جانب الاستثمارات، برز مشهد آخر أكثر إنسانية وعمقًا، وهو حجم تحويلات المصريين بالخارج.

فقد ضاعف أبناء الوطن في المهجر من دعمهم، لترتفع التحويلات من 11 مليار دولار إلى 20 مليارا خلال سبعة أشهر فقط.

هذه الأموال لا تُختزل في قيمتها المادية فحسب، بل تعكس رسائل انتماء وولاء من ملايين المصريين الذين قد تفرّقهم الجغرافيا، لكن قلوبهم تظل معلقة بأرض الوطن.

كل دولار يرسله مغترب هو تعبير عن ثقة متجددة، وكل زيادة في هذه التحويلات هي برهان على أن مصر ستبقى الحضن الذي لا يُستغنى عنه مهما ابتعدت المسافات.

ولأن الثقة لا تُبنى بالكلمات فقط، فقد كان لارتفاع الاحتياطي النقدي إلى 48.1 مليار دولار أثر بالغ في طمأنة الداخل والخارج على حد سواء.

فالاحتياطي النقدي يمثل صمام الأمان الذي يحمي الاقتصاد من الهزات، والدرع الذي يمكّن الدولة من الوفاء بالتزاماتها، ويمنح العملة الوطنية قوة حقيقية.

حين يعرف المواطن أن بلده يملك هذا الغطاء المالي، يزداد شعوره بالاطمئنان إلى أن الجنيه الذي يحمله ليس مجرد ورق، بل قيمة حقيقية مدعومة بقدرة الدولة على الصمود.

أما نسبة النمو الاقتصادي، التي ارتفعت من 3.5% إلى 4%، فقد تبدو للبعض طفيفة، لكنها تحمل في حقيقتها دلالة عميقة.

ففي وقت تتراجع فيه مؤشرات النمو في كثير من دول العالم بسبب أزمات الطاقة والاضطرابات الجيوسياسية، فإن تحقيق مصر معدل نمو إيجابيا يعكس صلابة بنيتها الاقتصادية.

النمو هنا ليس مجرد نسبة مئوية، بل رسالة تؤكد أن مصر تسير بخطوات محسوبة، لا متعثرة، وأنها تعرف طريقها جيدًا وتصر على المضي فيه.

هذه الأرقام مجتمعة ترسم لوحة متكاملة من الثقة.

ليست ثقة الحكومة في بياناتها، بل ثقة المواطن في أنه قادر على العيش بشكل أفضل، وثقة المستثمر في أن أمواله في أيدٍ أمينة، وثقة المجتمع الدولي في أن مصر شريك يمكن الاعتماد عليه.

إنها دوائر ثلاث تتكامل: المواطن في الداخل، المستثمر من الخارج، والشريك الدولي، وجميعها تلتقي عند نقطة مركزية واحدة هي مصر القوية القادرة على النهوض.

لكن، وراء هذه الأرقام قصة أكبر.

إنها قصة العامل الذي يواصل عمله في المصنع رغم التعب، والفلاح الذي يزرع أرضه ويحصّد بإصرار، والشاب الذي يؤمن بأن مستقبله لن يُمنح له على طبق من فضة، بل سيصنعه بيديه.

هذه القصة لا تستطيع الأرقام وحدها أن تحكيها، لكنها تُلمّح إليها وتضع خطوطها العريضة.

لقد اعتاد المصريون عبر تاريخهم الطويل أن يحولوا الأزمات إلى فرص.

واجهوا أوقاتًا ظن البعض أن الاقتصاد قد ينهار فيها، لكنهم أثبتوا المرة تلو الأخرى أنهم قادرون على تحويل التحديات إلى قوة دفع.

واليوم، ونحن نشهد تراجع التضخم، وتدفق الاستثمارات، وارتفاع التحويلات، وتعزيز الاحتياطي، فإننا لا نحتفل بأرقام جامدة، بل نحتفي بإرادة حياة تجري في عروق هذا الشعب.

صحيح أن الطريق ما زال طويلًا، وأن التحديات لم تنتهِ بعد، لكن الأكيد أن الخطوة الأولى قد قُطعت، وأن الإرادة التي صنعت هذه المؤشرات قادرة على أن تمضي بنا إلى آفاق أوسع.

المهم أن نحافظ على الزخم الحالي، وأن نستمر في البناء بثقة ووعي، وأن ندرك أن كل إنجاز، مهما بدا صغيرًا، هو لبنة في جدار المستقبل.

إن مصر اليوم تقف على أعتاب مرحلة جديدة، مرحلة لا تُقاس فقط بالأرقام الاقتصادية، بل بمستوى الأمل الذي يملأ القلوب، وبدرجة الثقة التي تتجدد في النفوس.

إنها مرحلة تُكتب الآن بسواعد المصريين، وستُروى غدًا كقصة نجاح تلهم الأجيال القادمة.

وما أجمل أن نكون نحن شهودًا على هذه القصة، مشاركين فيها، صانعين سطورها، واثقين أن القادم أفضل.

الصفحة الخامسة من العدد رقم 426 الصادر بتاريخ 28 أغسطس 2025
تم نسخ الرابط