"الفن ليس ترند".. أوقفوا زحف البلوجرز إلى التمثيل فورا

- كفى عبثا بالشاشة وريادة مصر .. الفن المصري يُغتال على يد البلوجرز
- كومبارسات "التيك توك" يسرقون الأضواء من نجوم حقيقيين وكأن عصر الكفاءة انتهى
- هل أصبح "عدد المتابعين" على السوشيال ميديا هو تأشيرة الدخول لعالم الفن؟
- أشرف زكي يضع النقاط على الحروف ويتصدى لفوضى البلوجرز بشكل صارم
أتابع المشهد الفني المصري بقلق، ذلك المشهد الذي كان يومًا ما مرآة لروح المجتمع، ولسان حال ثقافته، وأداة الدولة الأولى في ترسيخ الهوية والوعي الجمعي.
لكننا اليوم أمام واقع فني يتبدل بسرعة مدهشة، لا بفعل التطور الطبيعي أو التجريب الجاد، بل بفعل ما يمكن وصفه بالسطو الرقمي على ساحات الفن.
ومن أسف فقد سمح الانفلات الرقمي، الذي فرضته السوشيال ميديا، بأن تنقلب موازين الإبداع رأسًا على عقب، حيث لم تعد الموهبة أو الدراسة أو حتى التجربة معيارًا للظهور أو التألق، بل أصبح "عدد المتابعين" هو بوابة العبور الوحيدة إلى خشبات المسرح وكاميرات الدراما، باتت "الترندات" تزيح النصوص، وأرقام "التفاعل" تهمش التدريب، ليظهر لنا مشهد فني ملوث بشخصيات هشة، تتعامل مع التمثيل كسلعة تُسوق لا كمهنة تُتقن.
وهنا، وسط هذا التوهان، أجد في موقف الفنان الدكتور أشرف زكي، نقيب الممثلين، وقفة حقيقية تستحق الاحترام. الرجل لم يُهادن، ولم يساير الموجة، بل أعلن بوضوح أن نقابة المهن التمثيلية ليست ساحة لكل من يملك كاميرا وهاتفًا وحسابًا نشطًا على إنستجرام أو تيك توك، وللحق فإنني أؤيد وبشدة هذه الوقفة؛ لأنها ليست دفاعًا عن أسماء بعينها، بل هي دفاع عن "المهنة" ذاتها، عن الكرامة الفنية، وعن ماضٍ إبداعي عريق ينبغي ألا يُفرّط فيه لصالح فقاعة زائلة، فإن ما يحدث اليوم ليس معركة بين "القديم والجديد"، بل بين الأصالة والسطحية، بين بناء طويل الأمد، ومكاسب لحظية زائفة.
وللحق فإنني أرى هذه الأزمة واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا وتشابكًا على الساحة الفنية المصرية خلال السنوات الأخيرة، فقد اشتد الجدل اليوم حول ما بات يُعرف إعلاميًا بـ"أزمة البلوجرز"، ذلك المصطلح الذي خرج من رحم السوشيال ميديا ليقتحم صالات التحرير، ويستقر في قلب النقاش العام حول مَن يملك الحق في التمثيل، ومن يحق له الوقوف على خشبة المسرح أو أمام كاميرات الدراما والسينما؟ ولقد تابعت قلق الدكتور أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية، المتزايد من تنامي ظاهرة استعانة بعض شركات الإنتاج بعدد من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في أعمال فنية، دون التأكد من امتلاكهم الحد الأدنى من أدوات المهنة، أو حتى أي خلفية أكاديمية في الأداء والتمثيل، ويبدو واضحًا أن النقيب يخوض معركة حقيقية، ليست فقط ضد أسماء بعينها، بل ضد فكرة "شعبية المتابعة" باعتبارها مقياسًا للموهبة، فأصبحنا نشاهد "بلوجر" تحول إلى "نجم شباك"، لا لأنه أتقن أبعاد الشخصية أو نجح في الإمساك بتفاصيل الدور، بل لأنه يملك ملايين المتابعين على إنستجرام وتيك توك، تلك الأرقام باتت تُسقط موازين المهنة، وتعيد تشكيل مفهوم "النجومية" في نظر المنتجين، الذين أصبح بعضهم يفضل ضمان "الترند" على حساب القيمة.
قد يرى البعض أن ما يحدث ليس أكثر من صراع أجيال، أو تغير طبيعي في طبيعة الصناعة، حيث يتجه الفن للتفاعل مع أدوات العصر.
لكن الواقع أكثر تعقيدًا.
فالأزمة الحقيقية ليست في الوسيلة التي يصعد بها الشخص، بل في غياب المعايير، وفي التساهل مع فكرة أن مجرد الظهور أو الشهرة على السوشيال ميديا كفيلة بفتح أبواب التمثيل، لكن السؤال هنا: هل يستحق أي شخص يمتلك حسابًا ناجحًا على السوشيال ميديا أن يكون بطلًا في مسلسل رمضاني؟ وهل من العدل أن يُزيح هؤلاء ممثلين درسوا وتدرّبوا وتمرّنوا في مسارح الهواة والمعاهد.. أم أن الفن أصبح تجارة تبحث عن جمهور جاهز وليس عن فن راقٍ يُكسب جمهورًا؟! إنها لحظة فارقة يعيشها الفن المصري، لحظة تصطدم فيها الخوارزميات بالمسرح، ويواجه فيها جمهور "الإعجاب" جمهور "الذائقة"، وبينما يتمسك أشرف زكي بمبادئ راسخة، يضغط الواقع الجديد على النقابة وربما على الفن ككل لإعادة النظر في أدواته ومعاييره، دون أن يفرّط في جوهره، فمن المهم أن ندرك أن السوشيال ميديا ليست العدو، بل قد تكون أداة لتسليط الضوء على المواهب الشابة، لكنها لا يجب أن تكون المعيار الوحيد، ما تحتاجه الساحة الفنية اليوم هو ضبط البوصلة، والتفريق بين من يملك تأثيرًا لحظيا على الشاشة، ومن يملك القدرة على البقاء على المسرح لسنوات، ربما حان الوقت لأن نسأل أنفسنا: هل نريد فنًا يُقاس بعدد المتابعين، أم فنًا يُقاس بعمر التأثير؟ في هذا الصراع بين المهنية والشعبية، سيبقى الرهان الحقيقي دائمًا على الموهبة، لأنها وحدها القادرة على البقاء وسط ضجيج "الترندات".
وإحقاقا للحق فإنه لم يعد مقبولًا أو منطقيًا أن يظل نجوم التمثيل الحقيقيون، أصحاب الموهبة والتاريخ والدراسة، حبيسي منازلهم أو قابعين على الهامش، بينما يتصدر المشهد من لا يملك الحد الأدنى من أدوات الفن، فقط لأن لديه جمهورًا على "السوشيال ميديا"، ما نشهده اليوم هو انقلاب فني مكتمل الأركان، فـ"البلوجرز" الذين لا علاقة لهم بالفن لا من قريب ولا من بعيد، باتوا يتسللون إلى الشاشة تحت لافتة التأثير الجماهيري، في مشهد عبثي يخصم من رصيد الفن المصري العريق، ويقلل من مكانته وريادته الإقليمية.
هؤلاء ليسوا فنانين بل عارضين لصورهم وحياتهم اليومية، يتعاملون مع التمثيل كأنه مناسبة اجتماعية أو وسيلة لـ"المنظرة"، وليس رسالة لها قدسيتها ومكانتها، والأسوأ من ذلك أن بعض المنتجين – بدافع المكسب السريع – أصبحوا يتعاملون مع اختيار أبطال أعمالهم وكأنهم يوزعون أدوارًا في حفلة لا في عمل فني. فلا اعتبار للموهبة، ولا وزن للكفاءة، بل تُمنح البطولات لكومبارسات أو وجوه بلا أي خبرة، أو حتى لبلوجرز يتباهون فقط بعدد متابعيهم.
النتيجة: أعمال درامية وسينمائية فارغة المحتوى، وشخصيات سطحية لا تُقنع المشاهد، وأجور خرافية تُمنح لمن لا يستحق، فيما يُقصى أصحاب القيمة والتاريخ.
إنها أزمة حقيقية تمس "الصنعة" ذاتها، وتدفعنا للتساؤل: إلى أين يُساق الفن المصري؟ ومن يجرؤ على إعادته إلى مساره الصحيح؟
أعتقد أنه لا يمكننا أن نغضّ الطرف عما يشهده الوسط الفني من تحولات جذرية تهدد بنيانه الراسخ وتاريخَه الطويل، فالأمر لم يعد مجرد ظاهرة عابرة أو موجة "ترند" عابرة، بل بات أزمة حقيقية تستوجب التدخل، لا من نقابة الممثلين فقط، بل من كل من يعنيه أمر الفن في مصر، من صناع وكتّاب ومخرجين وجمهور.
فأن تظل المواهب الحقيقية على مقاعد الانتظار، بينما تتصدر الواجهة أسماء لم تعرف بعد دروب الموهبة أو دروس الصنعة، فتلك كارثة فنية وثقافية تستدعي وقفة حقيقية.
ولعل ما قام به الدكتور أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية، من إجراءات واضحة وصريحة ضد هذه الفوضى، يعيد إلى الساحة جزءا من اتزانها، ويرسم خطًا فاصلاً بين الفن بوصفه رسالة ومسؤولية، وبين العبث الذي بات يفرض نفسه تحت غطاء المتابعة والانتشار.
هذه ليست معركة شخصية، بل قضية رأي عام، لأن الفن في النهاية هو المرآة التي تعكس شكل المجتمع، وصورته أمام العالم، ولا يجب أن نسمح بتشويهها على يد من لا يملكون من أدوات الفن شيئًا سوى كاميرا هاتف ومجموعة من المتابعين.
إنني أرى أن الحفاظ على قيمة الفن المصري، وريادته التاريخية، هو مسؤوليتنا جميعًا، وأن نصرنا للموهبة والصدق والإبداع، هو انتصار للحضارة المصرية نفسها؛ لأن الفن كان دائمًا ولا يزال أحد أركان هويتنا الوطنية وركيزة من ركائز قوتنا الناعمة، فلنحفظ له قدسيته، ولنصن خشبة المسرح من العبث، ولنمنح الشاشة لمن يستحقها عن جدارة لا عن صدفة، أو ضجيج فارغ لا يلبث أن يخبو، فالفن الحقيقي لا يُقاس بعدد "اللايكات"، بل بمدى قدرته على التأثير والبقاء، والبقاء لا يكون إلا للأصلح، والأصدق، والأجدر.

- الصناعة
- ضبط
- أشرف زكي
- المهن التمثيلية
- العالم
- رمضان
- محمد فودة يكتب
- الوعي
- تيك توك
- تنقل
- الأولى
- العبور
- درة
- شاب
- مواقع التواصل
- عامل
- يوم
- اليوم
- مسرح
- المصري
- السوشيال ميديا
- الفنان
- الفن
- عون
- الدول
- المتابعين
- ملك
- البلوجرز
- خصم
- النقاب
- مسلسل
- الطب
- اجتماع
- محمد فودة
- مصر
- سوشيال ميديا
- كرة
- تعرف
- نقل
- تدريب
- الاول
- شخص
- التدريب
- الموجه
- اول
- ادا
- ساحات
- ارض
- الفن ليس ترند