الرقم القومي العقاري.. حلم يتحول إلى حقيقة

- الرقم القومي للعقار شهادة ميلاد جديدة لكل بيت يضمن لصاحبه حقوقه ويحميه من أي عبث أو تلاعب
- قادرون على تجاوز العشوائية والفوضى وعلى بناء نظام يحترم الإنسان ويحميه
- الرقم القومي للعقار هو وعد بأننا يمكن أن نعيش في بلد يعرف كل بيت فيه عنوانه وهويته
- لم نعد مجرد أرقام متناثرة في سجلات قديمة بل أبناء وطن يحترم أحلامنا الصغيرة ويصونها
- تخصيص رقم متفرد لكل عقار ليكون المعرف الوحيد له في كافة التعاملات الحكومية بما يُماثل منظومة الرقم القومي للمواطنين
- الانتهاء من إصدار حوالي 19 مليون رقم قومي عقاري في عدد من المحافظات بالتعاون مع مركز تشغيل الثروة العقارية بهيئة الرقابة الإدارية
- توفير مؤشرات دقيقة حول كل عقار سواء كان وحدة سكنية أو أرضا زراعية
كنت - وما زلت - أؤمن بأن لكل حلم بداية، ولكل فكرة مبدعة بذرة تنمو شيئًا فشيئًا حتى تصل إلى شجرة وارفة الظلال، تمد أذرعها لتمنح الأمان والراحة.
حين استمعت إلى حديث الحكومة عن مشروع الرقم القومي للعقار، شعرت بأننا بصدد حلم قديم كنا ننتظره جميعًا.
رقم موحد لكل عقار في مصر، فكرة تبدو بسيطة لكنها تحمل بين طياتها ما هو أكبر من مجرد تنظيم إداري أو إحصائي، إنها محاول جادة لترميم ما هدمته العشوائية وإعادة الثقة بين المواطن والدولة.
في لحظات الإعلان عن هذا المشروع، تذكرت كل المرات التي تهت فيها بحثًا عن عنوان صحيح أو واجهت مشكلات في إثبات ملكية شقة أو قطعة أرض.
تذكرت كيف كنا نضيع بين الأوراق القديمة المتهالكة، وكيف كانت أصواتنا تتيه في سراديب البيروقراطية.
الرقم القومي للعقار، كما فهمته، هو بمثابة شهادة ميلاد جديدة لكل بيت ولكل حجر، يضمن لصاحبه حقوقه ويحميه من أي عبث أو تلاعب.
ووسط هذا الزحام من الأرقام والإحصائيات، كان أكثر ما أثار انتباهي هو البعد الإنساني لهذه الفكرة..البعد الذي يمس حياة الناس البسيطة قبل أن يمس دفاتر الدولة.
لقد جاء مشروع الرقم القومي للعقار ليكسر دوائر الفوضى التي طالت قطاع العقارات في مصر.
كم مرة سمعنا عن نزاعات بسبب أخطاء في العناوين أو بسبب وحدات مبيعة لأكثر من شخص؟ كم مرة تهرب النصابون من العقاب بسبب غياب توثيق حقيقي للعقار؟ هذا المشروع يمثل بالنسبة لي بداية جديدة، صفحة بيضاء نكتب عليها تفاصيل العلاقة بين المواطن وأرضه، بينه وبين شقته التي تعب في بنائها، وبين أسرته التي تبحث عن الأمان والطمأنينة.
لكن وسط هذا الحلم الذي يلوح في الأفق، تبرز تساؤلات كثيرة.
هل سيتحول الرقم القومي للعقار إلى مجرد رقم على ورقة لا معنى له؟ هل سيظل حبيس الإدراج الحكومية مثلما حُبست أحلام كثيرة من قبل؟ أم أن هناك إرادة حقيقية لتحويل هذه الأرقام إلى جسر يربط الدولة بأبنائها ويعيد رسم خريطة مصر على أسس واضحة؟ هنا، تكمن التحديات الحقيقية.
أعجبني كثيرًا ما سمعته عن اجتماع الوزراء في العاصمة الإدارية الجديدة، حيث اجتمع وزراء الاتصالات والتنمية المحلية والإسكان والعدل والزراعة لمناقشة خطوات تنفيذ هذه المنظومة.
شعرت بأن هناك جدية في الأمر، وأن الدولة تحاول بالفعل إرساء قواعد جديدة تعيد تنظيم الثروة العقارية.
لكن، في تقديري الشخصي، لا يكفي أن نجتمع في قاعات فخمة أو نعلن عن أرقام ضخمة لنشعر بالإنجاز.
النجاح الحقيقي يكمن في قدرة هذه المنظومة على الوصول إلى قلب المواطن البسيط.
المواطن المصري، في قناعتي، يريد أن يرى بعينيه ثمار هذه الأفكار.
يريد أن يطمئن أن شقته التي بناها بعرق جبينه لن تكون عرضة للتلاعب أو الضياع.
يريد أن يشعر بأن الدولة لا تراه مجرد رقم في دفتر قديم، بل إنسان له كرامة وقيمة.
هذا هو التحدي الأكبر أمام مشروع الرقم القومي للعقار: كيف نحوله من فكرة نظرية إلى واقع يلمسه الجميع؟
لقد تأملت كثيرًا في الأبعاد الإنسانية لهذا المشروع.
الرقم القومي للعقار هو أكثر من مجرد كود يُسجل في قاعدة بيانات؛ إنه محاولة لحماية ذاكرة العائلات المصرية، وضمان حقوقها، ومنحها الثقة في المستقبل.
تخيل معي أسرة صغيرة ورثت بيتًا عن جدها، ووجدت نفسها فجأة تواجه نزاعات بسبب أخطاء في الأوراق أو تلاعب من معدومي الضمير.
الرقم القومي للعقار، إذا طُبق بإخلاص، سيكون بمثابة درع يقي هذه الأسرة من أي ظلم أو تحايل.
لكن يجب ألا ننسى أن أي مشروع مهما بدا عظيمًا يظل رهينًا بالطريقة التي يُنفذ بها.
عندي يقين بأن المصريين بطبيعتهم قادرون على الصبر والمثابرة، لكنهم في المقابل لا يغفرون لمن يهمل أحلامهم أو يخذلهم.
الرقم القومي للعقار سيكون اختبارًا لقدرة الدولة على كسب ثقة الناس من جديد.
هذه الثقة التي تآكلت في سنوات كثيرة بسبب تعقيد الإجراءات وكثرة الأوراق وضبابية العناوين.
أعرف جيدًا أن بعض الناس قد ينظرون إلى هذا المشروع نظرة شك، وربما يرونه مجرد محاولة جديدة لتحصيل الرسوم أو فرض الضرائب.
وهنا يأتي دور الحكومة في طمأنة الناس وتوضيح الهدف الإنساني قبل أي هدف مالي.
الرقم القومي للعقار يجب أن يكون، قبل أي شيء، مشروعًا لحماية حقوق الناس، لا وسيلة لزيادة الأعباء عليهم.
ما يلفت نظري دائمًا في مثل هذه المشاريع هو تلك الفجوة بين اللغة الرسمية ولغة الناس.
الحكومة تتحدث عن "تحقيق التحول الرقمي" و"ميكنة الثروة العقارية" و"تطوير قواعد البيانات"، وهي مصطلحات تبدو بعيدة أحيانًا عن المواطن الذي يريد فقط أن يعرف: هل سأتمكن من بيع شقتي بسهولة؟ هل سأضمن أن ابني سيجد عنوانًا واضحًا لو أراد أن يعيش هنا بعدي؟ هنا تكمن أهمية الحوار بين المسؤولين والناس، حوار يُبسّط الفكرة ويشرحها بلغة القلوب قبل لغة العقول.
لقد تعودت دائمًا أن أرى ما وراء الأرقام. تعلمت أن وراء كل رقم قصة، ووراء كل مشروع وجوه بشرية تستحق أن نسمعها ونفهمها.
الرقم القومي للعقار هو في جوهره مشروع إنساني بامتياز. مشروع ينحاز للعدالة والحق، ويحاول أن ينظم العلاقة بين الإنسان ومكانه.
وهذا هو ما يجعلني أرى فيه بصيص أمل، حتى لو كانت الطريق طويلة.
لكنني أيضًا لا أغفل عن التحديات التي ستواجه هذا المشروع.
هناك عقبات بيروقراطية متجذرة، وهناك أحيانًا مقاومة للتغيير من داخل الأجهزة الحكومية نفسها.
وهناك أيضًا تحدي التكنولوجيا: كيف نضمن أن قواعد البيانات دقيقة؟ كيف نمنع أي تلاعب أو تزوير؟ كل هذه أسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة وإرادة سياسية لا تهتز.
في النهاية، الرقم القومي للعقار قد يبدو مشروعًا تقنيًا، لكنه في حقيقته مشروع لبناء الثقة من جديد.
بناء الثقة بين الدولة وأبنائها، بين البيت وصاحبه، بين الحلم الذي راودنا طويلًا والحقيقة التي نريد أن نعيشها.
هذه الثقة هي أثمن ما يمكن أن نكسبه من هذا المشروع.
وحين تكتمل هذه الثقة، سيمكننا أن نقول بكل فخر: نعم، لقد نجحنا.
هذا المشروع، في نظري، ليس مجرد خطوة لتنظيم الثروة العقارية، بل هو بداية لكتابة تاريخ جديد لمصر.
تاريخ يقول إننا قادرون على تجاوز العشوائية والفوضى، وعلى بناء نظام يحترم الإنسان ويحميه.
الرقم القومي للعقار هو وعد بأننا يمكن أن نعيش في بلد يعرف كل بيت فيه عنوانه وهويته، وأننا لم نعد مجرد أرقام متناثرة في سجلات قديمة، بل أبناء وطن يحترم أحلامنا الصغيرة ويصونها.
أقولها في ختام مقالي: الرقم القومي للعقار ليس مجرد حلم، بل هو فرصة حقيقية.
فرصة لأن نعيد تعريف معنى الانتماء، ومعنى الأمان.
فرصة لأن نكتب بقلوبنا قبل أقلامنا تاريخًا جديدًا يليق بنا ويليق بمصر.
فلنمسك بهذه الفرصة، ولنجعلها تتحول من حلم إلى حقيقة نراها في كل شارع وكل بيت.
وختامًا، يظل الأمل هو عنوان رحلتنا، والإصرار هو مفتاح نجاحها.
