منطقة دير مارمينا "أبو مينا" الأثرية في مهب الريح والخطر |تقرير|

◄| تعود للعصر البيزنطي..واليونسكو تضعها ضمن 7 مناطق مهددة بالزوال
◄| إنجي مراد: تقدمت بطلب إحاطة.. و"الآثار" تنتظر انتهاء تحقيق خاص بمشروع الترميم السابق
◄| أستاذ بـ"آداب
الإسكندرية": مصارف أرض البنجر أكبر مشكلة تواجه المدينة
في غرب الإسكندرية بمنطقة كينج مريوط، وتحديدًا على بعد 50 كم من
مدينة برج العرب، تتواجد واحدة من أهم المناطق الأثرية في العالم، وهي منطقة دير
مارمينا أو "أبو مينا" الأثرية، التي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة
للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" عام 1979 ضمن قائمة التراث العالمي،
وبذلك تعتبر المنطقة الأثرية الوحيدة بمحافظة الإسكندرية المدرجة ضمن قائمة التراث
العالمي، من بين 7 مواقع مصرية تضمها القائمة.
القديس مارمينا العجايبي
يعود تاريخ تلك المنطقة للعصر البيزنطي، فبعد استشهاد القديس مارمينا
المصري العجايبي عام 309م، أحد قديسي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حمل أصدقاؤه من
الجنود جثمانه على جملين، طبقًا للتقليد الكنسي القبطي، وساروا به في صحراء مريوط،
وفي موقع المنطقة الأثرية الحالية وقف الجملان فاعتبرها الجنود إشارة لدفن جثمان
القديس في هذا المكان.
والقديس مينا وُلد من أبوين مصريين مسيحيين، وكان والده والي شمال
إفريقيا، وقد توفي في وقت مبكر، وترك مينا شابًا يافعًا، فقام الحاكم الجديد
بتولية الجندي مينا الفرقة الرومانية بشمال إفريقيا تقديرا لوالده، وفي أيام
الإمبراطور دقلديانوس ومرسومه باضطهاد المسيحيين، أعلن القديس مينا بشجاعة عن
إيمانه، فتم القبض عليه واضطهاده ثم قطع رأسه في القرن الثالث الميلادي.
وبعد عدة سنوات، كان أحد الرعاة يرعى الغنم في هذه المنطقة، وكان لديه
خروف مريض وقع على الأرض، وعندما قام الخروف اندهش الراعي لأن الخروف شفي تماما من
مرضه، وانتشرت هذه القصة بسرعة، مما جعل المرضى يأتون لهذا المكان آملين في
الشفاء، وكان من بينهم ابنة مريضة للملك زينون، وبعد زيارتها للمكان وشفائها، أمر
والدها الملك بحفر المكان وإخراج جسد مارمينا المقدس وبناء كاتدرائية كبيرة في هذا
المكان، كما حث الأغنياء على بناء قصور ومساكن لهم، ولم يمض وقت طويل حتى أصبح
هناك مدينة كبيرة تحمل اسم القديس مارمينا.
مدينة الرخام
وكانت هذه المدينة معروفة بمدينة الرخام لفخامة مبانيها الرخامية، كما
كانت أهم مركز مسيحي للحج في مصر.
وكان يتوسطها فناء متسع على شكل ميدان محاط بصفوف من الأعمدة كان
يتجمع فيه المقدسون المسيحيون، وهو محاط بعدة مبان لأغراض مختلفة، وفي الشمال تقع
دور الضيافة الخاصة بإيواء المسيحيين، وفي الجزء الجنوبي تقع الكنائس التي كان مبناها
الرئيسي هو كنيسة المدفن التي تضم قبر القديس مينا، كما كان هناك طريق كبير خاص
بالمواكب يمتد بين دور الضيافة ويؤدي إلى الميدان، وتم الكشف عن جزء منه.
ويوجد أيضًا حمامان كبيران بجوار منازل المقدسين المسيحيين وهما
الحمام المزدوج والحمام الشمالي، كما تم الكشف عن مبانٍ لحوانيت وورش فخار ومصنع
نبيذ، وتضم المنطقة الأثرية بالدير ما يقرب من ٢١ نوع رخام تعود إلى القرن الرابع
الميلادي.
وقد تعرضت المنطقة الأثرية إلى غارات الفرس والبربر والأتراك،
واندثرت المدينة وكنائسها بسبب التخريب الشامل في القرن الثالث عشر.
الكشف والتنقيب
وبدأت عمليات الكشف الأثري للمنطقة عام 1905 على يد العالم الألماني
"كوفمان"، تلتها أبحاث أخرى على فترات متباعدة، وما بين عامي 1925- 1929
تم بناء سور حديد حول مقبرة القديس مينا.
وفي عام 1958 وضع البابا كيرلس السادس حجر أساس دير الشهيد مارمينا
الجديد بمريوط، وأعاد إحياء المنطقة، بمناسبة الاحتفالات الخاصة بذكرى استشهاد
القديس مارمينا والذي يوافق 15 هاتور من الشهور القبطية.
وقام المعهد الألماني للآثار بالقاهرة بقيادة عالم الآثار الألماني
بيتر جرسمان، بالتنقيب في تلك المنطقة، فى الفترة ما بين 1961 وحتى عام 2002، حيث
تم الكشف عن قبر القديس مينا تحت كنيسة المدفن، وكذلك قارورات مارمينا المصنوعة من
الفخار ومتعددة الأحجام والاستخدام، حيث كان بعضها صغير الحجم لوضع الزيت للتبرك،
والبعض الآخر كبير الحجم لتحفظ فيه الماء المباركة التى نبعت من عين بجانب القبر
وكانت تشفى الكثير من المرضى.
اليونسكو تحذر
ومؤخرًا قامت منظمة اليونسكو بوضع 7 مناطق حول العالم على قائمة
العجائب المهددة بأن تزول تمامًا من على وجه الأرض، ومن بينها مدينة أبو مينا
الأثرية بسبب زيادة المياه الجوفية في تلك المنطقة مما يجعلها مهددة بالانهيار،
كما فقدت المنطقة العديد من آثارها بسبب الإهمال.
وكمحاولة للإصلاح، قامت وزارة الآثار عام 2007 بمشروع ضخم لتخفيض
منسوب المياه الجوفية بالمنطقة، وتم تشغيله عام 2009، وكان عبارة عن هدارين تشغلهما
170 طرمبة لسحب المياه ببطء من المنطقة وطردها إلى خارجها، إلا أن المشروع توقف
مما أدى إلى ازدياد المياه مرة أخرى.
طلب إحاطة
من جانبها، أوضحت النائبة إنجي مراد فهيم، عضو لجنة التعليم والبحث
العلمي بمجلس النواب، أنها تقدمت بطلب إحاطة، ناقشته لجنة الثقافة والإعلام
بالبرلمان، بشأن أوضاع منطقة أبو مينا الأثرية، والتي باتت مهددة بالخراب بسبب
المياه الجوفية.
وأشارت "مراد" إلى أنه لا يزال هناك تحقيق خاص بالمشروع
السابق لترميم المنطقة بالنيابة الإدارية، خاصة أنه تبين أن الطرمبات التي تم
استخدامها كانت من مادة البلاستيك، منوهة إلى أن وزارة الآثار لن تتمكن من مواصلة
المشروع قبل انتهاء التحقيقات، مضيفة أن الدكتور خالد العناني وزير الآثار أكد انه
سيتابع المشكلة، وسيتم البت فيها قريبًا.
ولفتت "مراد" إلى أن الأراضي المجاورة للمنطقة الأثرية، هي
أراضٍ مستصلحة، تتطلب المحاصيل المزروعة بها كمية كبيرة من المياه، منوهة إلى أن
طلب الإحاطة شمل وزارة الري إلى جانب وزارة الآثار.
وذكرت "مراد" أن وزارة الآثار أكدت انها ستخاطب وزارة الري
لإيجاد حل لتلك المشكلة، مشددة على ضرورة التعاون والتنسيق بين كافة الجهات
المعنية، من وزارتي الآثار والري والمحافظة وإدارة الدير، وكذلك المحليات حتى
تتوفر جميع المرافق والخدمات اللازمة بها كمنطقة أثرية سياحية.
وأضافت أن مؤسسات المجتمع المدني لابد أن تساهم في حل المشكلة، وكذلك
يجب توعية المواطنين وإمدادهم بالمعلومات اللازمة عن الأماكن التراثية والأثرية
وأهميتها وقيمتها من خلال وسائل الإعلام، وعمل الدعاية اللازمة لها.
إهمال شديد
فيما أشار محمد عبد العزيز مدير عام التوثيق الأثري بالإسكندرية
سابقًا، إلى أن هذه المنطقة كانت أهم مركز للحجاج المسيحيين، فهي تعتبر مدينة
متكاملة من العصر القبطي البيزنطي، وتضم كثيرا من الآثار التي تميزت بها المدن في
هذه الفترة مثل الحمامات الرومانية القديمة والمنازل والمقابر ومصانع النبيذ،
لافتًا إلى انه تم إعداد مشروع منذ سنوات لترميمها، ولكنه توقف، حتى أصبحت المدينة
غارقة في المياه الجوفية، والمعالم الأثرية الموجودة بها أصبحت شبه مدمرة، وانهارت
الكثير من الآثار التي كانت متواجدة تحت الأرض مثل مخازن المياه والحمامات.
وأكد "عبد العزيز" أن هذه المنطقة الأثرية تعاني من
الإهمال الشديد، وعدم اهتمام المسئولين بها، منوهًا إلى أنه يجب تنفيذ المشروع
وتشغيل الطرمبات بأسلوب صحيح، لإعادة ما تم تدميره، وحتى لا تنجح اليونسكو في
حذفها من قائمة التراث العالمي، بعد الحالة السيئة التي وصلت إليها.
تكلفة عالية
ولفت الدكتور عزت قادوس، أستاذ الآثار اليونانية والرومانية بكلية
الآداب جامعة الإسكندرية، إلى أن أبرز مشكلة تعاني منها مدينة أبو مينا الأثرية،
هي صرف الأرض الزراعية "أرض البنجر" المجاروة لها، مما يتسبب في دخول
كمية كبيرة من المياه إليها، إلى جانب تأثرها ببعض العوامل الطبيعية.
وأوضح "قادوس" أن حل المشكلة يتطلب تكلفة عالية، لبناء
حوائط مسلحة ومبطنة بمادة "البالاك" على عمق 10 أمتار تحت الأرض، مشيرًا
إلى أن وزارة الآثار تسعى لإيجاد حل لتلك المشكلة، ولكن تواجهها أزمة التمويل،
فالدخل لم يعد كما كان في السابق بسب حالة الركود السياحي.
ضرورة التنسيق
وقال الدكتور محمد سليمان، خبير أثري، إن مدينة أبو مينا تعاني من
ارتفاع منسوب المياه، وانتشار الغطاء النباتي الطبيعي، وكذلك ارتفاع نسبة الأملاح
في التربة، وتفكك بعض العناصر المعمارية، وأيضًا مصارف مشروع أرض البنجر التي ظهرت
في المنطقة في السنوات الأخيرة.
وأشار "سليمان" إلى أن أكبر مشكلة تواجه وزارة الآثار هي
التمويل، والذي يعتبر أهم أسباب توقف مشروع ترميم المنطقة السابق، بالإضافة إلى
بعض المشكلات التقنية والفنية، لافتًا إلى ان تنفيذ المشروع بحاجة للتنسيق بين
وزارات الآثار والري والزراعة وإدارة دير مارمينا.
واضاف أن حل المشكلة يجب أن يتم من مصدرها الأساسي، أي بالتنسيق
الفعال مع وزارتي الزراعة والري لحل مشكلة مصارف الأراضي الزراعية المجاورة
للمنطقة خاصة انها زراعات كثيفة المياه، وكذلك تطهير المصارف.
مهددة بالخطر
وفي ذات السياق، أكدت الدكتورة نهى إبراهيم، مدرس الدراسات السياحية
بالمعهد العالي للسياحة والفنادق وترميم الآثار بالإسكندرية، أن مدينة أبو مينا من
أهم المناطق الأثرية التي سيكون لها مستقبل سياحي، إذا تم الاعتناء بها بصورة
جيدة، خاصة انها مدرجة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وهذا يعني انها تتمتع
بمجموعة من الخصائص والميزات التي قلما تتوافر في مكان أثري.
ولفتت "إبراهيم" إلى أن المنطقة الآن مهددة بالخطر والخروج
من قائمة التراث العالمي بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية بها، مما يؤثر على
بنيتها التحتية.
وأشارت "إبراهيم" إلى ضرورة التعاون بين كافة الجهات
المعنية لإنقاذ تلك المنطقة الأثرية المتفردة عالميًا، منوهة إلى أن المواقع
المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي، جاذبة للسياحة، فهي بمثابة "الكنز"
الذي يجب الحفاظ عليه.
وأضافت أن الاعتناء بتلك المنطقة وتسويقها سياحيا، سيساهم في تسويق
منطقة الساحل الشمالي، وجذب السياح لذلك المعلم الأثري، منوهة إلى انه لا يمكن وضع
مكان أثري على الخريطة السياحية، طالما انه غير معد ومجهز لذلك، من بنية تحتية،
تأمين الطرق، فنادق مجاورة، مراكز تسوق، وغيرها من الخدمات، حتى يصبح الأثر مُعدا
للزيارة.
حل سريع
وأيدتها الزهراء عوض، مرشدة سياحية، مشيرة إلى أن مدينة أبو مينا من
الأماكن الأثرية النادرة على مستوى العالم، وهي المنطقة الوحيدة بالإسكندرية
المدرجة ضمن قائمة التراث بالعالمي، موضحة أنها تعاني من ارتفاع منسوب المياه
الجوفية، وكذلك الخدمات غير متوفرة بالمنطقة، والطرق غير مهيأة، لذا لا تدرجها
شركات السياحة ضمن أغلب البرامج والرحلات السياحية.
ولفتت "عوض" إلى أن المشكلات التي تعاني منها تلك المنطقة
بحاجة لحل سريع، قبل أن يتم حذفها من قائمة التراث العالمي.