صابر سالم يكتب: دفء المناخ وروعة المقاصد وتنوع التجارب

صابر سالم - صورة
صابر سالم - صورة أرشيفية

مع بداية كل شتاء، تتحول مصر إلى لوحة نابضة بالحياة، يمتزج فيها دفء الشمس بنسمات التاريخ وعبق الحضارة، لتفتح أبوابها أمام العالم وتستقبل موسمها السياحي الشتوي الذي يعد من أهم مواسم العام.

فحين تتجمد أوروبا وتغرق مناطق واسعة من العالم في الثلوج، تبقى شواطئ البحر الأحمر وساحل البحر المتوسط ومناطق وادي النيل تنعم بجو معتدل يجعل من مصر قبلة للسائحين الباحثين عن الدفء والجمال والتنوع الثقافي في آنٍ واحد.

من شرم الشيخ إلى الأقصر وأسوان، ومن القاهرة إلى واحة سيوة، تتعدد المقاصد السياحية التي تجعل مصر في مقدمة الوجهات الشتوية عالميًا. فمدينة شرم الشيخ تظل نجمة البحر الأحمر المتلألئة، بمياهها الفيروزية وشعابها المرجانية النادرة التي تجذب عشاق الغوص من كل القارات.

وفيها يجد السائح الراحة والاستجمام وسط منتجعات عالمية، إلى جانب المشاركة في فعاليات فنية ورياضية ومؤتمرات دولية تجعل من المدينة منصة تواصل حضاري وثقافي.

أما الغردقة ومرسى علم فتقدمان تجربة مختلفة لعشاق المغامرة والطبيعة البكر، حيث رحلات السفاري وسط الجبال، والغطس في أعماق بحرٍ يحتفظ بأسراره بين الشعاب والأسماك الملونة.

ويضاف إلى ذلك أن البنية الفندقية في هذه المدن أصبحت من بين الأفضل إقليميًا، مع تنوع المستويات والأسعار لتناسب كل فئات الزائرين، ما يجعل تجربة السياحة في البحر الأحمر مزيجًا من الرفاهية والمعقولية في آنٍ واحد.

وفي الجنوب، تبقى الأقصر وأسوان درة الشتاء المصري بحق.

فالأقصر هي أكبر متحف مفتوح في العالم، تحتضن معابد الكرنك والأقصر ووادي الملوك والملكات، حيث تتجلى عظمة التاريخ الإنساني في كل حجر ونقش.

وتغدو المدينة في هذا الفصل مسرحًا لرحلات البالون الطائر فوق النيل والمعابد، في مشهد يخطف الأنفاس.

أما أسوان، فهي عاصمة الهدوء والجمال الطبيعي، بنيلها الهادئ وجزرها الخضراء وبيوت النوبة الملونة، حيث تتجسد البساطة الأصيلة في أبهى صورها.

القاهرة أيضًا لا تغيب عن المشهد السياحي الشتوي، فالعاصمة التي لا تنام تجمع بين عبق التاريخ وحداثة الحاضر.

فيها الأهرامات وأبو الهول والمتحف المصري الكبير الذي أصبح أحد أهم المزارات الثقافية في المنطقة، إلى جانب الفنون والمطاعم والمهرجانات التي تضيف طابعًا عالميًا على المدينة.

كما تشهد القاهرة في الشتاء حركة سياحية داخلية نشطة، حيث يفضل المصريون أنفسهم استكشاف كنوز بلدهم في هذا الطقس المثالي.

وتبرز كذلك المقاصد البيئية والواحات مثل سيوة والفيوم والواحات البحرية، التي أصبحت ملاذًا للسائح الباحث عن السكون والطبيعة العلاجية، بفضل مياهها الكبريتية وكثبانها الرملية وأجوائها الصافية.

وفي سيوة على وجه الخصوص، يعيش الزائر تجربة فريدة تجمع بين الثقافة الأمازيغية والتراث المصري في أجواء من الصفاء الروحي لا مثيل لها.

ولأن مصر تدرك أهمية السياحة كركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني، فقد كثفت الدولة استعداداتها للموسم الشتوي الحالي، من خلال تطوير البنية التحتية للمطارات والطرق، وتحسين الخدمات في المناطق السياحية، وإطلاق حملات ترويجية في الأسواق الأوروبية والعربية.

كما تم تعزيز التعاون مع شركات الطيران والمنصات السياحية العالمية لتسهيل الوصول إلى الوجهات المصرية، وهو ما انعكس في زيادة الحجوزات منذ بداية الموسم.

السياحة الشتوية في مصر ليست مجرد عطلة، بل تجربة حياة تُجسد معنى التوازن بين المتعة والمعرفة، بين دفء الشمس وعبق التاريخ.

إنها رحلة تمتد من أعماق البحر الأحمر إلى ضفاف النيل، ومن صحراء سيوة إلى أحياء القاهرة القديمة، لتقول للعالم إن مصر لا تقدم فقط وجهة سياحية، بل تقدم روحًا خالدة تفيض بالضيافة والدهشة في كل زاوية منها.

وهكذا، ومع كل موسم شتوي جديد، تثبت مصر أنها ليست فقط بلد الأهرامات والنيل، بل أرض التجدد الدائم التي تعرف كيف تحتفظ بسحرها وتضيف إليه كل عام فصلًا جديدًا من الجمال والحياة.

الصفحة الثامنة من العدد رقم 434 الصادر بتاريخ  16 أكتوبر 2025
تم نسخ الرابط