"النجاح" مرآة تعكس حقد الآخرين

الكاتب والإعلامى
الكاتب والإعلامى محمد فودة - صورة أرشيفية

- القلوب التي تضيق بالنجاح تحمل في داخلها بذور الغيرة لا المحبة

- الناجح يمضي في طريقه ولا يلتفت إلى ضجيج القلوب الحاقدة

- النجاح لا يخلق العداوات لكنه يكشفها ويفضح النفوس المريضة المختبئة خلف أقنعة المودة

- هناك من لا يحتملك ناجحا لأنك ببساطة تفضحه دون أن تقصد.. تنكأ جرح تقاعسه وتوقظه من وهمه

- لن أبدل طبيعتي.. ولن أرد القبح بالقبح ولا الضيق بالضيق

- من تعلم النجاح رغم الحرب لن تهزه قذائف الغيرة

هناك لحظة غريبة في الحياة، لا تنسى ولا تتكرر كثيرا، لحظة تدرك فيها أن نجاحك لم يسعد الجميع، بل على العكس، كأن ما أنجزته أضاء مرآة كبيرة في وجوه البعض، فانزعجوا من انعكاسهم فيها، كأن نورك كشف عتمتهم، فانكمشوا وبدأوا يرمونك بالظلال، لم يكن الأمر عنك، بل عنهم عن قبح دفين لم يكشف إلا حين بدأت ترتفع.

كنت أظن كما يظن أغلبنا أن النجاح سيفتح الأبواب، لا يغلقها، أن التصفيق سيكون حقيقيا، لا مشوبا بالغل، لكنى تعلمت، وبالوجع، أن النجاح لا يغير الناس، بل يكشفهم، وأن البعض لا يغضب لأنك أخذت منهم شيئا، بل لأنك تجرأت على أن تكون أفضل مما توقعوا لك، هذا المقال ليس ترفًا، بل ضرورة نفسية هو اعتراف، وربما تنفيس، وربما رسالة لكل من مر بهذه التجربة القاسية حين يصبح النجاح مرآةً تعكس قبح الآخرين فكيف تنجو؟ وكيف تحتفظ بنقائك رغم كل ما يلقى عليك من ظلال؟

لقد تعلمت بالتجربة أنه لا شيء يُظهر وجوه الناس على حقيقتها مثل النجاح، ليس لأنك أصبحت شخصا مختلفا، بل لأنك دون أن تقصد، وضعت مرآة ضخمة في وجوههم.. مرآة تعكس ما حاولوا دائما إخفاءه، في لحظة ما، وأنت تحاول بكل اجتهاد أن تحقق ذاتك، أن تثبت وجودك، أن تمضي على درب شاق صنعته بنفسك دون ضجيج، تجد أن الطريق لا يمتلئ فقط بالصعوبات، بل بالعيون التي تراقبك بصمت، القلوب التي تضيق بفرحك، والألسنة التي تتحين لحظة سقوطك لتُفسر صعودك بأنه صدفة، أو واسطة، أو حظ لا تستحقه.

نجاحك لا يفرح الجميع، لأن النجاح لا يرى بنفس العين من الجميع، البعض يراه إلهاما، والبعض يراه تهديدا، نجاحك يقول للكسالى إنهم كانوا قادرين ولم يفعلوا، يقول للناقمين إنك تجاوزتهم دون ضجيج، يقول للمزيفين إنك وصلت دون أن تساوم، المؤلم في الحكاية أنك لا تنتبه لهذا القبح إلا بعد أن تعتقد أن النجاح سيبهج الجميع، فتفاجأ بأنه يفضح كثيرين، ليس لأنك تقصد، بل لأن نجاحك يبرز إخفاقهم، لأن ما حققته يعيد تذكيرهم بما لم يحققوه، فتتحوّل فجأة من شخص "مكافح" إلى "متكبر" في نظرهم، من شخص "يستحق" إلى "محظوظ بطريقة مريبة"، ولأنك نجحت، فسيفتش البعض في ماضيك، في عائلتك، في خياراتك، في طريقتك في التعبير، سيفسرون اجتهادك على أنه تمثيل، سيقولون إنك تغيرت، رغم أنك فقط بدأت تظهر نفسك بعد طول كتمان، النجاح لا يعريك، بل يعريهم، يفضح النوايا التي كانت تغلفها الابتسامات، يكشف عن الصداقات المزيفة، ويُظهر من كان ينتظر لك لحظة إخفاق ليُبرر بها إخفاقه.

والأصعب من كل ذلك، أنك أحيانا تشعر بالذنب لأنك نجحت، تشعر أنك ربما كنت سببا غير مقصود في إزعاجهم، في كشف تقاعسهم، في تحريك بركهم الراكدة، تشعر أنك مطالب دوما بأن "تُقلل من صوتك" حين تتحدث عن إنجازاتك، وأن تبرر كل خطوة، وأن تعتذر عن كل تطور، وأن "تتراجع قليلاً" كي لا تحرج أحدًا، لكن الحقيقة الأهم، والتي لا يجب أن تغيب عنك، أن النجاح اختبار، لا لك وحدك، بل لكل من حولك، هو الاختبار الذي لا ينجح فيه إلا القليل، النجاح يعري النفوس، ويكشف المواقف، ويغربل دوائر القرب، لهذا، لا تتراجع لا تخفض من ضوئك حتى لا يزعج عيونًا اعتادت الظلام، لا تعتذر عن تعبك، لا تخفي ما أنجزته، لا تختصر نفسك لتناسب مساحات الآخرين، استمر في النجاح، ولو وحدك، لأن النجاح الحقيقي ليس فقط في الوصول، بل في اكتشاف من يستحق أن يرافقك في الطريق، النجاح لا يخلق العداوات من العدم، بل يكشفها، يخلع الأقنعة برفق، ثم فجأة تجد نفسك أمام حقيقة لم تكن مستعدًا لرؤيتها.

من ظننتهم سندًا، يكتمون الغيظ في صمت، ومن كنت تراهم مشجعين، ينقلبون إلى نقّاد محترفين. ليس لأنك أسأت إليهم، بل لأنهم لم يتحملوا رؤيتك تتجاوز ما اعتقدوا أنه سقفك.

هم لم يتغيروا، فقط النجاح فضح نواياهم.

من المؤلم أن تتحول أفراحك إلى لحظات دفاع، أن تجد نفسك في كل مرة تحقق شيئا، مجبرا على شرح كيف ولماذا ومتى، أن تصبح مشغولا بإثبات أنك "لم تتغير"، بينما الحقيقة أنك فقط تطورت، ونضجت، وأصبحت أكثر قربًا من نفسك، النجاح لا يجب أن يُشعرك بالذنب، ولا يجب أن تفقد بسببه يقينك بذاتك، عليك أن تتصالح مع حقيقة أن البعض لن يحتفل بك، لا لسبب سوى أنهم لم يحتفلوا يوما بأنفسهم، وبقدر ما يُشعرك النجاح بالإنجاز، بقدر ما يشعرك بالوحدة، لأنه يصفي محيطك من المزيفين، تكتشف من يحبك لنفسك، ومن يحبك حين تكون "أقل منه"، النجاح لا يزيد عدد الأصدقاء، بل يختبرهم، فإما أن يبقوا لأنهم يرون فيك إنسانا، لا منافسا، أو يختفون لأنهم لا يحتملون رؤية من كان معهم بالأمس، يتقدّمهم اليوم، أحيانا، لا تجد خيارا إلا أن تصمت، لا لأنك ضعيف، بل لأنك تعلم أن التبرير مع من لا يريد أن يفهم، لا قيمة له، النجاح لا يحتاج إلى شرح، بل يحتاج إلى اتساع صدر، وصبر طويل، ومناعة ضد سهام الحسد، لذلك، تعلم أن تنجح في هدوء، وأن تفرح بصمت، وأن تحفظ منجزاتك في قلبك، بعيدا عن العيون الزائغة والألسنة الحادة، أسوأ ما يمكن أن تفعله هو أن تجعل من نجاحك ساحة قتال لإثبات أنك كنت على حق، النجاح لا يقاس بعدد من أقنعتهم، بل بسلامك الداخلي وأنت تمضي في طريقك دون التفات، لا تجعل منهم معيارا، ولا تسعى لنيل رضا من لا يحتمل رؤيتك مزدهرا، استمر لا لأنهم يكرهون، بل لأنك تستحق.

إننى أقولها بصوت هادئ وضمير مرتاح لم أؤذ أحدًا بنجاحي، ولم أزاحم أحدا في رزقه أو مكانه، فقط اجتهدت، سهرت حين ناموا، تعبت حين استسلموا، راهنت على نفسي، وحين بدأت خطواتى تثمر، وحين بدأت تتضح ملامح الطريق الذي شقيته بصبر، فوجئت بأن الانتصار لا يزعج الفاشلين فقط، بل حتى المتفرجين، اليوم، لم أعد أندهش من تغير الوجوه، ولا من تلك الكلمات المسمومة التي تأتي مغطاة بالابتسامات، فهمت أن في هذا العالم، هناك من لا يحتملك ناجحا، لأنك ببساطة، تفضحه دون أن تقصد، تنكأ جرح تقاعسه، توقظه من وهمه، وربما تشعره بصغره حين كنت في نظره لا شيء، لكن رغم ذلك، لن أبدل طبيعتي، لن أرد القبح بالقبح، ولا الضيق بالضيق، سأواصل طريقي، بثقة وهدوء، لأن من تعلم النجاح رغم الحرب، لن تهزه قذائف الغيرة.

النجاح ليس فقط في تحقيق الأحلام، بل في البقاء إنسانا رغم كل السهام، في أن تحب الحياة، رغم ما يفعله البشر، أن تواصل العطاء، رغم الجحود، أن تصافح، رغم الخذلان، أن تبتسم، رغم الوجع، ولكل من مر بتجربة مثل تلك أقول له لا تحزن.

لا تعدل مسارك لترضي من لم يرض بك أصلا، لا تطفئ نورك ليشعر الآخرون بالراحة، كن كما أنت، واسع كما كنت، ودع مرآتك تعكس حقيقتك، لا قبحهم، هكذا فقط، تكون ناجحا بحق.

الصفحة السابعة من العدد رقم 430 الصادر بتاريخ 25 سبتمبر 2025
تم نسخ الرابط