"الحماية الاجتماعية".. قلب الدولة النابض بالإنسانية

خالد الطوخى - صورة
خالد الطوخى - صورة أرشيفية

- مصر تثبت أن الاستثمار في الإنسان هو أعظم المشروعات

- "تكافل وكرامة".. مظلة أمان قانونية لكل مواطن في وقت الشدة

- 160 مليار جنيه دعما تموينيا.. رسالة أمل في مواجهة الأزمات العالمية

- الدولة تحارب الفقر المادي والنفسي معًا

- الرحمة كسياسة.. فلسفة مصر في الحماية الاجتماعية

- من الموازنة إلى الموائد.. كيف يصل الدعم إلى المستحقين؟

- مصر تسير عكس التيار العالمي وتضاعف دعمها للفقراء

قيمة الدول الحقيقية لا تُقاس فقط بما تمتلكه من موارد طبيعية أو بما تحققه من إنجازات عمرانية شاهقة، وإنما تُقاس أولًا بقدرتها على أن تمد يدها لأبنائها في اللحظات الصعبة، وأن تحميهم عندما تشتد العواصف.

هذه الفلسفة الإنسانية الراقية هي ما لمسته بوضوح وأنا أتابع ما أعلنه مجلس الوزراء مؤخرًا حول توسيع مظلة الحماية الاجتماعية والدعم، رغم ما يواجهه العالم من أزمات اقتصادية طاحنة ألقت بظلالها الثقيلة على الجميع.

اللافت للنظر أن الدولة المصرية لم تتعامل مع الأمر كأنه مجرد أرقام في موازنة أو بنود مكتوبة على ورق، بل تعاملت معه كمسؤولية أخلاقية ووطنية في المقام الأول، وكأنها تقول لكل مواطن "أنت لست وحدك".

هذا الشعور وحده يكفي ليمنح الناس جرعة أمل واطمئنان في وقت أصبح فيه الخوف من الغد يثقل قلوب الكثيرين ويكاد يخنق أحلامهم.

حين تسمع أن دعم السلع التموينية في موازنة 2025/2026 قفز ليصل إلى 160 مليار جنيه، فإنك لا تتحدث عن رقم مالي فحسب، بل عن ملايين الأرغفة التي ستجد طريقها إلى موائد الأسر البسيطة، وعن آلاف الأمهات اللاتي لن يضطررن إلى القلق يوميًا بشأن لقمة العيش لأطفالهن، وعن آلاف الأطفال الذين سينامون دون أن يشعروا بمرارة الجوع.

وحين تدرك أن هذا الدعم زاد عن العام الماضي بأكثر من ثلاثة أضعاف، تفهم أن هناك إرادة سياسية حقيقية لتقليل أعباء المعيشة، حتى وسط ضغوط اقتصادية عالمية لم تترك دولة إلا وأثرت عليها.

ولعل ما يضاعف من أثر هذه القرارات أن برامج مثل "تكافل وكرامة" لم تعد مجرد مبادرات وقتية أو إجراءات يمكن أن تتوقف مع تغير الظروف، بل تحولت إلى حق قانوني مكفول للمستحقين، بقانون تم إقراره ويضمن استمراره.

هذا القانون ليس مجرد تشريع، بل هو صك أمان اجتماعي، ورسالة واضحة بأن الدولة ملتزمة تجاه مواطنيها، وأن يد العون لن تُسحب منهم في لحظة احتياج، بل ستظل ممتدة ما دام هناك من يحتاج إليها.

في تقديري الشخصي، أهم ما في هذه القرارات ليس فقط حجم المخصصات المالية، بل الفلسفة التي تقف وراءها.نحن أمام رؤية تعتبر أن الاستثمار في الإنسان لا يقل أهمية عن أي مشروع تنموي أو بنية تحتية.

الإنسان هو حجر الزاوية في أي نهضة، وإذا شعر المواطن بالأمان وبأن هناك من يحميه، سيصبح أكثر استعدادًا للإنتاج والعمل والعطاء، وسيشارك في بناء وطنه بروح أكثر حماسًا وطمأنينة.

توقفت طويلًا أمام أرقام المستفيدين من "تكافل وكرامة" التي وصلت إلى نحو 7.8 مليون أسرة. هذا الرقم ليس إحصائية جافة، بل هو وجوه وأسماء وحكايات.

هو الأم التي تربي أبناءها بمفردها وتجد في هذا الدعم ما يسد احتياجاتهم، وهو الأب المريض الذي لم يعد قادرًا على العمل ويعتمد على هذه المعونة ليؤمن لأسرته حياة كريمة، وهو الشاب الذي يبحث عن فرصة أفضل في ظل ظروف صعبة فيجد أن هناك من يسانده حتى يقف على قدميه.

وربما لا يشعر البعض بقيمة هذه البرامج لأنهم لم يمروا بتجربة الحاجة، لكن من عاش لحظة العجز عن توفير احتياجات بيته يعرف تمامًا أن مثل هذه القرارات قد تعني الفارق بين حياة كريمة وحياة قاسية.

الدعم هنا ليس مجرد أموال تُصرف، بل هو دفء يقي برد العوز، وهو امتداد لثقافة التكافل التي عرفها المجتمع المصري منذ القدم.

كما أن ما يميز هذه الخطوة هو شمولها فئات متنوعة من المجتمع، فالاستهداف ليس عشوائيًا، وإنما هناك آليات دقيقة تضمن وصول الدعم لمن يستحقه فعلًا، وهو ما يعكس وعي الدولة بضرورة أن يكون كل جنيه في مكانه الصحيح.

وهذا يعزز الثقة في أن هذه المخصصات لن تضيع في طرق ملتوية، بل ستصل إلى أبواب البيوت التي تحتاجها بحق.

الدولة في هذه اللحظة لا تحارب فقط الفقر المادي، بل تحارب أيضًا الفقر النفسي، الإحساس بالعزلة، والخوف من المجهول.

حين يعرف المواطن أن هناك نظام حماية اجتماعية قائما وفعالا، فإنه يشعر بأن ظهره مسنود، وبأنه ليس مضطرًا لمواجهة الحياة وحده.

لقد علمتنا التجارب أن الأزمات تكشف معادن الأمم. وما نراه اليوم من حرص على زيادة الدعم، وتوسيع نطاق الحماية، وتثبيت هذه الحقوق بالقانون، هو دليل على أن معدن الدولة المصرية ما زال أصيلًا، وأنها لا تسمح بأن يواجه مواطنوها عواصف الحياة دون مظلة تحميهم.

قد يظن البعض أن مثل هذه القرارات أمر بديهي، لكن الحقيقة أن دولًا كثيرة حول العالم اختارت في أوقات الأزمات أن تقلص دعمها الاجتماعي بحجة التقشف، فكانت النتيجة أن زادت الفجوة بين الطبقات واتسعت رقعة الفقر.

مصر، في المقابل، اختارت أن تسير عكس هذا التيار، وأن تثبت أن حماية الإنسان ليست بندًا يمكن شطبه، بل هي أولوية حتى في أصعب الأوقات.

إن ما تقوم به الدولة في هذا المجال لا يمكن اعتباره سياسة آنية مرتبطة بظرف اقتصادي معين، بل هو نهج مستدام يرسخ لفكرة أن المواطن هو رأس المال الحقيقي.

فإذا كان العالم يقيس التقدم أحيانًا بنسب النمو أو مؤشرات الاقتصاد، فإن مصر تقدم معيارًا آخر، أكثر إنسانية وأعمق تأثيرًا: معيار العطاء والحماية والرعاية.

وفي النهاية، يمكنني القول إن ما حدث مؤخرًا ليس مجرد قرار اقتصادي أو اجتماعي، بل هو رسالة إنسانية، تقول لكل مواطن: نحن معك، في الرخاء والشدة، في الفرح والحزن، في كل ما يمر بك.

هذه هي الدولة التي نريد أن نحيا في ظلها، دولة تعرف قيمة الإنسان قبل أي شيء، وتحفظ له كرامته، وتمنحه الأمان الذي يجعله قادرًا على مواجهة الغد بثقة وأمل.

الصفحة الخامسة من العدد رقم 424 الصادر بتاريخ 14 أغسطس 2025

 

تم نسخ الرابط