الخميس 20 مارس 2025
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

الاستثمار في التدريب.. خطوة نحو مستقبل أكثر إشراقًا

خالد الطوخى - صورة
خالد الطوخى - صورة أرشيفية

- الدول التي اهتمت بتطوير مواردها البشرية وركزت على التعليم والتدريب المهني تمكنت من تحقيق قفزات اقتصادية وتنموية غير مسبوقة

- التدريب ركيزة أساسية لضمان أن تكون الكوادر المصرية جاهزة لمتطلبات العصر الحديث

- المجلس الأعلى لتنمية مهارات الموارد البشرية خطوة إستراتيجية نحو ربط التعليم بسوق العمل بشكل فعلي

- نظام جديد لتنظيم بعض الحرف والوظائف التي لا يمكن ممارستها إلا بعد الحصول على تراخيص

- نحن نعيش في عصر لا يرحم الكسالى.. ومن لا يطور نفسه لن يجد مكانًا في سوق العمل

- التدريب أصبح ضرورة حتمية وليس مجرد خيار إضافي.. وكل وظيفة اليوم تتطلب تحديثًا مستمرًا للمهارات

- مصر تمتلك شبابا طموحين لديهم استعداد للتعلم والتطور لكنهم يحتاجون إلى بيئة تدعم هذا الطموح وتوفر له الأدوات المناسبة

كنت وما زلت على قناعة تامة بأن الاستثمار الحقيقي لأي دولة لا يكمن في المشروعات الضخمة فقط، ولا في العوائد المالية السريعة، بل في الإنسان نفسه، في عقله وفكره وقدرته على الإبداع والإنتاج.

على مدار السنوات الماضية، رأينا كيف أن الدول التي اهتمت بتطوير مواردها البشرية، وركزت على التعليم والتدريب المهني، تمكنت من تحقيق قفزات اقتصادية وتنموية غير مسبوقة.

لذلك، عندما توقفت طويلًا أمام مناقشات مجلس النواب المصري حول قواعد وضوابط الاستثمار في التدريب ضمن قانون العمل الجديد، أدركت أننا أمام لحظة فارقة، لحظة تحمل في طياتها ملامح مستقبل مختلف، مستقبل يبنى على المعرفة، ويرتكز على تطوير العقول قبل الأدوات.

هذا القانون ليس مجرد مجموعة من اللوائح والتشريعات، بل هو انعكاس لرؤية جديدة تتعامل مع القوى البشرية باعتبارها الثروة الحقيقية للبلاد.

لا يمكننا أن نتحدث عن اقتصاد قوي، ولا عن نهضة صناعية أو تكنولوجية دون أن يكون لدينا جيل مؤهل يمتلك من المهارات ما يجعله قادرًا على المنافسة في سوق العمل المتغير.

ومن هنا، يأتي دور التدريب كركيزة أساسية لضمان أن تكون الكوادر المصرية جاهزة لمتطلبات العصر الحديث، ليس فقط محليًا، ولكن عالميًا أيضًا.

اللافت للنظر أن القانون الجديد يضع الأساس لإنشاء "المجلس الأعلى لتنمية مهارات الموارد البشرية"، وهو ما يمكن اعتباره خطوة إستراتيجية نحو ربط التعليم بسوق العمل بشكل فعلي وليس نظريًا فقط.

كم من شباب تخرجوا حاملين شهاداتهم، ليجدوا أنفسهم غرباء عن متطلبات الوظائف الحالية؟ وكم من مشروعات كبرى تعثرت لأنها لم تجد المهارات المطلوبة؟ هذا المجلس، إن تم تفعيله بالشكل الصحيح، سيضع حدًا لهذه الفجوة التي عانى منها سوق العمل المصري لعقود طويلة.

ولكن، دعونا لا ننسى أن التشريعات وحدها لا تكفي.

فالمشكلة لم تكن يومًا في غياب القوانين، بل في آليات التنفيذ والرقابة.

القانون الجديد يشترط حصول المؤسسات التدريبية على تراخيص رسمية واعتماد برامجها من الجهات المختصة، وهو أمر في غاية الأهمية لضمان أن يكون التدريب جادًا وفعّالًا، وليس مجرد "شهادات ورقية" لا قيمة لها في الواقع.

فكم من مراكز تدريب حملت أسماء رنانة، بينما كانت مخرجاتها مجرد وعود زائفة، وكم من مؤسسات استنزفت أموال الشباب دون أن تقدم لهم المهارات الحقيقية التي يحتاجونها؟

ولا يقف الأمر عند ذلك الحد، بل إن القانون يستحدث نظامًا جديدًا لتنظيم بعض الحرف والوظائف التي لا يمكن ممارستها إلا بعد الحصول على تراخيص، مما يعني أننا أمام خطوة نحو ضمان جودة أعلى للقوى العاملة، وضمان أن يكون العامل أو الموظف مؤهلًا فعلًا قبل أن يتحمل مسؤولية عمله.

هذا لا يفيد الأفراد فقط، بل ينعكس على الاقتصاد ككل، فكلما زادت كفاءة العمالة، زادت الإنتاجية، وتحسنت جودة المنتجات والخدمات، وارتفعت القدرة التنافسية للدولة في الأسواق العالمية.

ومع كل هذه التعديلات الجوهرية، يبرز سؤال مهم: كيف سنضمن تنفيذ هذه الإصلاحات بطريقة فعالة ومستدامة؟ القانون يطرح فكرة إنشاء مجالس تنفيذية في المحافظات لمتابعة تنفيذ السياسات والخطط، وهي فكرة رائعة من حيث المبدأ، لأنها تعني أن القرارات لن تبقى حبيسة المكاتب المركزية، بل ستجد طريقها إلى التطبيق العملي على أرض الواقع.

ولكن، نجاح هذه المجالس يعتمد على اختيار الكوادر القادرة على إدارة هذا الملف بكفاءة، بعيدًا عن البيروقراطية المعتادة أو الروتين الذي يقتل كل المبادرات الجيدة.

التدريب والتأهيل ليسا رفاهية، بل هما ضرورة تفرضها طبيعة العصر.

نحن اليوم في عالم يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا والابتكار، حيث لم يعد امتلاك الشهادات الجامعية وحده كافيًا لضمان الحصول على وظيفة جيدة.

الشركات اليوم تبحث عن المهارات، عن الكفاءات القادرة على التعامل مع التحديات العملية، وليس مجرد حفظ المعلومات النظرية.

وهنا يأتي دور الدولة في خلق بيئة تعليمية وتدريبية تواكب هذه التغيرات.

فبدلًا من أن نترك الشباب يتخبطون بين مراكز التدريب غير المعتمدة، وبين دورات غير مجدية، يجب أن يكون لدينا نظام متكامل يحدد المسارات التدريبية المناسبة لكل قطاع، ويربطها مباشرة بسوق العمل، بحيث يصبح كل خريج جاهزًا للانخراط في وظيفته الجديدة دون الحاجة إلى إعادة تأهيله من البداية.

نحن نعيش في عصر لا يرحم الكسالى، من لا يطور نفسه لن يجد مكانًا في سوق العمل. التدريب أصبح ضرورة حتمية وليس مجرد خيار إضافي.

كل وظيفة اليوم تتطلب تحديثًا مستمرًا للمهارات، سواء كانت في مجالات التكنولوجيا، الهندسة، الإعلام، أو حتى الحرف اليدوية.

والنجاح في أي مهنة أصبح مرتبطًا بقدرة الفرد على التعلم والتكيف مع المستجدات.

في تقديري الشخصي، التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في وضع السياسات، بل في القدرة على إحداث تغيير حقيقي في الثقافة المجتمعية تجاه التدريب والتعليم المستمر.

كم مرة سمعنا عبارات مثل: "التعليم مش بيأكل عيش" أو "الشغل بالواسطة مش بالكفاءة"؟ هذه المفاهيم يجب أن تتغير، ويجب أن يدرك الجميع، من العامل البسيط حتى صاحب الشركة، أن التنافسية اليوم لا تُبنى على المجاملات، بل على المهارات الحقيقية والقدرة على تقديم قيمة مضافة في أي مجال.

إن مصر تمتلك ثروة بشرية هائلة، شباب طموح لديهم استعداد للتعلم والتطور، لكنهم يحتاجون إلى بيئة تدعم هذا الطموح وتوفر له الأدوات المناسبة.

القانون الجديد يفتح بابًا للأمل، لكنه ليس نهاية الطريق، بل مجرد بداية.

نحن بحاجة إلى تحالف قوي بين الحكومة والقطاع الخاص، بين الجامعات ومؤسسات التدريب، بين الشركات الكبرى والمشروعات الناشئة، حتى نتمكن من تحويل هذه التشريعات إلى واقع ملموس يشعر به كل مواطن مصري.

لذا، يمكنني القول إن هذا القانون، إذا تم تطبيقه بالشكل الصحيح، سيكون نقطة تحول حقيقية في مستقبل سوق العمل المصري.

الاستثمار في التدريب ليس رفاهية، بل هو استثمار في المستقبل، في بناء اقتصاد قوي قائم على الكفاءة والإبداع، وليس مجرد الاعتماد على الموارد التقليدية.

وإذا كنا نطمح إلى تحقيق نهضة حقيقية، فعلينا أن نبدأ من حيث يجب أن نبدأ: من الإنسان نفسه.

الصفحة الخامسة من العدد رقم 404 الصادر بتاريخ 13 مارس 2025

 

تم نسخ الرابط