محمد فودة يكتب عن عيد الفلانتين: في زمن الترند.. علاقات زائفة وحب "منزوع المشاعر"

- اغتيال الرومانسية بفعل فاعل.. واختفاء المشاعر في ظروف غامضة
- القلوب أصبحت افتراضية وبعيدة عن الواقع.. والحب الحقيقي مهدد بالانقراض
- السوشيال ميديا تصنع العلاقات العابرة في عصر المظاهر الكاذبة
- عيد الحب فرصة قوية للعودة إلى جوهر العلاقات الإنسانية
ظل عيد الحب الذي يأتي كل عام في الرابع عشر من فبراير مناسبة سارة تُسعد القلوب للاحتفال بالمشاعر الصادقة والتعبير عن الحب بكل معانيه الجميلة ، لكن مع مرور الوقت، فقد هذا اليوم الكثير من معناه الحقيقي، وأصبح مجرد عادة يتبعها البعض دون إحساس عميق بها.
في الماضي، كان الحب يقوم على المشاعر الصادقة والاهتمام الحقيقي، وكان التعبير عنه نابعًا من القلب دون انتظار مناسبة محددة.
أما اليوم، فقد تحولت الاحتفالات بعيد الحب إلى مجرد طقوس شكلية، حيث يشعر البعض بأنه ملزم بشراء هدية أو تقديم لفتة رمزية فقط لمجاراة الآخرين، دون أن يكون ذلك تعبيرًا حقيقيًا عن المشاعر.
وبذلك، أصبح هذا اليوم بالنسبة لكثيرين مجرد تقليد اجتماعي أكثر منه مناسبة حقيقية للاحتفال بالحب الصادق.
وللحق فإنه لم يعد حب اليوم مثل حب الماضي، حيث كانت العواطف تظهر في أبسط الأفعال، نظرة عين، لمسة يد، كلمات صادقة، وغيرها من أشكال التعبير التي كانت تحمل معنى وعمقًا، في الوقت الراهن، ومع تسارع الحياة وضغوطاتها، بات الحب يُقاس بمقدار المال والهدايا الفاخرة، وليس بمقدار المواقف الصادقة والتضحيات التي تجعل الحب يكبر ويزدهر، فالناس يعيشون اليوم في عالم مليء بالمشغوليات والضغوطات اليومية، ومع ذلك أصبحنا نعبر عن حبنا من خلال رسائل قصيرة أو هدايا نشتريها في الساعات الأخيرة من اليوم، دون أن نشعر حقًا بالمعنى الحقيقي للعلاقة، والسبب في ذلك هو أن الاهتمام بالأشياء المادية بات في صدارة أولويات الكثيرين، بينما طغت مشاعر الانشغال والرتابة على الأوقات المخصصة للأحبة.
إنني أعتقد بل على يقين بأن عيد الحب تحول إلى مناسبة تجارية بامتياز، ومع تزايد العروض والتخفيضات التي تعرضها المحال التجارية في هذا اليوم، أصبح حبنا مرهونًا بالمال، وهذا يطرح تساؤلاً مهمًا: هل يعكس هذا حقًا المشاعر الصادقة بين الأحبة أم أن الحب في هذا الزمان أصبح مجرد "مظاهر" تُشترى وتُباع؟ فالكثير من الناس يقضون يوم عيد الحب في البحث عن الهدية المثالية، بدلاً من التفاعل الحقيقي مع شريك الحياة.
هذه الظاهرة قد أضرت بالحب بشكل عميق، فبدلًا من أن تكون هذه الأيام فرصة للتقارب العاطفي بين الأحبة، أصبحت تذكيرًا بما افتقدناه في علاقاتنا من عمق ومشاعر حقيقية، الحب أصبح يتلاشى في ظل زخارف المظاهر ونجاح الخطط التجارية، لن نكون بحاجة إلى هدية فاخرة لنعبر عن حبنا، فقد يكتفي العاشق بابتسامة أو كلمة طيبة تحمل الكثير من المعاني، وقد يبدو الأمر صعبًا، ولكن لا بد لنا من العودة إلى الأصل، الحب هو أسمى شعور يمكن أن يختبره الإنسان، ويتجلى في أفعال صادقة ومشاعر حقيقية، من أجل إعادة الروح إلى الحب في هذا الزمان، علينا أن نتوقف عن ملاحقة المظاهر والمال، ونعطي الأولوية للأوقات الجميلة التي نعيشها مع من نحب، علينا أن نستعيد القيمة الحقيقية للحب، لا أن نجعلها محصورة في يوم واحد في السنة، لنعود إلى تقديم الهدايا المعنوية، مثل الكلمات الطيبة، والاهتمام بأدق التفاصيل الصغيرة التي تجعل القلب يشعر بالراحة، لنشعر بالأمان العاطفي في علاقة حقيقية لا تعتمد على التقويم أو الهدايا التجارية، فقط حينها سنعيد للحب بريقه القديم ونحفظه من الضياع في زحام الحياة، وللحق أتمنى ونحن مازلنا نحتفل بعيد الحب أن نمنح أنفسنا وقتا لأن نحب وأن نهيئ للمشاعر الصادقة المناخ الصحي لأن تنتشر بيننا بشكل طبيعي.
فإنني أرى ضرورة أن يبادر كل منا بالبحث بداخله عن مصدر حقيقي لهذا الحب الذي أعنيه وأن يفتح لنفسه طاقة نور ليتسرب من خلالها الحب إلى داخل أعماقه، فنحن وكما يقول الفلاسفة نجذب ما نفكر به ونستشعره بإيجابية كأنه يحدث ونتخيله ونضعه في الفعل، فإذا أردنا أن نجذب الحب وتوأم الروح وجب علينا التركيز على مشاعرنا وحالتنا كأننا بالفعل نستقبل هذا الحب، من خلال الأفعال والنيات والمشاعر، وأن نطلق العنان للرغبات والآمال لتحديد هذا الشخص أو ذاك وكل ما نبغي الحصول عليه من تجربة الحب، بالإضافة إلى استشعار الأحاسيس التي نريد أن نتلقاها والتعبير عنها خلال هذه التجربة، ونهيئ لأنفسنا مناخاً صحياً مليئا بالحب ونشعر بكل المشاعر والأحاسيس التي نحتاجها من لحظات الانسجام والارتباط، والثقة ، والأمان، والسعادة.
وبهذه الطريقة فإننا نستطيع أن نترك العنان لرغباتنا في تحديد المشاعر التي نريد أن نحصل عليها ونركز على صفات الشخص الذي نستدعيه في ذاكرتنا وهو على هذا النحو من مشاعر الحب، ونتحرر من كافة العقبات التي تحول بيننا وبين الوصول إلى هذا الشكل من أشكال الحب الذي نتمناه لأنفسنا ولمن حولنا أيضاً، فلا تبخلوا على أنفسكم بهذه السعادة ولا تكونوا أنتم العقبة في الحصول على هذا الحب بالتركيز على حالة الفقدان، ولكن بالتركيز على الرغبة في حقنا في الحب، وبذلك نكون نعلن للعالم أجمع أننا نستحق هذا الإحساس الرائع ونبدأ بالحياة في روعته بدلاً من التذمر من عدم وجوده.
وبذلك فإننا نستطيع أن ندرك أهمية الحب وبالتالي يدرك هو احتياجنا له، ومما سبق نضع أيدينا على مسألة في غاية الأهمية هي أن الحب لم يكن مجرد نوع من الترف أو حالة من حالات الرفاهية في حياة الإنسان فهو يمثل المصدر الأساسي للأمن النفسي وبالطبع حينما يكون حباً حقيقياً ونابعاً من القلب فإنه يصبح المصدر الأساسي للسعادة، والسبيل الرئيسي إلى غاية الإنسان ورغبته الحقيقية في تحقيق التوازن النفسي .
في النهاية، يظل الحب جوهر الحياة وأساس العلاقات الإنسانية، ولكننا نعيش اليوم في زمنٍ أصبحت فيه مظاهر الاحتفال بعيد الحب أكثر أهمية من معانيه الحقيقية، قد تكون الهدايا والمفاجآت الجميلة جزءًا من تعبيرنا عن مشاعرنا، لكن الحب الحقيقي لا يُقاس بما نمنحه من أشياء مادية بل بما نقدمه من اهتمام، وفهم، وصبر في عالم مليء بالضغوط والتحديات، علينا أن نستعيد معنى الحب الصادق ونزرع قيمه في قلوبنا بعيدا عن الزيف والظروف العابرة، فلنحافظ على جوهر الحب الحقيقي، لأنه هو من يعطي الحياة طعماً ومعنى ، ويبقى عيد الحب ذكرى جميلة واحتفالًا مميزًا، لكن من الضروري أن نعي أنه لا ينبغي أن نختصر الحب في مجرد يوم واحد أو هدية، بل يجب أن يكون العطاء والمشاعر السامية جزءًا من كل يوم نعيشه، فالحب لا يموت بل يتغير مع تغير الظروف، وعلى كل واحد منا أن يحاول الحفاظ عليه في قلبه وفي علاقاته الحقيقية.
