الإثنين 17 يونيو 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

القيم الإنسانية فوق كل شىء

الكاتب والإعلامى
الكاتب والإعلامى محمد فودة - صورة أرشفية

- حياة الإنسان بدون حب حقيقى لا تساوى شيئا

 المشاعر النبيلة هى التى تمنحنا القدرة على الصمود والتحدى فى مواجهة القبح

- النفس البشرية أمارة بالسوء.. والطمع كلمة السر فى "شقاء" البشر

- "الرضا" مفتاح السعادة.. و"القناعة" سبب راحة البال

حينما أكتب عن العواطف والمشاعر الإنسانية لن أسلم من تلك الجروح الغائرة التى سيتعرض لها القلب، فالكتابة فى العلاقات الإنسانية أشبه بالإمساك بوردة بلدى تفوح منها رائحة جميلة تسلب العقول والقلوب وتؤجج المشاعر ولكنها فى نفس الوقت تدمى الأيدى التى تمسك بها فتسيل الدماء من حدة الأشواك التى تحيط بتلك الورود رائعة المنظر وفاتنة الروائح، وأنا أتذكر تلك المواقف التى تتسم بالغدر والخسة التى لا يمكن بأى حال من الأحوال ألا نكون قد مررنا بها فى حياتنا فمهما كانت مواقفنا نبيلة تجاه البعض ومهما ساعدنا الآخرين بكل ما أوتينا من قوة وعن طيب خاطر، فإن النفس البشرية تفعل فعلتها الدنيئة وتترك فى النفوس ما يجرحنا ويتسبب فى إيذائنا إنسانياً وهذا بالطبع ليس غريباً على النفس البشرية التى أجهدت المفكرين على مر العصور والأزمنة، فالنفس البشرية تجنح دائماً لفعل كل ما هو غير متوقع فتكون النتيجة تصرفات غير سوية وبالتالى يترتب عليها ذكريات مؤلمة تظل بالطبع عالقة فى وجداننا وأفئدتنا.

وللحق فإن هذا الأمر يدفعنى لأن أتساءل: ما الذى أفسد حياتنا على هذا النحو المثير للشجن؟ هل الدنيا هى التى تغيرت والزمن تبدل، أم أن العيب فى أننا لم نعد نترك المساحة الكافية لأن ينمو بداخلنا الحب الحقيقى وأن تتنفس المشاعر النبيلة وتأخذ ما تستحقه من مكانة مرموقة بيننا فى تعاملاتنا اليومية؟!  فالمشاعر النبيلة فى حقيقة الأمر هى التى تهيئ لنا المناخ الصحى لأن تسود بيننا مشاعر الحب وهى التى تمنحنا أيضاً القدرة على الصمود والتحدى فى مواجهة كل هذا العبث الذى تكتظ به مواقع السوشيال ميديا ، تلك المواقع سيئة السمعة التى تحجرت بسببها العلاقات الإنسانية ليس هذا فحسب بل تحولت إلى عبء نفسى على أصحاب القلوب البيضاء وأهل الضمائر النقية، وهو ما يدفعنى لأن أكون على قناعة تامة بأن أصحاب القلوب البيضاء هم الأقدر دائماً على صنع المعجزات فى مواجهة كافة أشكال الحقد والغل والكراهية ، فمن يعرف الحب لا يعرف أساليب اللف والدوران ومن يتذوق الجمال لن يدع أية ثغرة لأصحاب المصالح ليدخلوا منها فى حياتنا فيفسدوها، وإننى أرى أنه بعيداً عن كل هذا وذلك يظل الحب و"الرضا" هو سر احتفاظنا بالثبات الانفعالى بل هو المفتاح "الماستر" الذى يمكننا من خلاله فتح كافة الأبواب التى تمنحنا القدرة على دخول عالم السعادة، نعم المشاعر الإنسانية والرضا فى تقديرى هو سبيلنا الوحيد لتحقيق كل ما هو جميل فى حياتنا بل هو كل حياتنا الجميلة والراقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولكن للأسف الشديد نجد على الجانب الآخر من حياتنا تلك التلال الممتلئة بكافة أشكال الجحود ونكران الجميل وهو أمر يمكن أن يمر دون أن يترك بداخلنا آية آثار سلبية ولكنه وللأسف الشديد يبعث فى نفوسنا الشعور بالحزن والألم خاصة حينما يكون الجحود ونكران الجميل صادرين عن أشخاص لم نتوقع منهم هذا الأمر، وقد يرى البعض أننى أتحدث عن أشياء غريبة لم يعد لها وجود الآن وهى الإنسانية والحب والتسامح والقناعة والرضا بما قسمه لنا الخالق جل شأنه ولكنى كنت ومازلت بل وسأظل على يقين تام بأن تلك الصفات النبيلة أبداً لن تختفى ولن تغيب عن حياتنا طالما نحمل بين ضلوعنا قلوباً تنبض بالحب ولدينا إرادة قوية وعزيمة لا تلين ورغبة حقيقية فى أن نفسح المجال أمام مشاعرنا الصادقة والحقيقية لأن تكبر وتنمو وتتزايد وتحتل المساحات الأكبر فى حياتنا، فالخير هو طبيعة الأشياء ونحن من نغير مفهوم الخير ونحوله إلى أشياء أخرى وذلك حينما نتمادى فى إغراق أنفسنا داخل مفردات بعيدة كل البعد عن العقل والمنطق.

واننى أتساءل على الدوام: لماذا لا نقتدى بالخيرين، ولماذا لا ننظر إلى الناس القدوة فى حياتنا؟ وهذا يدفعنى للحديث عن مسألة فى غاية الأهمية هى "القدوة" التى تتمثل فى الشخص والمثال الأعلى الذى يُقتدى به والنموذج المثالى فى تصرّفاته وأفعاله وسلوكه، بحيث يُطابق قوله عمله ويُصدّقه، ويكون القدوة بالنسبة لأتباعه مثالاً سامياً وراقياً، فيعملون على تقليده وتطبيق نهجه والحذو حذوه، وينبع تقليدهم إياه من الإرادة والقناعة الشخصيّة للمقتدى، لا بالضغط الخارجى أو الإلزام من جهة القدوة بذلك، والهدف من اتباع القدوة الرقى لأعلى مستوى من الأخلاق والتعامل والعلم، وقد حدد الخبراء والباحثون صفات الشخصية القدوة بالعديد من الصفات والسلوكيات التى تجعل من الشخص قدوةً للآخرين بشكل عام، وهذه الصفات تتمثل فى تقديم الدعم اللازم، فالشخصية القدوة تقدم يد العون للأشخاص من حولها حتّى مع انعدام القدرة على تقديم الشيء المحدد الذى يحتاجونه، فالدعم المعنوى فى هذه الحالات يكون كافيا، ومن الصفات أيضاً احترام آراء الآخرين: فالشخصية القدوة تحترم آراء الآخرين سواء كانت مؤيدة لها أو معارضة فكل إنسان له الحق فى إبداء رأيه كما يمكن تعلّم أشياء جديدة من تلك الآراء أو رؤية موقف معين من زاوية مختلفة، وأيضا من بين تلك الصفات إظهار الحكمة والنضج، فالحق يقال لا توجد مشكلة فى أن يتصرف الشخص بشكل طفولى من حين لآخر، إلا أن هناك أوقاتاً يجب أن يثبت فيها الإنسان وعيه ونضجه، ويجب أن يتمكن من التعامل مع المواقف الصعبة كالمشاكل الأسرية، والمنافسة فى مجال العمل وغيرها، أما الصدق فهو من أهم وأبرز تلك الصفات، فالشخصية القدوة صادقة دائماً فرغم أنّ الحقيقة تؤذى مشاعر الآخرين أحياناً، فإن الكذب يظل الأسوأ على الإطلاق فالناس تتجنب الشخص الكاذب ولا تثق به، وهناك أيضاً صفة مهمة تتمثل فى الابتعاد عن الشائعات لأن نقل الكلام بين الأشخاص ونشر الشائعات يعد واحدا من أسوأ الأمور التى يمكن أن يقوم بها أى شخص فهو يزيد من المشاكل والمتاعب وهنا يمكننى القول إن هذه الأمور جميعها تجعل الشخصية قدوة للآخرين بالفعل.

نحن بحاجة حقيقية إلى قليل من الدفء يوقظ بداخلنا الحب ويعيد إحياءه، الحب لم يعد أغنية أو كلمة عابرة نعيشها وننتعش ثم نتوه وراء المادة والمال والجمود، الحب حياة وصيرورة واستمرار ودماء تتدفق فى قلوب لا تعرف الشيخوخة، فليتنا نهيئ المناخ الصحى بداخلنا للمشاعر النبيلة والأحاسيس الصادقة وأن نتخذ من الحب دستوراً نهتدى به، فلا شيء يعادل الإحساس بنعمة الهدوء النفسى، خاصة بعد أن تحول الوفاء والإخلاص إلى عملة نادرة، صحيح هذه هى سنة الحياة التى تركت الحقد والغل والكراهية تملأ القلوب، ولكن لو اتخذنا قراراً بإعلان الحرب على "الحزن" لتغيرت حياتنا بالكامل وأصبحنا بالفعل نتنفس حباً مع من نحبهم بإخلاص فى هذه الحياة، وللحق مازلت أؤكد على مسألة فى غاية الأهمية مازلت أذكرها وأتذكرها دائما هى أن الموت هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى هذه الحياة.. علينا أن نتصالح مع أنفسنا وأن نكون أكثر تسامحاً مع الجميع.

 

تم نسخ الرابط