◄ عشت تجربة مريرة وصعبة بعد فقدان نبع الحنان ومصدر قوتى فى مواجهة أنواء الحياة. ◄ دائما أقول عن

جريدة الشورى,اخبار مصر,اخبار مصرية,اخبار الرياضة,اخبار الفن,اخبار الحوادث,اخبار الصحة,مراة ومنوعات,حظك اليوم,اخبار الاقتصاد,رياضة,عملات,بنوك,الرئاسة

الأربعاء 24 أبريل 2024 - 22:10
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
محمد فودة يكتب :

«وجع الفراق» يعتصر القلوب تلقيت خبر وفاة شقيقتى الكبرى كالصاعقة التى زلزلت كيانى وهزت مشاعرى

الكاتب محمد فودة - صورة أرشفية  الشورى
الكاتب محمد فودة - صورة أرشفية


عشت تجربة مريرة وصعبة بعد فقدان نبع الحنان ومصدر قوتى فى مواجهة أنواء الحياة.

دائما أقول عندما أتعرض للشدائد "قدر الله وما شاء فعل" فنحن لا نستطيع الهروب من أقدارنا التى كتبها لنا الخالق جل شأنه.

كلنا راحلون ولا يبقى لنا سوى السيرة الطيبة والمواقف الإنسانية التى لا تعرف معانى الحقد والغل والكراهية.

الحديث عن الموت لا يعنى أن نفقد الأمل ونغرق أنفسنا فى التشاؤم بل علينا أن نستمتع بالحياة ونعيش فى عبادة الله والتقرب إليه .

فرق شاسع وكبير جداً بين أن تقرأ أو تسمع خبراً عن الموت والفراق وأن تعيش بنفسك تلك اللحظات الصعبة والقاسية التى تترتب على هذا الموت وذاك الفراق، فهى لحظات وإن اختلفت فى أشكالها إلا أنها فى نهاية الأمر تشكل صورة قاتمة تكسوها مرارة الفراق والإحساس بكسر القلب من شدة التأثر بفقد عزيز وغالٍ أو برحيل أقرب الناس وأحبهم إلى قلوبنا.

فقد عشت منذ بضعة أيام تجربة مريرة وصعبة وقاسية على قلبى حينما رحلت عن دنيانا شقيقتى الكبرى التى يشهد لله أنها لم تكن بالنسبة لى مجرد "شقيقة " كبرى تربط بينى وبينها صلة الدم بل كانت وبكل ما تحمله الكلمة من معنى هى الأم والأخت معاً، فقد كانت -رحمها لله - تحمل بين ضلوعها قلبا اجتمعت فيه أحلى صفات فى الدنيا وهى حنان الأم وطيبة قلب الأخت، فتحولت مع مرور الأيام إلى مصدر مهم من المصادر التى تمنحنى القوة والقدرة على مواجهة أنواء الحياة.. فكما هو معروف أن العلاقة التى تجمع بين الأشقاء تعد بكل تأكيد علاقة من أنبل وأرقى العلاقات الإنسانية وأعظمها على الإطلاق حيث تأتى فى المرتبة الثانية بعد العلاقة التى تربط الشخص بوالديه، فالأشقاء تربطنا بهم صلة الدم التى تفرض الكثير والكثير من المعانى النبيلة والجميلة بداخل كل منا.. ويمكننا أن نلمس هذا الأمر وبشكل لافت للنظر فى تلك العلاقة التى جمعت سيدنا موسى -عليه السلام -بشقيقه هارون فحينما أمره  المولى عز وجل بأن يذهب إلى فرعون ليواجهه بظلمه وجبروته ويدعوه لعبادة الخالق جل شأنه فإنه لم يطلب منه سوى أن يسمح له بأن يصطحب معه أخاه هارون الذى كان يتمتع بقدرة على الإقناع حتى يسانده فى هذه المهمة المقدسة وذلك فى إشارة قوية إلى أهمية وجود الأخ إلى جوار إخوته فى رحلة الحياة المليئة بالصعاب والمآسى .

وبالطبع فإن ما ينطبق على علاقتنا بالأخ ينطبق تماماً على العلاقة التى تربطنا بالأخت بل أرى أنها قد تفوق فى حبها وحنانها ما يصدر عن الأشقاء الرجال.. والحق يقال فإن هذا هو ما عشت تفاصيله فى أعقاب رحيل شقيقتى التى كانت كما أشرت من قبل هى بمثابة الأم والأخت فقد كانت شقيقتى سبباً رئيسياً فى أننى لم أشعر بوفاة والدتى -رحمها لله -إلا بعد رحيل شقيقتى الغالية التى يشهد لله أنها بقدرتها على العطاء سدت فراغاً كبيرا بعد رحيل والدتى بل إنها كانت فى كثير من الأحيان مثل بئر الحب والحنان التى كلما اغترفت منها ازدادت وامتلأت عن آخرها دون أن تبدى أى ضيق أو ضجر لدرجة أنها كانت تجعلنى فى حيرة من أمرى فمن أين تأتى بكل هذا العطاء الذى تمنحه للمحيطين بها كل حسب مساحته داخل قلبها دون أن تجور على حق أحد من هذا الحب والحنان، فقد كانت -رحمها لله - وكأنها قلب أبيض يسير على قدمين ليس هذا فحسب بل إنها كانت تقسو فى كثير من الأحيان على نفسها من أجل إرضاء أسرتها بالكامل فتحتويهم وتحنو عليهم وتمنحهم مشاعر الأمومة والأخوة التى تنصهر فى بوتقة العطاء المتجدد بلا حدود لنجد أنفسنا فى النهاية أمام حقيقة مؤكدة هى أن لله قد منَّ عليها بفضل من عنده يتجسد دائماً فى كل هذا العطاء .

أعلم أن الموت حق فقد كتبه لله على سائر البشرية وأعلم أنه لا راد لقضاء لله ولكن أعلم علم اليقين أن لله رحمته وسعت كل شيء وهو ما يدفعنى الآن لأن أرفع أكف الضراعة سائلا المولى عز وجل أن يغفر لها ويرحمها ويجعل قبرها روضة من رياض الجنة وينزلها جنة الفردوس قدر عطائها ووفائها لنا جميعاً وقدر ما كان يحمله قلبها النقى من سماحة وطيبة حيث لم تكن تحمل فى قلبها أى ضغينة لأحد .

وعلى الرغم من إيمانى التام بأننا لا نملك لأنفسنا شيئاً فإننى لا أقول إلا ما علمنا إياه ديننا الحنيف وحثنا عليه  سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام- بأن نقول ونحن نواجه مثل هذا المصاب الأليم: قدر لله وما شاء فعل، لأننا لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نهرب من أقدارنا التى كتبها لنا الخالق جل شأنه.

والحديث عن الموت على هذا النحو لا يعنى أن نفقد الأمل ونغرق أنفسنا فى التشاؤم فالحياة مليئة بالأشياء الجميلة وبالأحداث الرائعة.. فهذه الحياة ما يجب أن ندعها تمر وتتبخر من بين أيدينا دون أن نستمتع بها ونعيشها بالكامل مع من نحب قدر استطاعتنا فالحياة بالنسبة لنا فريضة فرضها علينا الخالق جل شأنه وعلينا أن نعيشها ونحياها فى عبادته والتقرب إليه مع الالتزام بأوامره والنهى عما نهانا عنه.

وبالطبع فإن صلة الرحم من أبرز ما أمرنا به ديننا الحنيف وهو ما يجب علينا ألا ندع الحياة تخطفنا بعيداً عن أحبائنا وأهلنا ومن تربطنا بهم صلة رحم فالحياة تمر بشكل سريع وتنتهى فى "غمضة عين" فلا نفيق منها إلا على فاجعة ومصاب أليم فى فقد عزيز وغالٍ علينا.. وهنا فإننى أتعجب من تلك النوعية من الناس الذين يقضون حياتهم فى الصراعات والحروب والمشاكل من أجل تحقيق أشياء زائفة وزائلة فكلنا راحلون ولا يبقى لنا سوى السيرة الطيبة والمواقف الإنسانية التى لا تعرف معانى الحقد والغل والكراهية التى تفشت بين الناس وأنستهم الحقيقة المؤكدة وهى أن الجميع إلى زوال وأن لحظة الموت لا تأتى حسب ترتيب مسبق ولا موعد محدد، فمهما كتبت ومهما استرسلت فى التعبير فإننى لا يمكن بأى حال من الأحوال أن أصف تلك اللحظات التى عشتها وقت سماعى خبر وفاة شقيقتى فكأن لله قد اختزل بداخلى كل سنوات عمرى فى تلك اللحظة وكأن الزمن توقف أمام حالة الفراق التى نزلت فوقى مثل الصاعقة فزلزلت كيانى وهزت مشاعرى وجعلتنى أتجرع هذا الكم الهائل من الحزن واليتم على هذا النحو شديد القسوة الذى يفوق قدرتى على التحمل، فلم يخفف عنى وطأة حالة الحزن التى تملكتنى بسبب فراق شقيقتى الغالية إلا كل هذا الحب والمشاعر الفياضة التى أحاطنى بها أصدقائى وأحبائى وأهلى الكرام من عائلات زفتى وقراها ونحن نقوم بتشييع جثمانها إلى مثواها الأخير فى مقابر الأسرة بزفتى.

وختاماً فإننى أقول لها: إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا شقيقتى الغالية ويا أحب إنسانة إلى قلبى لمحزونون.. ولا أقول أيضاً إلا ما يرضى ربنا سبحانه وتعالى فى مثل هذا الموقف الصعب: "إن للـه ما أخذ وله ما أعطى".