لم يكن معرض تراثنا الذى نظمته الدولة تحت رعاية وتشريف السيد الرئيس بالحضور والافتتاح مجرد معرض عادى ضمن الم

جريدة الشورى,اخبار مصر,اخبار مصرية,اخبار الرياضة,اخبار الفن,اخبار الحوادث,اخبار الصحة,مراة ومنوعات,حظك اليوم,اخبار الاقتصاد,رياضة,عملات,بنوك,الرئاسة

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة

خالد الطوخى يكتب : « فخر مصر» الحرف التراثية.. شاهد عيان على تنوع الحضارة المصرية

خالد الطوخى - صورة أرشفية  الشورى
خالد الطوخى - صورة أرشفية


لم يكن معرض تراثنا الذى نظمته الدولة تحت رعاية وتشريف السيد الرئيس بالحضور والافتتاح مجرد معرض عادى ضمن المعارض الكثيرة والمتنوعة التى تنظمها الدولة فى العديد من المجالات وإنما هو فى تقديرى يمثل حالة خاصة جداً بل حالة شديدة الخصوصية لما تمثله الحرف التقليدية من قيمة كبيرة جدًا بالنسبة لنا.

فعلى مر تاريخها العظيم امتلكت مصر رصيدًا فريدًا من الحرف والفنون اليدوية التى بلورت ثقافة هذا الشعب العريق ورسمت هويته وميزت شخصيته وهذا أمر لا يخفى على أحد بل يعد من أهم ما يميز المجتمع المصرى فقد اكتسبت هذه الفنون والحرف تنوعها وجمالها من عمق تمازج الحضارات الفرعونية والقبطية والإسلامية فى هذه الأرض الطيبة، فخرجت منها العشرات من الصناعات الحرفية واليدوية التى انفرد بها أبناء هذه الأرض لتبهر العالم بتنوعها وجمالها وصعوبة تصنيعها .

ومع تطور الحياة واختلافها على مر العصور أصبحت كل محافظة أو مدينة فى مصر تمتلك فنا وحرفة يدوية تناقلها التراث بين الأجداد والأحفاد وهنا يكمن السبب الرئيسى فى اهتمام الدولة ورعاية السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى لمعرض تراثنا حيث يستهدف فى المقام الأول مساندة هذه الفنون والصناعات الحرفية النادرة وتشجيع صانعيها ودعم المشروعات المرتبطة بها وأيضاً من أجل عرض منتجاتها الفاخرة على المصريين والعالم حيث يسهم هذا المعرض وبشكل كبير فى فتح آفاق أوسع للانتشار والتطور فى هذه الحرف التراثية وبالتالى يتم المحافظة على هذه الصناعات الهامة من الاندثار من خلال تشجيع أجيال الشباب على تعلم هذه الحرف اليدوية وإتقانها وإقامة مشروعات صغيرة وبالتالى يتم توفير فرص عمل متنوعة لهم ولغيرهم.

كما يتيح معرض تراثنا فرصة نادرة لأصحاب الذوق الرفيع ومحبى هذه الفنون اليدوية الراقية لمشاهدة الإبداع الحرفى المصرى فى كل مجالاته وامتلاك قطع فنية رفيعة المستوى من حيث الجودة وبأسعار تنافسية.

والحق يقال فإن هذا المعرض يتطلب دعم ومساندة الجميع لما يمثله من أهمية وقيمة مضافة فى هذا المجال الحيوى الهام حيث يتمثل الهدف من إقامته وكما هو مبين فى الإطار العام للمعرض أنه يسعى فى المقام الأول لإحياء الحرف التراثية ومساعدة صغار مُصنعى الحرف التراثية واليدوية عن طريق فتح منافذ لتسويق منتجاتهم وذلك للحفاظ على العمالة الفنية فى هذا المجال والعمل على زيادتها.

وهناك مسألة فى غاية الأهمية فى هذا الصدد تتمثل فى أن اهتمام جهاز تنمية المشروعات بقطاع الحرف التراثية واليدوية المصرية يترجم وبشكل عملى أنه بالفعل من أهم القطاعات التى تستطيع إحداث طفرة فى الاقتصاد المصرى خلال فترة وجيزة وذلك للعديد من الأسباب أبرزها على الإطلاق أن مصر تتمتع بميزة تنافسية على مستوى العالم فى هذا المجال خاصة فى مجال التحف الفرعونية والإسلامية والقبطية، كما يعد هذا القطاع من القطاعات كثيفة العمالة التى تستطيع أن تستوعب أعداداً كبيرة من الشباب مما يؤدى إلى تقليص حجم البطالة فضلًا عن ذلك فإن هذا القطاع لا يحتاج إلى استثمارات ضخمة مقارنة بالقطاعات الأخرى مثل الصناعات الثقيلة وغيرها.

والحديث عن معرض تراثنا يدفعنى للحديث عن الحرف اليدوية والصناعات التقليدية بصفة عامة حيث تحتل مساحة واسعة من التراث المصرى يعتمد فيها الصانع على مهاراته الفردية الذهنية واليدوية، باستخدام الخامات الأولية المتوفرة فى البيئة الطبيعية المحلية أو الخامات الأولية المستوردة.

وكما قلت من قبل فإن مصر على مر العصور تتميز بما تمتلكه من حرف تراثية وتنعكس أهمية هذه الحرف والصناعات اليدوية فى أنها تدل على جوانب الهوية الوطنية للدولة المنتجة للحرف والصناعات اليدوية، ويمكن أن تحقق مصر مكاسب مادية رائعة من اهتمامها وتدعيمها للحرف اليدوية، حيث إن حجم التجارة العالمية للحرف اليدوية والتقليدية يفوق ‏100‏ مليار دولار.

وهذا الأمر ليس قاصراً على مصر وحسب بل إن كثيرا من البلاد قد أدركت أهمية استثمار تراثها الحرفى، فعملت على إقامة آلاف الورش والمصانع، وبالتالى إلى خلق مئات الألوف وربما الملايين من فرص العمل لشبابها وإلى فتح أسواق لتصريف منتجاتها فى كل مكان، ما جعلها تتحول من دول فقيرة، أو دول مستهلكة لما ينتجه غيرها من أزياء وأثاث ومفروشات وأدوات منزلية وكافة احتياجات الحياة اليومية، إلى دول غنية من عائد تصدير منتجاتها الغزيرة من الحرف اليدوية لمختلف أنحاء العالم، إضافة إلى تعميقها للبعد الثقافى كدول ذات إرث حضارى يجعلها تقف باعتداد أمام الدول المتقدمة فى عصر العولمة، بلا ميزة تنافسية غير إبداعها الشعبى‏.‏

وفيما يخص مصر على وجه الخصوص كانت الحرف التقليدية بمثابة الصناعة الوطنية الثقيلة فى مصر، حيث كانت تشكل القوة الإنتاجية الثانية بعد الزراعة، وكان إنتاجها يلبى احتياجات المواطنين من الملبس والمعمار وما يضعه من فنون الزخارف الحجرية والخشبية والخزفية والزجاجية، ومن أعمال التطعيم بالعظام والمشغولات النحاسية والفضية والمنسوجات الحريرية والصوفية وأشغال التطريز والخيامية، وعشرات الحرف الأخرى، هذا إلى جانب المنتجات التى يتم تصديرها إلى البلدان الأخرى من كافة الحرف المتوارثة، وكان لتلك القاعدة الصناعية أحياء بكاملها يعيش فيها الحرفيون تحت نظام دقيق هو نظام الطوائف الحرفية، وهذا النظام له قواعده وأصوله وأربابه وشيوخه، غير أن متغيرات الحياة وعوامل التقدم المادى أدت إلى ضعف أغلب الحرف اليدوية التقليدية فى المدينة والقرية، وإلى تعرض بعضها للاندثار، فلم تعد الأوانى الفخارية والنحاسية والفضية المزينة بأدق الوحدات الزخرفية هى ما يحتاجه الإنسان فى عصر الثلاجة والبلاستيك والألومنيوم و"الاستانلس" ولم تعد السجادة الصوفية التى تنسج على مدى أسابيع متصلة فوق النول اليدوى تناسب عصر النسيج الميكانيكى السريع والمبهر بتقنياته وتصميماته.

لذا فقد انتقل الإنسان من مرحلة التصنيع اليدوى إلى التصنيع الآلى تبعاً للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التى اجتاحت العالم وأدت إلى تغيرات عميقة فى سلوكيات وحاجيات الأفراد وأنماط الاستهلاك، ويرجع ذلك إلى أسباب منها القدرات الإنتاجية العالية للآلات أو إدخال التقنيات الحديثة إضافة إلى اكتشاف مواد خام جديدة بديلة واستخدامها كبديل للخامات المحلية فضلاً عن زيادة تفضيل بعض المستهلكين للسلع أو المنتجات المصنعة آلياً، خاصةً إذا صاحب ذلك انخفاض فى سعرها وملاءمتها لخدمة احتياجاته بصورة أفضل.

واللافت للنظر تباين وجهات النظر حول التعامل مع الصناعات اليدوية، فهناك فئة تنظر إليها من منظور التراث وضرورة الإبقاء عليه دون تجديد أو تعديل، وهناك فئة ثانية ترى أن الأكثر صواباً هو إدماج هذه الحرف فى عجلة الصناعة الحديثة وإهمال ما لا يقبل الإدماج إلى أن يندثر تلقائياً.

أما الفئة الثالثة فترى أن الصناعات اليدوية يجب التعامل معها كتراث وطنى تلزم المحافظة عليه وكصناعة توفر فرصاً للعمل سواء فى الإنتاج أو التسويق الذى يجب أن يتلاءم مع رغبات المستهلكين بصفة عامة، ومع رغبات بعض الفئات الأخرى ذات الاهتمام باقتناء المنتجات اليدوية بصفة خاصة كالسائحين وغيرهم.

وهنا تكمن قيمة وأهمية حرص الدولة على رعاية الحرف التقليدية وحمايتها من الاندثار.