الثلاثاء 13 مايو 2025
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

خالد الطوخى يكتب : « قاهرة المستحيل » سعاد كفافى.. كيف ألهمتنى أمى معانى الإرادة والتحدى والنجاح؟

خالد الطوخى - صورة
خالد الطوخى - صورة أرشفية

كانت ترى أن التعليم لا بد أن يحتل المكانة الأكبر والأعلى والأعظم فى حياة الإنسان وفى المجتمع أيضًا.

تحدت الصعاب وحققت ما يعتبره كثيرون معجزات.. ولم تتعامل أبدًا.

أمى هى اختصار لكل معانى الحياة، حياتى أنا بالتحديد، فلولا هى ما كنت أنا، رحلت نعم لكنها ما زالت تنبض فى قلبى، وأيضا حياة الآخرين، فإذا قلت إنها مدرسة حقيقية نشأنا فيها وتعلمنا وتخرجنا فلن يكون فى الأمر مبالغة، هذه حقيقة، فما قدمته لى ولغيرى وللملايين الذين استمدوا منها قبسا مشتعلا بالعلم والأمل والطاقة خير دليل وشاهد.

وضع الله فى أمى غريزة فطرية بأن تتخطى بواجبها الإنسانى بيتها الصغير، ليمتد إلى الجميع، كانت منبع الخير والحب والمودة والعطاء غير المشروط واللا متناهى.

أفتقدك أمى وعظمتك أذكرها الآن وفى كل وقت وكل حين، أذكر ما علمته لى وما زرعته فى داخلى، وأحتاج إلى الكثير والكثير كى أرد الوفاء وهذا الكم الكبير من العطاء والإنجاز، فمهما كبرت ووصلت لأعلى الدرجات فستظلي أنتِ فى أعلى مكانة ليس فقط بصفتك العلمية ولكن بصفتك كإنسانة أضافت كثيرا للإنسانية.

وأصعب لحظات حياتى عندما فقدتك يا أمى، كان وجودك فى الحياة مصدر الأمان والحنان، كان فراقك وجعا لا وجع بعده، فهل يفهم من يقرأون تلك الكلمات الآن ما معنى أن يفقد الإنسان منا مهما كان الصدر الحنون والسند ومصدر الحياة والنجاح نفسه؟

نعم، ربما لا نتكلم كثيرا ولا نتحدث ولك أحيانا يشنق البوح صمتنا، وبدلا من أن ننزف دموعا، تنزف الأعين دما، فعندما تختلط الذكريات وبتسرباتها فى الأعماق تكون الصرخة جللا، ولكن هذه الصراخة تكون فى داخلنا فيكون الألم أكبر وأعمق.

ولا يوجد عزاء بعد الأم، حتى لو وصلنا إلى أعلى المراتب وحققنا ما حققناه، ولكن أظن -والله أعلم- أن عزاء أمى، سعاد كفافى، هو أن يستمر اسمها ويبقى مخلدا إلى الأبد، أما أنا فلا عزاء لى، فهل تندمل جراحات اليتيم؟.. لا والله أبدا، نحن ما زلنا بفراقها نتجرع كأس الألم قطرة وراء قطرة.

فى هذه الأيام تمر ذكراها السادسة عشرة، وهنا تختلط فى قلبى المشاعر، فأنا من ناحية أتحدث عن الأم التى يخصنى منها الكثير، وتعلمت منها الكثير، نظرتى لها مختلفة عن نظرات الآخرين الذين لا يعرفون منها إلا وجهها العملى الذى وقف وراء إنجاز كل ما قدمته للحياة العامة فى مصر.

ومن ناحية ثانية، أتحدث عن الرائدة التى تحدت الصعاب، وحققت ما يعتبره كثيرون معجزات، فقد كان مرهقًا أن تعبر سيدة مصرية فى مجال يحترفه الرجال ويضعون أسسه التى يتحركون بها، ولا يسمحون لأحد بأن يشاركهم فيها، خاصة إذا كانت سيدة.

بدأت الدكتورة سعاد كفافى الدراسة فى جامعة القاهرة، وكان لافتًا فى تجربتها أنها بدأت مسيرتها التعليمية الجامعية بعد أن تزوجت وأنجبت أولادها، كان يمكنها أن تركن إلى البيت والراحة والمسئوليات الاجتماعية، لكنها لم تخن حلمها ولم تتخلَ عنه أبدًا، سارت فى طريقين دون أن تحيد عنهما، ودون أن تقصِّر فى أى منهما، فهى من ناحية سيدة تقدس الحياة الأسرية وتعى جيدًا أن رعاية الأبناء وتنشئتهم على أسس سليمة لا يقل أهمية عن الحصول على أعلى الشهادات وتقلد أرفع المناصب، فلا شيء يعادل بيتا مستقرا، وفى نفس الوقت كانت العملية التعليمية تسيطر عليها بشكل كبير.

هذا السلوك الذى يعكس إصرارًا وتحديًا من الدكتورة سعاد وقف تحديدًا وراء تجربتها التى كانت فريدة ومميزة، فهى لم تتحمل ضغوط المواءمة الكبيرة بين متطلبات جامعتها واحتياجات بيتها فقط، ولكن استطاعت أن تتفوق وتصبح أستاذة جامعية.

من الدروس التى تعلمتها مبكرًا جدًا من الدكتورة سعاد أن التعليم لا بد أن يحتل المكانة الأكبر والأعلى والأعظم فى حياة الإنسان وفى المجتمع أيضًا.

لقد رأيت هذا بنفسى، عندما كنت أراقب كل ما تفعله كى أتعلم منها، لقد كان للتعليم فى عقلها مكانة خاصة، فهو أداة وهدف، ووسيلة وغاية، فيمكن أن يتعلم الناس للتعلم، لكن هذا لا يغنى عن التعلم من أجل المجتمع والحياة.

هذا هو المفتاح الأهم الذى يمكن أن نفهم من خلاله ما الذى قدمته الدكتورة سعاد فى مجال التعليم على وجه التحديد.. فلم تتعامل أبدًا بلغة المكسب، ولم تهتم فى المقام الأول بما تجنيه من أرباح.. فالتعليم ليس سلعة تجارية مجردة، ولكنه كما كانت تقول دائمًا: الطريق الوحيد لنهوض أى أمة.

كانت جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا حلمًا فى عقل وقلب مؤسستها الدكتورة سعاد كفافى، حلمًا كانت له مقدمات كثيرة، لكنه كان درة التاج كما يقولون، ولأنها كما يعرفها الجميع كانت قاهرة المستحيل، مستندة إلى كلمتى السر فى حياتها «الإرادة والتحدى» فقد تحول الحلم على يديها إلى فكرة، ثم اجتهدت لتصيغ الفكرة وتحولها إلى واقع، رغم أنها واجهت صعابا وتحديات ضخمة وفى مقدمتها كيف تقوم سيدة بإنشاء جامعة فى تلك الفترة وسط مشاكل وصعوبات لا حصر لها.

بدأت رحلتها بمعهد لغات، لتتوسع بعد ذلك، وتنطلق إلى معهد عالٍ للسياحة ومعهد عالٍ للهندسة، وعندما تعددت المعاهد، فكرت فى أن تضمها فى كيان واحد، ومن هنا ولدت فكرة جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فى عام 1996.

كان من السهل الإمساك بالفكرة، فقد كان من بين ما تميزت به أنها لا تكف عن نسج الأفكار وربطها ببعضها بعضًا، ولذلك لم تكن فكرة الجامعة الخاصة بعيدة عنها، لكنها نمت تدريجيًا عندما رأت المعاهد التى أنشاتها وباشرت الإشراف عليها تكتمل وتشكل كيانًا كبيرًا.

لكن ولأنه لا شىء سهلًا على إطلاقه، فلا بد من صعوبات تعترض طريق الحالمين بالغد وصناعة المستقبل، وبالرغم من أن فكرة تحويل المعاهد إلى جامعة أمر يبدو سهلًا على المستوى النظرى، فإن صعوبة الفكرة كانت كامنة فى تنفيذها، والخروج بها إلى المجتمع.

لقد حلمت الدكتورة سعاد كفافى بإنشاء كيان تعليمى وتثقيفى تكون مهمته الأساسية خدمة البلد وخدمة شبابه بالأساس.. وهنا يمكننى أن أشير إلى رؤية كانت تمتلكها الدكتورة سعاد، وهى أن كلمة السر لأى أمة تكمن فى شبابها، تتأمل أحوالهم لتعرف كيف توجههم، وتنظر إلى مؤهلاتهم ومعرفتهم لتعرف هل يمكن لهذه الأمة أن تنتصر أم أنها يمكن أن تنهار بسهولة.. كانت تدرك أن كل البدايات الصحيحة لا بد أن تكون من عندهم.. ولذلك ركزت عملها معهم ولهم.

كان السؤال المؤرق لها والذى حاصرت به نفسها، قبل أن يحاصرها به الآخرون هو: كيف يمكن لسيدة أن تفكر فى إنشاء جامعة؟ كيف يمكن لها أن تدخل هذا المجال الذى يتصارع فيه الرجال وتنجح؟.. من يعرفها من بدايات حياتها كان على ثقة أنها ستنجح، لأنها لم تدخل فى أى تجربة إلا وخرجت منها منتصرة وناجحة.

عبرت سعاد كفافى الصعاب جميعًا، نقلت إلى الذين يعملون معها حماسها وطاقتها التى لا تنفد أبدًا، وكانت النتيجة أن أسست كيانًا تعليميًا يختلف عن كل الكيانات الموجودة، فقد قررت ألا تكون جامعتها تكرارًا للجامعات القائمة، فأصبحت لدينا جامعة لها شخصية مميزة، صحيح أن هناك تشابهات مع الجامعات الأخرى فى المناهج وعدد ساعات الدراسة، لأننا فى النهاية نتبع المجلس الأعلى للجامعات، لكن هذا لا ينفى أن لدينا فلسفة مختلفة نعمل من خلالها، وهى التى ضمنت لنا شخصية مميزة بالفعل.. ففى جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا نسعى إلى أن يكون الطالب محبًا لجامعته وليس مجبرًا على ذلك، وقد أسهمت فى إزالة الحواجز بيننا وبين الطلاب فى تحقيق ذلك.

لم تكن الدكتورة سعاد كفافى تبحث عن الربح، بل كان المال هو آخر ما يحركها فى مشروعها الجامعى الرائد، منذ البداية استقرت على أن تكون مصاريف جامعتها هى الأقل بين الجامعات الخاصة، ولن ننسى أبدًا أنها أوصت بألا نقوم بزيادة المصروفات على الطلاب.. بل إننا لا نزال نعمل بوصيتها، حيث نقدم عددًا كبيرًا من المنح التعليمية للطلاب المتفوقين من غير القادرين.

وكانت الدكتورة سعاد فخورة على الدوام بما خلفته من بيئة عمل تتسم بالود مع جميع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والإداريين، وقد كرست نفسها لتزويد الطلاب بالنصائح المعرفية والعون المستمر، وكان شغلها الشاغل تعليم أجيال المستقبل من الإخصائيين والمعلمين والمدربين رفيعى المستوى فى إطار رؤية على درجة فائقة من الحرص والوعى.

كما كانت حريصة على تقديم بيئات تعليمية جديدة ومناهج تدريسية مبتكرة فى كل أطروحاتها التربوية، وكان لدى الراحلة رؤى للكشف عن حلول جذرية للمشكلات والصعوبات فى مجال اهتماماتها، هذا فضلا عن تميزها فى التواصل والاتسام بروح الابتكار والإبداع.

كانت الراحلة العظيمة سعاد كفافى تتمتع بنظرة ثاقبة للأمور وهو ما جعلها ترى المستقبل بعيون طموحة، ففى الوقت الذى كانت مدينة 6 أكتوبر فى نظر الجميع مجرد صحراء منعزلة، والوصول إليها صعبا، كانت هى تراها بعيون مليئة بالأمل، ورسمت فى ذهنها صورة لصرح تعليمى عملاق تم بناؤه بأيادٍ مصرية ويقدم خدماته لطلاب مصر واختارت له اسم جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وأصبحت الجامعة نقطة ضوء، جعلت المنطقة تعج بالحركة، وتنشط، وأتت بالعمالة وأصحاب المحال التجارية وغيرهم، ومن هنا عرف الجميع أن المستقبل سيكون فى مدينة ٦ أكتوبر.

عندما توليت مسئولية رئيس مجلس أمناء الجامعة، استكملت ما بدأته الدكتورة سعاد، أبذل كل ما لدىّ من جهد فى محاولة استكمال الرسالة التى وضعتها المرحومة الدكتورة سعاد كفافى منذ أول يوم، فجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا لم تأخذ الشكل التجارى، والدليل على ذلك أنها أقل المصروفات بين الجامعات الخاصة، وفى آخر اجتماع حضرته الراحلة سعاد كفافى لمجلس الجامعة، كان هناك إصرار من جانبها على عدم رفع المصروفات، مراعاة للطبقة المتوسطة التى تأسست من أجلها الجامعة.

من جانبى أحاول تنفيذ ذلك برغم الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدل التضخم وزيادة الأسعار وظروف الجائحة التى ما زالت تبعاتها تتوالى لتحقيق توازن بين قدرة الطبقة المتوسطة فى مصر وحالة التضخم حتى لا تكون المصروفات عبئًا على المواطن المصرى العادى.

 

تم نسخ الرابط