الخميس 19 يونيو 2025
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

التأمين الصحي الشامل.. حين يصبح الحق في العلاج واقعًا ملموسًا

خالد الطوخى - صورة
خالد الطوخى - صورة أرشيفية

- من حلم مؤجل إلى واقع ملموس: التأمين الصحي الشامل يكتب قصة جديدة للعدالة الصحية

- بطاقة رقم قومي واحدة تكفي: نحو إنهاء معاناة الأوراق والروتين في رحلة العلاج

- الرقمنة في خدمة الإنسان: كيف غيّرت التكنولوجيا مفهوم الرعاية الصحية في مصر؟

- شبكة حماية وطنية: حين تتكاتف مؤسسات الدولة لتوفير الأمان الصحي للمواطنين

- وقاية قبل العلاج: فلسفة جديدة تجعل الصحة أولوية قبل أن يظهر المرض

- من طوابير الانتظار إلى المواطنة الكاملة: التأمين الصحي يعيد كرامة الإنسان

- الطريق واضح والإرادة حاضرة: التأمين الصحي الشامل يمضي نحو المستقبل بثقة

حين نتأمل علاقة الإنسان بوطنه، سنجد أن أكثر ما يشعره بالانتماء الحقيقي هو شعوره بالحماية.

أن يكون مريضًا، ويعلم أن هناك من ينتظر آلامه ليخففها، ومن يراقب مؤشراته الحيوية ليحافظ على استقرارها.

لا أتحدث هنا عن رفاهية أو ترف، بل عن أبسط حقوق البشر، عن الحق في العلاج… عن الأمان الصحي.

لقد كانت مسألة "التأمين الصحي"  تُطرح على استحياء.

إما باعتبارها طموحًا طويل المدى، أو باعتبارها ملفًا معقدًا مليئًا بالبيروقراطية والعقبات.

ومع مرور السنوات، ورغم المحاولات المتكررة، بقي المواطن البسيط في كثير من الأحيان يشعر بأن عليه أن يواجه المرض وحده، أو على الأقل أن يدفع ثمن الشفاء مضاعفًا، ماديًا ونفسيًا.

لكن ثمة شيء مختلف يحدث الآن، شيء يدعو للتأمل وربما – ولأول مرة منذ زمن طويل – يدعو للتفاؤل أيضًا.

خلال متابعتي لمستجدات منظومة التأمين الصحي الشامل، لمستُ أن ما يجري يتجاوز مجرد تطوير إداري أو تقني.

نحن أمام نقلة فلسفية، تعكس رؤية جديدة لعلاقة الدولة بمواطنيها، ولعلاقة المواطن بجسده، وبكرامته، وبحياته ذاتها.

فما معنى أن تُميكن 70% من الخدمات الصحية؟ وما معنى أن يمتلك كل مواطن رقميًا ملفًا صحيًا متكاملًا يُرافقه أينما ذهب داخل حدود الوطن؟ هذه ليست مجرد أرقام أو تطورات فنية، بل هي إشارات على تحول عميق في مفهوم العدالة الصحية.

لقد توقفت طويلًا أمام فكرة أن يتمكن المواطن من دخول أي منشأة صحية تابعة للمنظومة دون الحاجة إلى أوراق، دون أن يحمل ملفًا ورقيًا بين يديه، دون أن يتعرض لعبارات مثل "هات أصل التحاليل" أو "فين الأشعة اللي عملتها من ٣ شهور؟".

فقط بطاقة رقم قومي…لا أكثر. كم من المعاناة يمكن أن تُختصر حين تصبح البيانات في مكان واحد، والقرار الطبي أكثر دقة، والمتابعة أكثر انتظامًا، والضياع أقل؟

إن ما يحدث الآن – ولو بهدوء – هو إعادة صياغة العلاقة بين المواطن والمؤسسة العلاجية. لم يعد الفرد مضطرًا للارتحال بين الجهات الحكومية، أو للوقوف طويلاً في طوابير بلا نهاية، أو للبحث عن "واسطة" تضمن له سريرًا أو موعدًا.

بات النظام يستقبله، يعرف تاريخه المرضي، يوجهه، يُعالجه، ويتابعه. كل ذلك من خلال تكامل ذكي بين الجهات المعنية: الصحة، والتأمينات، والتضامن، والداخلية، وغيرها.

هذه ليست رفاهية، بل هذه هي الدولة حين تقرر أن تضع مواطنيها في مقدمة أولوياتها.

ويؤلمني أن أقول إننا قد اعتدنا كثيرًا أن نتعامل مع المرض باعتباره ضريبة قدرية لا نملك دفعها.

لكن حين يصبح النظام الصحي شفافًا، متكاملًا، دقيقًا، ومتاحًا للجميع، فإننا لا نُخفف فقط من معاناة المرضى، بل نُعيد بناء الثقة المهتزة بين الفرد ومؤسسات الدولة.

وحين يشعر المريض بأن النظام يعرف عنه كل شيء، ويوجه علاجه بناء على تحليل شامل لتاريخه وأعراضه، فإن ذلك يمنحه طمأنينة لا تُقدّر بثمن.

لعل أجمل ما في هذه التجربة، أنها لا تتحدث كثيرًا، بل تكتفي بالفعل.

لا توجد حملات دعائية صاخبة، ولا شعارات مكررة.

فقط خطوات واضحة، متأنية، ومبنية على أسس علمية وتكنولوجية.

والخبر الأهم هنا، أن الهدف ليس فقط معالجة المرضى، بل الوقاية منهم قبل أن يمرضوا.

فمع وجود قاعدة بيانات موحدة ومحدثة باستمرار، يمكن رصد انتشار الأمراض، وتحليل أسبابها، وتحديد مناطق الخطر، والتدخل مبكرًا.

هذه هي الحكمة التي طالما افتقدناها: أن نستبق الخطر بدلًا من أن نُطارد نتائجه.

وعلى الصعيد الإنساني، فإن أكثر ما يلفت النظر في هذا التحول هو الإحساس بأن الدولة صارت "ترى" المواطن.

لم يعد شخصًا مجهولًا في طابور طويل، بل فرد له اسمه، ورقمه القومي، وبياناته الصحية، وتاريخه العلاجي.

لم يعد أحد بحاجة لأن يصرخ من الألم كي يُسمع، أو ليُثبت حاجته للعلاج.

لقد صار النظام أكثر عدالة، وأكثر إنصافًا، وربما – وهذا الأهم – أكثر رحمة.

وبينما ننظر إلى المستقبل، يمكننا أن نتخيل كيف ستكون حياة الناس حين تكتمل هذه المنظومة.

كيف سيكون شعور أبٍ يستطيع أن يُطعم أبناءه دون أن يخشى من تكلفة عملية مفاجئة؟ كيف ستتغير حياة أمٍ مريضة حين تعرف أن علاجها مضمون، ومتابعتها مستمرة، وكرامتها محفوظة؟ كيف سيتنفس الشاب المُرهق من الديون حين يعلم أن ملفه الصحي في مأمن، وأنه ليس بحاجة لاقتراض المال من أجل دواء؟

إنني أؤمن بأن الدول تُقاس أحيانًا بكيفية تعاملها مع مريض ضعيف، قبل أن تُقاس بمدى قوتها العسكرية أو نموها الاقتصادي.

لأن من يُراعي الإنسان في ضعفه، ويُكرمه في مرضه، ويُعامله باحترام حين لا يكون قادرًا حتى على الوقوف، هو فقط من يستحق أن يُسمى دولة.

قد يقول البعض إن أمامنا طريقًا طويلًا حتى نصل إلى نموذج صحي متكامل، وهذا صحيح. لكن الفارق أن الطريق بات مرئيًا، والخطوات تُحتسب، والنتائج تُلمس.

لم يعد التأمين الصحي الشامل شعارًا على لافتة، بل واقعًا يزداد نضجًا يومًا بعد يوم، حتى وإن لم يكن كاملًا بعد.

نعم، ما زالت هناك تحديات، وهناك مناطق تحتاج إلى مزيد من الدعم، وهناك تفاصيل بحاجة إلى تحسين.

لكن الأهم أن هناك إرادة، وهناك عقل يُخطط، وهناك قلوب تُنصت.

ولأننا نعيش في زمن أصبح فيه المستحيل ممكنًا بالتكنولوجيا، فإننا أقرب من أي وقت مضى لأن نجعل "الحق في الصحة" قيمة ثابتة، لا جدال حولها، ولا استثناء فيها.

ختامًا، يبقى الأمل هو ما يدفع هذه المنظومة إلى الأمام، ويبقى اليقين أن مصر حين تُقرر أن تصنع شيئًا لأبنائها… فإنها تفعل، وتصنع، وتنجح.

حين نتأمل علاقة الإنسان بوطنه، سنجد أن أكثر ما يشعره بالانتماء الحقيقي هو شعوره بالحماية.

أن يكون مريضًا، ويعلم أن هناك من ينتظر آلامه ليخففها، ومن يراقب مؤشراته الحيوية ليحافظ على استقرارها.

لا أتحدث هنا عن رفاهية أو ترف، بل عن أبسط حقوق البشر، عن الحق في العلاج… عن الأمان الصحي.

لقد كانت مسألة "التأمين الصحي"  تُطرح على استحياء.

إما باعتبارها طموحًا طويل المدى، أو باعتبارها ملفًا معقدًا مليئًا بالبيروقراطية والعقبات.

ومع مرور السنوات، ورغم المحاولات المتكررة، بقي المواطن البسيط في كثير من الأحيان يشعر بأن عليه أن يواجه المرض وحده، أو على الأقل أن يدفع ثمن الشفاء مضاعفًا، ماديًا ونفسيًا.

لكن ثمة شيء مختلف يحدث الآن، شيء يدعو للتأمل وربما – ولأول مرة منذ زمن طويل – يدعو للتفاؤل أيضًا.

خلال متابعتي لمستجدات منظومة التأمين الصحي الشامل، لمستُ أن ما يجري يتجاوز مجرد تطوير إداري أو تقني.

نحن أمام نقلة فلسفية، تعكس رؤية جديدة لعلاقة الدولة بمواطنيها، ولعلاقة المواطن بجسده، وبكرامته، وبحياته ذاتها.

فما معنى أن تُميكن 70% من الخدمات الصحية؟ وما معنى أن يمتلك كل مواطن رقميًا ملفًا صحيًا متكاملًا يُرافقه أينما ذهب داخل حدود الوطن؟ هذه ليست مجرد أرقام أو تطورات فنية، بل هي إشارات على تحول عميق في مفهوم العدالة الصحية.

لقد توقفت طويلًا أمام فكرة أن يتمكن المواطن من دخول أي منشأة صحية تابعة للمنظومة دون الحاجة إلى أوراق، دون أن يحمل ملفًا ورقيًا بين يديه، دون أن يتعرض لعبارات مثل "هات أصل التحاليل" أو "فين الأشعة اللي عملتها من ٣ شهور؟".

فقط بطاقة رقم قومي… لا أكثر. كم من المعاناة يمكن أن تُختصر حين تصبح البيانات في مكان واحد، والقرار الطبي أكثر دقة، والمتابعة أكثر انتظامًا، والضياع أقل؟

إن ما يحدث الآن – ولو بهدوء – هو إعادة صياغة العلاقة بين المواطن والمؤسسة العلاجية. لم يعد الفرد مضطرًا للارتحال بين الجهات الحكومية، أو للوقوف طويلاً في طوابير بلا نهاية، أو للبحث عن "واسطة" تضمن له سريرًا أو موعدًا.

بات النظام يستقبله، يعرف تاريخه المرضي، يوجهه، يُعالجه، ويتابعه. كل ذلك من خلال تكامل ذكي بين الجهات المعنية: الصحة، والتأمينات، والتضامن، والداخلية، وغيرها.

هذه ليست رفاهية، بل هذه هي الدولة حين تقرر أن تضع مواطنيها في مقدمة أولوياتها.

ويؤلمني أن أقول إننا قد اعتدنا كثيرًا أن نتعامل مع المرض باعتباره ضريبة قدرية لا نملك دفعها.

لكن حين يصبح النظام الصحي شفافًا، متكاملًا، دقيقًا، ومتاحًا للجميع، فإننا لا نُخفف فقط من معاناة المرضى، بل نُعيد بناء الثقة المهتزة بين الفرد ومؤسسات الدولة.

وحين يشعر المريض بأن النظام يعرف عنه كل شيء، ويوجه علاجه بناء على تحليل شامل لتاريخه وأعراضه، فإن ذلك يمنحه طمأنينة لا تُقدّر بثمن.

لعل أجمل ما في هذه التجربة، أنها لا تتحدث كثيرًا، بل تكتفي بالفعل.

لا توجد حملات دعائية صاخبة، ولا شعارات مكررة.

فقط خطوات واضحة، متأنية، ومبنية على أسس علمية وتكنولوجية.

والخبر الأهم هنا، أن الهدف ليس فقط معالجة المرضى، بل الوقاية منهم قبل أن يمرضوا.

فمع وجود قاعدة بيانات موحدة ومحدثة باستمرار، يمكن رصد انتشار الأمراض، وتحليل أسبابها، وتحديد مناطق الخطر، والتدخل مبكرًا.

هذه هي الحكمة التي طالما افتقدناها: أن نستبق الخطر بدلًا من أن نُطارد نتائجه.

وعلى الصعيد الإنساني، فإن أكثر ما يلفت النظر في هذا التحول هو الإحساس بأن الدولة صارت "ترى" المواطن.

لم يعد شخصًا مجهولًا في طابور طويل، بل فرد له اسمه، ورقمه القومي، وبياناته الصحية، وتاريخه العلاجي.

لم يعد أحد بحاجة لأن يصرخ من الألم كي يُسمع، أو ليُثبت حاجته للعلاج. لقد صار النظام أكثر عدالة، وأكثر إنصافًا، وربما – وهذا الأهم – أكثر رحمة.

وبينما ننظر إلى المستقبل، يمكننا أن نتخيل كيف ستكون حياة الناس حين تكتمل هذه المنظومة.

كيف سيكون شعور أبٍ يستطيع أن يُطعم أبناءه دون أن يخشى من تكلفة عملية مفاجئة؟ كيف ستتغير حياة أمٍ مريضة حين تعرف أن علاجها مضمون، ومتابعتها مستمرة، وكرامتها محفوظة؟ كيف سيتنفس الشاب المُرهق من الديون حين يعلم أن ملفه الصحي في مأمن، وأنه ليس بحاجة لاقتراض المال من أجل دواء؟

إنني أؤمن بأن الدول تُقاس أحيانًا بكيفية تعاملها مع مريض ضعيف، قبل أن تُقاس بمدى قوتها العسكرية أو نموها الاقتصادي.

لأن من يُراعي الإنسان في ضعفه، ويُكرمه في مرضه، ويُعامله باحترام حين لا يكون قادرًا حتى على الوقوف، هو فقط من يستحق أن يُسمى دولة.

قد يقول البعض إن أمامنا طريقًا طويلًا حتى نصل إلى نموذج صحي متكامل، وهذا صحيح.

لكن الفارق أن الطريق بات مرئيًا، والخطوات تُحتسب، والنتائج تُلمس.

لم يعد التأمين الصحي الشامل شعارًا على لافتة، بل واقعًا يزداد نضجًا يومًا بعد يوم، حتى وإن لم يكن كاملًا بعد.

نعم، ما زالت هناك تحديات، وهناك مناطق تحتاج إلى مزيد من الدعم، وهناك تفاصيل بحاجة إلى تحسين.

لكن الأهم أن هناك إرادة، وهناك عقل يُخطط، وهناك قلوب تُنصت.

ولأننا نعيش في زمن أصبح فيه المستحيل ممكنًا بالتكنولوجيا، فإننا أقرب من أي وقت مضى لأن نجعل "الحق في الصحة" قيمة ثابتة، لا جدال حولها، ولا استثناء فيها.

ختامًا، يبقى الأمل هو ما يدفع هذه المنظومة إلى الأمام، ويبقى اليقين أن مصر حين تُقرر أن تصنع شيئًا لأبنائها… فإنها تفعل، وتصنع، وتنجح.

الصفحة الخامسة من العدد رقم 416 الصادر بتاريخ 19 يونيو 2025

 

تم نسخ الرابط