« نكون أو لا نكون».. ماذا تفعل الدولة المصرية فى الصومال الآن؟
- لماذا أرسلت مصر معدات عسكرية إلى مقديشو؟.. وما سر الرعب الإثيوبى من الخطوة؟
- "خط أحمر".. الحفاظ على الأمن القومى المصرى من الأخطار المتعددة فى منطقة القرن الإفريقى
قلنا كثيرا لا تختبروا صبر مصر.. لا تعتقدوا أن حلمنا ضعف.. ولا تروا فى حكمتنا ترددا أو خوفا.. إننا فقط نتعامل بشرف فى زمن عز فيه الشرف.
أكتب كلماتى هذه على وقع تنفيذ اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة بين مصر والصومال بإرسال القاهرة معدات عسكرية إلى الصومال، للمساهمة فى حماية وحدة البلاد وسيادتها ومكافحة الإرهاب.
هذه الخطوة التى أصابت "أهل الشر" فى إثيوبيا بالرعب وهو ما نقرأه فى البيان الصادر عن الخارجية الإثيوبية الذى اتهم مقديشو بالتواطؤ مع جهات خارجية تهدف لزعزعة استقرار إثيوبيا، حسب زعمهم.
وهذا الرعب نراه أيضا فى موقف الحكومة الإثيوبية التى أعربت عن قلقها من التشكيل الجديد لبعثة الاتحاد الإفريقى لحفظ الأمن فى الصومال.
لكن الموقف المصرى ثمّنته الدولة الصومالية على لسان السفير على عبدى أوارى سفير الصومال لدى مصر المندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية، الذى ثمّن بدء وصول المعدات والوفود العسكرية المصرية إلى العاصمة مقديشو، تمهيدا لمشاركة مصر فى قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقى فى الصومال التى من المقرر أن تحل محل بعثة الاتحاد الإفريقى الانتقالية الحالية فى الصومال بحلول يناير 2025.
وقد بدأت فصول هذه المواجهة مع التحرك الإثيوبى المشبوه بتوقيع اتفاق مع "جمهورية" أرض الصومال (غير المعترف بها دوليا) بما يمنح أديس أبابا مرفأ على البحر الأحمر يطل على خليج عدن، وهو ما تسبب فى اندلاع المظاهرات فى مقديشو عاصمة دولة الصومال المركزية احتجاجا على الاتفاق الذى فتح الباب أمام اعتراف أديس أبابا بأرض الصومال دولة مستقلة.
وهنا أود الإشارة إلى أن إقليم أرض الصومال أعلن انفصاله عن دولة الصومال قبل أكثر من 30 عاما، لكن الاتحاد الإفريقى والأمم المتحدة لم يعترفا به كدولة مستقلة، ولا تزال الحكومة الصومالية تعتبره جزءا من أراضيها.
وقد تحركت الحكومة الصومالية سريعا ردا على المخطط الإثيوبى، وفى 20 يوليو الماضى وافق مجلس الوزراء الصومالى على اتفاقية دفاع مشترك مع مصر.
وهذه الاتفاقية تأتى تتويجا لسنوات من التعاون بين البلدين؛ حيث تشير صفحات التاريخ إلى أن العلاقات بين قدماء المصريين ومنطقة بلاد بونت "الصومال حالياً" تعود إلى زمن بعيد، لعل أبرز أمثلتها عندما قامت الملكة حتشبسوت، خامسة حكام الأسرة الفرعونية الثامنة عشرة، بإرسال بعثة تجارية على متن سفن كبيرة تقوم بالملاحة فى البحر الأحمر محملة بالهدايا والبضائع المصرية مثل البردى والكتان إلى بلاد بونت، فاستقبل ملك بونت البعثة استقبالاً جيداً، ثم عادت محملة بكميات كبيرة من الحيوانات النادرة، الأخشاب، البخور، الأبنوس، العاج، الجلود والأحجار الكريمة، وصورت الملكة حتشبسوت أخبار تلك البعثة على جدران معبد الدير البحرى على الضفة الغربية من النيل عند الأقصر، ولاتزال الألوان التى تزين رسومات هذا المعبد زاهية ومحتفظة برونقها وجمالها إلى حد كبير.
فى العصور الحديثة، ازدادت العلاقة الثنائية الأخوية بين مصر والصومال رسوخاً وتوطدت أكثر حين وقف المصريون بقيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر إلى جانب الصوماليين فى حربهم ضد الاستعمار والجهل.
وقد أعلن الرئيس جمال عبد الناصر مساندته للقوى الوطنية فى الصومال من أجل الاحتفاظ بمقومات الشخصية الصومالية بجذورها العربية الإسلامية ووحدة أراضيها، وبحلول عام 1955، عندما أراد عبد الرشيد شارماركى" الزعيم الصومالى الذى أصبح رئيساً للوزراء ثم رئيساً للدولة بعد ذلك" أن ينشئ جيشاً ليصد به التحرشات المعادية لبلاده، قام بجولة فى أوروبا فلم تستجب أية دولة لمساندته، فجاء إلى مصر لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر، وقال عن هذه الزيارة: "كانت مقابلتى للزعيم جمال عبد الناصر نقطة تحول فى تاريخنا، فقد قرر عبد الناصر أن يمدنا بالسلاح، بل قال إننا سوف نتقاسم كل ما نملك... وقد أوفى بوعده وكان عند كلمته، وقامت علاقة وطيدة بين الجيش المصرى والجيش الصومالى منذ ذلك الحين، وسارع عبد الناصر بتلبية جميع المطالب التى طلبناها منه، وكان مهتماً بشدة بإعداد جيل من الشباب المثقف الواعى وتأهيله للاضطلاع بشئون البلاد، وكان كل اهتمامه أن يرى الصومال مستقراً ومزدهراً وفى مكانة مرموقة فى هذا الركن المهم من قارة إفريقيا، وأن يصبح أحد مراكز الإشعاع والثقافة العربية الإسلامية بين شعوب تلك المنطقة".
وهكذا ... كانت مصر شريكاً مؤثراً فى كل مراحل معركة استقلال الصومال وبناء دولته الحديثة، حيث امتزجت دماء مصرية غالية بدماء الأشقاء الصوماليين عندما امتدت يد الغدر للاستعمار فى 17/4/1957 لتغتال الدبلوماسى المصرى المرموق محمد كمال الدين صلاح مندوب مصر فى المجلس الاستشارى الصومالى الذى كان مكلفاً بتدعيم أركان الدولة الوليدة فى الصومال وإقامة مؤسسات سياسية وحكومية، وهى حادثة أثرت فى وجدان الشعبين الصومالى والمصرى، وأكدت المصير المشترك فى مواجهة قوى الاستعمار والهيمنة آنذاك.
وفى اجتماع لجنة الوصاية التابعة للامم المتحدة بشأن الصومال، قال الدكتور محمد حسن مندوب مصر بالمجلس الاستشارى الصومالى " الذى خلف الشهيد كمال الدين صلاح فى مهمته" عندما سئل عن الموعد المناسب لاستقلال الصومال: "إن الصومال يستحق الاستقلال منذ خلق أهله أحراراً، ولا يجب أن يستعبدهم أحد، وفى سبيل هذا الهدف نضحى بكل غالٍ وثمين من أجل أشقائنا فى الصومال".
ثم كانت مصر فى مقدمة الدول التى اعترفت باستقلال الصومال عام 1960، وقدمت كل الدعم والعون للشعب الصومالى الشقيق عقب الاستقلال .
وفى أكتوبر 1961، قام الرئيس الصومالى آدم عبد الله عثمان بزيارة لمصر واستقبله الرئيس عبد الناصر بحفاوة تاريخية وتمت استضافته فى قصر رئاسى، وبحث الرئيسان أوضاع الصومال وقضايا إفريقية عديدة، وكان لهذه الزيارة نتائج كبيرة فى مسيرة العلاقات المصرية- الصومالية.
عندما قامت ثورة الصومال بقيادة الرئيس سياد برى، أعلن قائدها: " أن ثورة الصومال هى ابنة شرعية ووفية لثورة 23 يوليو ولفكر الزعيم جمال عبد الناصر الثورى"، الأمر الذى يعكس مدى تأثير الدور المصرى فى الفكر السياسى الصومالى وقادته .
كما وقف المصريون إلى جانب الصومال فى نضاله ضد الاستعمار البريطانى والإيطالى، وكانوا أيضاً سباقين فى دعمه خلال الفترة التى أعقبت الاستقلال فى مختلف المجالات لا سيما فى مجال التعليم، حيث تواجدت المدارس المصرية والأساتذة المصريون فى العاصمة الصومالية مقديشو، ولعبت البعثات الأزهرية والمعلمون التابعون للأزهر الشريف دوراً كبيراً فى نشر العلم وتعاليم الإسلام الصحيح فى ربوع الصومال وهذا هو سر الاحترام والود الذى يكنه علماء الصومال للأزهر الشريف، كما لعبت البعثات المصرية دوراً رائداً فى بناء الكوادر التعليمية وتعريب التعليم فى الصومال .
وتأكيداً للعلاقة الأخوية بين البلدين، قام الرئيس الصومالى الأسبق محمد سياد برى عام 1971 بزيارة تاريخية إلى مصر، استقبله الرئيس الراحل أنور السادات، فتحت آفاقا واسعة للتعاون التجارى والاقتصادى بين البلدين، حيث جرى فى السنوات التالية توقيع اتفاقيات مهمة شملت جميع المجالات ولاسيما مجالى الاقتصاد والتعليم. ومن أهم هذه الاتفاقيات، اتفاق نقل جوى عام 1974 واتفاق تجارى عام 1978 واتفاق التعاون بين المعهد الدبلوماسى المصرى ومعهد الدبلوماسية فى الصومال عام 1989، وكذلك نتيجة الجهد الذى بذلته مصر، تم قبول الصومال عضواً فى جامعة الدول العربية عام 1974.
وقبيل الحرب الأهلية فى الصومال بذلت مصر جهداً كبيراً لمنع وقوع الحرب الأهلية، وشهدت القاهرة والسفارة المصرية فى مقديشو، لقاءات واجتماعات بين المسؤولين فى نظام "محمد سياد برى" والجبهات المعارضة، للحيلولة دون نشوب صراع مسلح، وإنهاء الصراع السياسى بين الحكومة والمعارضة بالطرق السلمية، وقد تمثل ذلك فى المبادرة المصرية- الإيطالية عام 1989، لكن نتيجة تدخلات قوية من قبل بعض دول الجوار، لم تكلل تلك الجهود بالنجاح ودخل الصومال فى أتون حرب أهلية راح ضحيتها آلاف المواطنين الأبرياء.
بعد اندلاع الحرب فى الصومال 1991، لم تتوقف جهود مصر لوقف نزيف الدم وحماية وحدة التراب الصومالى، بل كانت حاضرة بقوة فى جميع الجهود الدولية للمّ شمل الصوماليين، ورفضت تقسيم الصومال أو الاعتراف بانفصال إقليم الشمال "صومالاند"، كما نظمت مصر عدداً من مؤتمرات المصالحة لإنهاء الاقتتال الداخلى فى مقديشو وإحلال السلام فى ربوع الصومال شارك فيها معظم الفصائل المتناحرة، ومن بين تلك المؤتمرات، مؤتمر المصالحة فى القاهرة فى الفترة" 12/11/1997 - 22/12/1997" وتم التوصل فيه الى قرارات كانت فى غاية الأهمية لإنهاء الحرب الدائرة آنذاك فى مقديشو، أطلق عليها «إعلان القاهرة»، كما شاركت مصر فى منتدى الشراكة رفيع المستوى بشأن الصومال فى نوفمبر 2014.. وتليه نشاط الجامعة العربية بمشاركة مصر لدعم جهود الاستقرار السياسى فى الصومال.. كما شاركت مصر فى كل الأطر الدولية الخاصة بالوضع فى الصومال مثل مؤتمر الخرطوم عام 2006 ومؤتمر جيبوتى عام 2008 والذى تمخض فى النهاية عن اختيار الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد رئيساً للصومال.
كما ساهمت مصر بدور فعال فى عملية "إعادة الأمل" عام 1992 لدعم الصومال، وقررت إرسال أكثر من 700 جندى إلى مقديشو ضمن القوات الدولية لإنقاذ المنكوبين جراء المجاعة عام 1992، وبحكم علاقات مصر القديمة مع الصومال ومكانتها لدى الصوماليين تمركزت هذه القوات فى المواقع الحساسة بالعاصمة مقديشو وأسندت إليها مهمة تأمين وحماية المطار والميناء وبعض أهم التقاطعات فى المدينة، كما قامت هذه القوات بدور محورى فى عمليات الإغاثة وتوزيع المعونات على القرى والتجمعات القريبة من مناطق تمركزها وإقامة مستشفيات ميدانية لعلاج المرضى الذين بلغ عددهم آنذاك ما بين 300- 400 حالة يومياً.
لم تقتصر الجهود المصرية التى كانت ضمن القوات الدولية " يونيصوم" على مجال الإغاثة وإنما شاركت أيضاً فى إعادة بناء القوات الصومالية، حيث دربت القوة المصرية حوالى 20٪ من قوات الشرطة الصومالية التى كان يجرى إعدادها آنذاك وزودتها بما كانت تحتاجه من أسلحة وعتاد وأجهزة اتصالات قبل أن تنسحب القوة المصرية مع باقى القوات الدولية من الصومال عام 1995 .
وفى فترة الحرب الأهلية وصل إلى الأراضى المصرية آلاف الصوماليين الذين نزحوا من ويلات الحرب، فاستقبلتهم مصر ومدت لهم يد العون وتم منحهم تعليما مجانيا وتمت معاملتهم كمعاملة المصريين فى المدارس والجامعات ،وهذه المعاملة الأخوية أثمرت عن تخرج الآلاف من الشباب الصوماليين فى الجامعات المصرية تقلد بعض منهم مناصب فى الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية فى الصومال، فيما البعض الآخر يحاضرون فى الجامعات الصومالية وبعض الجامعات فى دول الجوار.
ودائما وأبدا.. تحيا مصر.
- الحكومة
- الأمن القومى المصرى
- الوزراء
- مجلس الوزراء
- إثيوبيا
- الاقتصاد
- جمال عبدالناصر
- عدن
- أهل الشر
- اقتصاد
- سلاح
- التجمع
- الإرهاب
- ثقافة
- التحرش
- تحرش
- صلاح
- أخبار محمود الشويخ
- شاب
- الخرطوم
- عون
- الشباب
- القري
- العلاقات
- الدول
- محمود الشويخ يكتب
- طالب
- الخارجية
- درة
- القاهرة
- عامل
- الكتان
- الشرطة
- ثورة
- شرطة
- حماية
- محمود الشويخ
- استقرار
- القوات
- بيان
- التشكيل
- راب
- دول الجوار
- نكون أو لا نكون
- المدارس
- لجنة
- الدولة المصرية
- الجامعة
- نشاط
- علاج
- عبد الناصر
- امن
- جامعة الدول العربية
- اجتماع
- المصري
- النجاح
- فلم
- قرار
- حكم
- الطرق
- تنفي
- مبادرة