الإثنين 17 يونيو 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
العباس السكرى - صورة
العباس السكرى - صورة أرشفية

- فى صالون الزعيم رأيت كل طوائف المجتمع الغنى والفقير والطيب والشرير

- جلساته كانت تمتد لأذان الفجر وجميع "المشاريب" على حسابه

- يعشق غاندى وتشارلى تشابلن ويحتفظ فى منزله بتمثاليهما ويقول: "كلاهما ضئيل الحجم ولكنهما أثرا فى التاريخ الإنسانى بطريقة مدهشة"

لا أنسى أبدا تلك الأيام التى كنت أذهب فيها إلى حضرة الزعيم عادل إمام، حيث الجلسات التى تمتد من المغرب وحتى أذان الفجر، كانت الساعة تقترب من الثامنة مساءً، وكل الضيوف اصطفوا إلى مقاعدهم، ما عدا مقعد شاغر، هو مقعد زعيم "القعدة".. لا يجلس فيه أحد سواه.. ولا يجرؤ أحد على الجلوس فى هذا المقعد حتى لو كان خاليا، احتراما لصاحبه، كل ضيف يشعر بالسعادة والشرف أنه سيجلس مع الزعيم عادل إمام وليس ما هو ألذ من الجلسة مع نجم ملأ الدنيا جدلا وحبا وضحكا.

عند اقتراب الساعة من التاسعة مساء، يدخل الزعيم إلى مجلسه الخاص فى ركن معيّن من منزله بعد اصطفاف كل الحضور، وقد حفل المجلس بشرائح مختلفة من المجتمع فبجواره يجلس التاجر والمستشار والمقاول والأستاذ والفنان والصحفى والكاتب والموظف والمدير والإعلامى، فى صورة مصغرة لمصر، وأيضا هناك الغنى والفقير الطيب والشرير، وداخل هذا المجتمع يعيش الزعيم أحلى أوقاته، وأكبر لذته، فى صالونه الذى يطلق عليه اسم "الجيم" يضحك ويمزح ويعيش كالطفل بين الناس.

تطول جلسة الزعيم مع أصدقائه بشكل يومى إلى الثالثة فجرا، وفى شهر رمضان حتى الواحدة صباحا، وطوال الجلسة يتحدث الزعيم مع حرافيشه حديثا شيقا فيه أخبار وذكريات وأسرار وطرائف ومداعبات، فالرجل على مراحل عمره رأى ما لم يره أحد، هو حدوتة مصرية طويلة من عهد الملكية والثورة إلى الآن، صادق الأمراء والملوك والرؤساء ولم يزل فلاحا مصريا صادقا فى حبه للناس والمجتمع ووطنه.

عادل إمام فى صالونه سخى إلى أقصى حد، يفتح "بوفيه" كاملا لضيوفه، وجميعنا نتعامل كأننا فى منزلنا، وليس فى بيت الزعيم، هو يعيش فى بيته حياة أسرية عادية مثل جميع المصريين، وكان صادقا عندما قال "لو ما عشتش حياة البسطاء مش هعرف أمثل تانى".

فجأة وأثناء تبادل الآراء.. يجلس الزعيم وقد وضع ساقا فوق ساق، ويطلق لخياله العنان ويذهب فى الهدوء المطلق، ونعتقد جميعا أن وراء مظهره الساكن شيئا ما، ثم يفاجىء الجميع أنه يريد أن يقتنى حمارا فى فيلته، وبالفعل يلبى محبوه نداءه ويأتون له بالحمار فى اليوم التالى، ثم يطلب له "حمارة" أنثى لتسلى "الحمار" الذكر.. هكذا الزعيم يبدو بعيدا عن الفن إنسان عاشق للحياة بكل تفاصيلها البسيطة.

عادل إمام إنسان وفنان وزعيم، يحب البسطاء والمهمشين، ويحرص على السير بسيارته فى الزحمة وسط الناس ليرى الوجوه ويقارن بينها وبين الماضى، يعشق غاندى وتشارلى تشابلن، ويحتفظ فى منزله بتمثاليهما ويقول: "كلاهما ضئيل الحجم، ولكنهما أثرا فى التاريخ الإنسانى بطريقة مدهشة"..

أتذكر هذه الحكايات والعالم يحتفل بعيد ميلاد الزعيم عادل إمام صديق البسطاء والرؤساء، النجم الوحيد الذى حقق معادلة من الصعب أن يحققها أحد غيره، أغلب رؤساء الدول كرموه واحتفوا به، والجمهور العربى فى كل مكان يحملون سيارته على الأعناق، يلقون عليه القبلات والسلام والتحية بدهشة وحب، بعض جمهوره فى الدول العربية لا يصدقون أن هذا الرجل "من لحم ودم" مثل البشر، ويتزاحمون عليه ليلامسوه بمجرد دخوله بلادهم، وعند وجود أى مصرى فى دولة عربية يكون السؤال الدائم من فم الجمهور العربى: "إنت من مصر"، وعندما يرد بنعم يقولون له :"بتشوف عادل إمام سلم لنا عليه"، ومع ذلك فى بلدنا القاهرة الساهرة الساحرة لا نجد تمثالا واحدا للزعيم عادل إمام، أسوة بالكبار عبد الوهاب وعبد الحليم ونجيب محفوظ وأم كلثوم، لا نجد ميدانا يحمل اسمه رغم أنه أشهر نجم عربى عرفته الشعوب، فى ظاهرة لن تتكرر ولا بعد ألف عام، وليس صحيحا ما يقال: "إن البلد ولادة" فلم نر على مدى السنوات الطويلة أن ولدت البلد أحدا سد مكانة سيد درويش أو عبد الوهاب أو أم كلثوم أو عبد الحليم حافظ أو نجيب محفوظ وغيرهم من الرموز.

تم نسخ الرابط