الحب الحقيقى خرج ولم يعد.. والأحاسيس الصادقة فى ذمة اللهلغة المصالح أفسدت كل شيء واغتالت المشاعر النبيلةا

العالم,اليوم,يوم,مواقع التواصل

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة

محمد فودة يكتب: "عيد الحب" فى زمن "التيك أواى"

الشورى

◄الحب الحقيقى خرج ولم يعد.. والأحاسيس الصادقة فى ذمة الله

◄"لغة المصالح" أفسدت كل شيء واغتالت المشاعر النبيلة

◄الإيقاع السريع للحياة خلق حالة من الانفلات فى العلاقات الإنسانية

◄"الحب الصادق" هو المصدر الأساسى للسعادة وبوابة التوازن النفسى

 

قبل يومين مر "عيد الحب" أو كما يطلقون عليه "الفلانتين داى"، ولا أدرى إن كانت الدنيا قد تغيرت وتبدل حالها أم أن كلمة "الحب" نفسها هى التى لم تعد كما كانت من قبل وتحولت بقدرة قادر إلى مجرد كلمة "سيئة السمعة" من فرط ما نراه ونلمسه فى حياتنا من سيطرة للكراهية وانتشار الحقد وتفشى وباء الغل وسواد القلوب، وهنا وجدتنى أتذكر قول الشاعر المعروف المتنبى "بأى حال عدت يا عيد". وأقول "بأى حال عدت يا عيد الحب"، هل جئت وأنت تقدم رجلاً وتؤخر الأخرى وتمشى على استحياء لأنك لم تعد قادرا على مواجهة كل هذا الانفلات فى العلاقات الإنسانية بعد أن أصبحت ساحة القلوب مرتعاً لتلك الفئة من ضعاف النفوس الذين لا يجيدون سوى الطعن فى الظهر ببراعة وباحتراف شديد، ونجد بعض الناس قد تحولوا إلى معاول للهدم بل صاروا فى "غمضة عين" نجوما فى التآمر وأساتذة فى اغتيال كل المعانى النبيلة وعلى وجه الخصوص معانى "الوفاء والإخلاص". ولمن لا يعرف قصة الاحتفال بعيد الحب أو عيد العشاق أو يوم القديس فالنتين فهو احتفال يشارك فيه كثير من الناس فى العالم يوم 14 فبراير، حيث يحتفلون بذكرى القديس فالنتين الذى راح ضحية قناعاته بضرورة مساندة الحب ويعبر فيه المحبون عن حبهم لبعضهم البعض عن طريق إرسال بطاقة معايدة أو إهداء الزهور وغيرها لأحبائهم فيصبح مناسبة لأن يعم الحب والسلام بين الناس خاصة بعد أن أصبح هذا اليوم مرتبطًا بمفهوم الحب الرومانسى.

ولعلنى لا أجد حرجا أن أقولها وأكررها بصوت عالٍ :"بأى حال عدت يا عيد الحب" وقد أصبح الحب نفسه فى مهب الريح، ولم يعد له وطن يسكنه بعد أن احترقت القلوب التى كان يسكنها من قبل، وتحولت إلى ساحة للمعارك الوهمية من أجل مكتسبات زائفة أو تحقيق مجد وهمى لا وجود له على أرض الواقع.

وهنا أتساءل: هل تغير معنى الحب وتبدلت ملامحه أم أن الناس هى التى تغيرت وأصبحت ترى الأشياء بشكل مختلف واختلطت المفاهيم بالنسبة لهم بما فى ذلك نظرتهم إلى مفهوم الحب الذى طاله التغيير وأصبح بالفعل مختلفا تماماً لم يعد كما كان من قبل؟! وحتى وإن كانت قد تغيرت الظروف وتبدلت الأجواء بسبب توحش السوشيال ميديا وسيطرة مفردات غريبة على حياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية فإننى على قناعة تامة بأن "الحب" ينبغى أن يظل كما هو، وكما كنا نعرفه ونضعه فى صدارة الصفات النبيلة لأننا ندرك تماماً أنه بدون الحب لا يمكن أن تستقيم الحياة بأى شكل من الأشكال، وبدون المشاعر الصادقة لن تدوم العلاقات النبيلة بين الناس بل ربما بدونه تنقلب حياتنا رأساً على عقب.

ورغم ذلك فإننى وعلى المستوى الشخصى أظل متمسكا بمشاعرى الحقيقية تجاه من أحب وسط هذا الكم الهائل من الحقد والغل والكراهية، فقد اعتدت أن أسير وراء مشاعرى وأن أهاجر بأحاسيسى إلى أى مكان يمنحنى تأشيرة دخول بشرط أن تكون هذه التأشيرة بلا عودة لعالمنا المرتبك، هذا العالم الذى يعيش مكتظا بالمنغصات.

أقول ذلك وأنا أعلم جيداً أن كل شيء من حولنا قد تغير وأصبح يسير بإيقاع سريع جداً ولكن ليس معنى ذلك أن نسلم بالأمر الواقع وأن نسمح لمشاعر الحب النبيلة بأن تنزلق إلى هذا المستوى أيضا وتصبح هى أيضاً بنفس الإيقاع السريع لأنه لو حدث ذلك ستتغلب عليه لغة المصالح وتسيطر عليه الأنانية وهى صفة غير محمودة وإن حلت على أى شيء فإنها تفسده وتبدله بشكل لافت للنظر وتجعله مجرد مسخ لا طعم له ولا لون ولا رائحة، لقد تغير كل شيء يتعلق بالحب من قريب أو بعيد ، فالحب مثله مثل الكثير من الأشياء الجميلة التى تغيرت بتغير الزمن وتحول بشكل جذرى ليعكس بوضوح تلك التغيرات المجتمعية التى طرأت على حياتنا فالحب الذى تغنى به وله مطربون كبار ليس هو نفسه الحب الذى يتغنى به مطربو الوقت الحالى بهذه الكلمات السطحية والموسيقى الفجة، الفارق هنا كبير جداً بين هذا وذاك، ربما يكون السبب فى الناس أنفسهم وفى تعاملهم مع مفردات الحب بشكل مختلف تماماً عما كان يتعامل به  الجيل السابق.

أتمنى ونحن مازلنا نحتفل بعيد الحب أن نمنح أنفسنا وقتا لأن نحب وأن نهيئ للمشاعر الصادقة المناخ الصحى لأن تنتشر بيننا بشكل طبيعى، فإننى أرى ضرورة أن يبادر كل منا بالبحث بداخله عن مصدر حقيقى لهذا الحب الذى أعنيه وأن يفتح لنفسه طاقة نور ليتسرب من خلالها الحب إلى داخل أعماقه، فنحن وكما يقول الفلاسفة نجذب ما نفكر به ونستشعره بإيجابية كأنه يحدث ونتخيله ونضعه فى الفعل، فإذا أردنا أن نجذب الحب وتوأم الروح وجب علينا التركيز على مشاعرنا وحالتنا كأننا بالفعل نستقبل هذا الحب، من خلال الأفعال والنيات والمشاعر، وأن نطلق العنان للرغبات والآمال لتحديد هذا الشخص أو ذاك وكل ما نبغى الحصول عليه من تجربة الحب، بالإضافة إلى استشعار الأحاسيس التى نريد أن نتلقاها والتعبير عنها خلال هذه التجربة، ونهيئ لأنفسنا مناخاً صحياً مليئا بالحب ونشعر بكل المشاعر والأحاسيس التى نحتاجها، من لحظات الانسجام والارتباط، والثقة ، والأمان، والسعادة، وبهذه الطريقة فإننا نستطيع أن نترك العنان لرغباتنا فى تحديد المشاعر التى نريد أن نحصل عليها ونركز على صفات الشخص الذى نستدعيه فى ذاكرتنا وهو على هذا النحو من مشاعر الحب، ونتحرر من كافة العقبات التى تحول بيننا وبين الوصول إلى هذا الشكل من أشكال الحب الذى نتمناه لأنفسنا ولمن حولنا أيضاً، فلا تبخلوا على أنفسكم بهذه السعادة ولا تكونوا أنتم العقبة فى الحصول على هذا الحب بالتركيز على حالة الفقدان، ولكن بالتركيز على الرغبة فى حقنا فى الحب، وبذلك نكون نعلن للعالم أجمع أننا نستحق هذا الإحساس الرائع ونبدأ الحياة فى روعته بدلاً من التذمر من عدم وجوده، وبذلك فإننا نستطيع أن ندرك أهمية الحب وبالتالى يدرك هو احتياجنا له، ومما سبق نضع أيدينا على مسألة فى غاية الأهمية هى أن الحب لم يكن مجرد نوع من الترف أو حالة من حالات الرفاهية فى حياة الإنسان فهو وكما أثبتت الدراسات والأبحاث الإنسانية يمثل المصدر الأساسى للأمن النفسى وبالطبع حينما يكون حباً حقيقياً ونابعاً من القلب فإنه يصبح المصدر الأساسى للسعادة، والسبيل الرئيسى إلى غاية الإنسان ورغبته الحقيقية فى تحقيق التوازن النفسى.

"عيد الحب" مناسبة قوية لأن نحيى بداخلنا "الحب الحقيقى"، الحب الذى يبقى ويدوم طويلاً بعد أن تحول وللأسف الشديد إلى مجرد لحظات عابرة فى ظل طغيان المادة ولغة المصالح بل تحول إلى مجرد كلام أجوف يتناقله البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ليتنا نعود إلى "الحب الحقيقى" الذى كان له مذاق خاص، الحب الذى كان يحيى القلوب حين يسكنها، الحب القادر على صنع المعجزات، فالحب لم يعد أغنية أو كلمة عابرة نعيشها وننتعش ثم نتوه وراء المادة والمال والجمود، الحب حياة وصيرورة واستمرار ودماء تتدفق فى قلوب شابة دائمة ولا تعرف الشيخوخة.