جميعنا يدرك أن الجمال وصواب الرأى أمر نسبى وأن الكمال لله وحده سبحانه والنسبية مسألة حتمية فى كل ما يتعلق بال

طالب,المرور,قضية

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
حسام فوزى جبر يكتب: الاختلاف فى الرأى

حسام فوزى جبر يكتب: الاختلاف فى الرأى

جميعنا يدرك أن الجمال وصواب الرأى أمر نسبى وأن الكمال لله وحده سبحانه، والنسبية مسألة حتمية فى كل ما يتعلق بالعلوم الإنسانية، فالأخطاء واردة دومًا فالعصمة من الخطأ أمر غير إنسانى فكل البشر خطاؤون، وقد سبقنا نبينا الكريم قبل ما يقرب من أربعة عشر قرنا عندما قال: " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون "، بل الصواب والخطأ فيه قدر كبير من النسبية على حسب زاوية نظرك للأمر وتكوين وجهة نظرك من خلالها، ولكن من أهم المبادئ الإنسانية الأساسية هو أن نتعلم من أخطائنا، ولا نكابر بعنجهية فنضاعف التبعات السلبية للأمور التى كنا نراها صحيحة واكتشفنا خطأها بعد مدة فالاعتراف بالحق فضيلة بل وشرف ونبل أخلاقى واجب، فالخيارات الخاطئة واردة دائمًا خاصة فى السياسة والاقتصاد والاجتماعيات وغيرها.

ومحاولة التصحيح والسعى نحوه واجب علينا جميعًا، فتتعلم من تلك الأخطاء، ليس فقط لتفادى تكرارها فى المستقبل بل وللاستفادة من دروسها لتجاوز النتائج السلبية وتحقيق ما هو أفضل وعلينا فورًا الكف عن تبرير الخيارات الخاطئة على أنها إبداع غير مسبوق مستخدمًا مبدأ حقى فى الرأى البديل وما هو إلا رأى لمجرد الغطرسة والعجرفة، وتاريخ البشرية مليء بنماذج الخيارات الخاطئة تلك التى كان بعضها دروسًا لجماعات وأمم تعلمت واستفادت منها وتجاوزتها إلى ما هو أفضل محققة تقدمًا وتطورًا وبعضها الآخر كان تدهورا وتراجعا لمن تمادى فى عنجهيته معتبرًا أنها أفضل الخيارات رغم الأدلة على أنها خاطئة، ورغم أن التاريخ يمدنا بالعبر ويسند قدرتنا على التعامل مع تحديات عصرنا وطموحات مستقبلنا، فإن البعض فى غمرة زهوه وغروره أو ربما غفلته وإهماله لا يلتفت لدروس التاريخ، بل ويُهمل من حوله من ناصحين أمناء مستعينًا بشياطين الإنس الذى يوافقون على أى خطأ لمجرد تواجدهم وحماية مصالحهم الشخصية غير مهتمين إلا بأنفسهم ومصالحهم القريبة ممن أسمتهم اللغة "بطانة السوء"، فبئس البطانة من يوافقون قائدهم أو مديرهم أو رب عملهم فى كل شيء حتى وإن كان خطأ ومؤديا إلى مهلكة وبئس القائد صاحب الرأى الأوحد دون شورى أو مشاورة. فللأسف هناك من يبحث دومًا عن رأى يود سماعه لأنه موافق له، لكن الحقيقة أن مرارة الرأى المخالف قد تكون هى الدواء الشافى ومن يتجاهل الآراء الصريحة هو كمن يغض الطرف عن إشارات الطريق أو المرور فينتهى به المطاف إلى غير وجهته، وصاحب الرأى الحر المخلص دائمًا عزيز فهو لا يأتى فارضًا نفسه بل يُؤْتى إليه ويُبحث عنه، وهذه سنة كونية حتى لا يبقى المتفرد بقراراته مترفعًا فى برجه العاجى لأنه سيضطر حتمًا للنزول بحثًا عن من يرشده والقاعدة دائمًا ما خاب من استشار، وربما ما يجعل آراءنا أو قراراتنا مُعْوَّجة، عدم الانتباه إلى قضية الدقة فى المعلومة، فبعض المعلومات نأخذها كما هى لنكتشف أنها كانت مبنية على افتراض كأن يفترض المشترى أن البائع لن يبيعه أو العكس، أو أن شريكك أو مديرك لن يقبل باقتراحك أو عذرك، فنأخذ موقفًا متسرعًا أو عدائيًا وذلك لأننا سمحنا لأنفسنا بأن نصدق الافتراض، مثل من يكذب ويصدق كذبته، وعلينا أن ننبه أنفسنا دائمًا أن الافتراض شيء والحقيقة شيء آخر، وليس كل ما يصلح للناس يصلح لى شخصيًا فقد خلقنا الله تبارك وتعالى مختلفين، وما يعرج بِنَا إلى متاهات القرارات غير الرشيدة اندفاعنا نحو رأى لا يستند إلى أسانيد قوية فنضر أنفسنا والآخرين. فيمكن أن يتحمل الإنسان تبعات قراره الشخصى، لكن من غير المقبول أن يتهور بقرار عجول يمس مصالح الناس أو صحتهم أو أرواحهم دون عناء استشارة مستندًا إلى أهل الخبرة مستعينًا بأهل الثقة ولو اجتمعت الخبرة والثقة فى أحدهم فهو الملاذ للخروج من المنعطف الخطر بعد الله. إن وجود الاختلافات فى الآراء ما بين الأشخاص هو أمر طبيعى بل وصحى، إذ أن اختلاف الرأى من المفترض ألا يفسد للود قضية، إلا أنّ المشكلة تكمن فى عدم تقبل هذا الاختلاف، والتعصب إلى الرأى الفردى، الأمر الذى من شأنه أن يؤدى إلى تدهور العلاقات بين الناس، وزرع الكره والحقد فى قلوبهم، وتحدث مشكلات اجتماعية أو تجارية ربما من الصعب حلها، والأشخاص الذين يتشبثون بآرائهم دون الحياد عن تغييرها فى النقاشات، أشخاص أكثر صعوبة فى التعامل والتواصل الاجتماعى؛ ذلك لأن الشخص الذى يتمسك برأيه إنما تأتى قناعاته من شعوره الدائم بأنه الشخص الذى على صواب مطلق، ولا ينبغى له الخضوع لآراء الآخرين لأنه دائمًا يرى نفسه على صواب، رافضًا تغيير قناعاته الشخصية، وهو مريض يجب علاجه، فالنقاشات مع مثل هؤلاء عقيمة، ولا جدوى منها لأنه يرفض أن يحترم آراء الآخرين أو الإصغاء إليها، وهؤلاء هم أصعب من تتعامل معهم سواء فى مجال العمل أو الحياة الخاصة أو العامة. وللحق أقول إن التمسك بالرأى حينما يمس القيم والدين الصحيح، يكون حالة صحية وفى محلها، إلاّ أن التمسك بالرأى لمجرد الفكرة لا للمحتوى، فهذه حالة سلبية، لذلك فالتغيير لابد أن يبدأ من الأسرة فى الصغر من خلال الحوار، فكلما تعلم المرء منذ الطفولة معنى الحوار وأصل الحوار واحترام الرأى الآخر وترك مساحة للآخرين، هذه الأمور تصل بنا إلى عدم التمسك بالرأى لمجرد الاحتفاظ به، بل إن هناك من يفتخر بابنه أو أخيه أنه مثال يُضرب به فى التمسك بالرأى ولا يتراجع عنه أبدًا، وهذا ليس بداعٍ للفخر أبدًا على العكس، فالتمسك بالرأى الخاطئ يمثل ضررا على الآخرين، ويجب علاجه فورًا والعودة للمنهج القرآنى النبوى دائمًا ما يكون الحل والملاذ الآمن للجميع فيقول رب العزة "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ".

وهو سبحانه القادر على أن يخبر نبيه بكل وأى شيء دون مشورة من أحد وكان الرسول وهو القدوة الحسنة، دائمًا يشاور أصحابه امتثالًا لأمر الله تعالى، وكان يأخذ بالرأى السديد من أى شخص كان إذ أن طالب المشورة إنما يبحث عن الرأى الذى يبدو أنه يحقق المصلحة فقد شاور الرسول أصحابه فى غزوة الخندق، وفى غزوة بدر، وفى أسارى بدر، وفى غزوة أحد، وفى غيرها من المواقف الكثيرة، ليعلمنا أنه لا خاب من استشار فمرارة الرأى المخالف قد تكون الدواء.