بينما كنت أفتش فى رأسى عن فكرة أكتبها هذا الأسبوع لحضراتكم عبر مقالى الأسبوعى قلم حر عبر جريدتكم الشورى وأ

السيارات,السرطان,مصر,مواقع التواصل,الشورى,كرة,الإعلام

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
حسام فوزى جبر يكتب: الذوق العام

حسام فوزى جبر يكتب: الذوق العام

بينما كنت أفتش فى رأسى عن فكرة أكتبها هذا الأسبوع لحضراتكم عبر مقالى الأسبوعى "قلم حر" عبر جريدتكم "الشورى" وأثناء وجودى بالمنزل، لاحظت أن أولادى يكتمون شيئًا ما يضحكهم وعندما طلبت منهم أن يطلعونى على الأمر فتطوع ابنى الأصغر وأخرج هاتفه وشغل لى شيئًا ما يشبه الأغانى لكنها بطريقة ملوثة تفوق التحمل نعم، وجدت شابًا غير طبيعى يسير بطريقة غير طبيعية يبحث عن محبوبته شيء أقرب ما يكون أن يبحث عن حيوان أو ربما طائر أو كرة تائهة أو ضائعة منه، لم أستطع أن أُكمل الفيديو ولم أتحمل سماع الصوت وطلبت منه توقيف الفيديو ومنع الضحك، وبدأت أسألهم أى شيماء هذه التى يبحث عنها هذا المُفسد فى الذوق العام فوجدتهم جميعًا يضحكون ويخبرونى أنها بطة نعم بطة تائهة من صاحبها وكأن ما رأته عينى وتوقعته من الفيديو أنه لا يصح أن نبحث بهذا الشكل عن حبيب أو محبوب كان حقيقيا.. نعم تلك الأغنية لهذا الشاب كانت لبطة، انخرطنا جميعًا فى الضحك ووجهت لهم بعض النصائح وطلبت منهم ألا يتركوا آذانهم ولا أذواقهم لهذه المفسدات، متخيلًا أن الأمر انتهى غير مهتم باسم هذا الشاب ولا من أنتج له ولا أى شيء له علاقة بهذا الهراء الذى لا علاقة له بالفن.

بعدها نزلت إلى الشارع فوجدت أن أحد محلات المحمول المجاورة لمحل سكنى يصدر منه نفس الصوت، ويردد مع المؤدى مناديًا على البطة وكأنه مرض قد أصاب الجميع وقفت فى انتظار أحد الأصدقاء الذى سيمر على بسيارته ليصطحبنى فى طريقه فوجدت أكثر من مركبة ما بين موتوسيكل وتوك توك وسيارات يصدر منها نفس الصوت، بل نفس الردح، بل لاحظت أن الأطفال فى الشارع يغنون "شيماء شيماء"، وبمجرد أن وصل صديقى الوقور أسرعت بالدخول إلى سيارته لعلنى أفلت بأذنى وذوقى لتكن الطامة صديقى المثقف الوقور الطبيب الستينى يتمتم هو الآخر "شيماء شيماء"، انتابنى القلق والحيرة لأجد صديقى يخبرنى بالبطة شيماء التى حكى أولاده له عنها أن فلان يغنى لها  وحققت ملايين المشاهدات وبالتالى أموالا كثيرة، مؤكدًا لى أن صاحب الأغنية أصبح نجما من النجوم التى تحترف إفساد الذوق العام، وقتها قررت أنا وصديقى أن نبحث عن الأغنية لنسمعها بتركيز . وبلا أى مقدمات وعقب ما وجدنا الفيديو على أحد مواقع التواصل الاجتماعى، وجدت شبه المطرب ينطلق عاصفة رعدية أو ربما قنبلة صوتية اقتحمت أذنى وكدت أن يُغشى علىّ من فرط الإزعاج، أحسست أننى فى اختبار صعب لا بد أن أنجح فيه، ودققت السمع والإصغاء، فلعلنى أكتشف جمالًا أو فنًا أو حلاوة أو أى شىء يميز هذا العمل غير الفنى من وجهة نظرى، لكننى فشلت ولم ينبنى غير الصداع والندم، فكل عناصر الأغنية غائبة تقريبًا وربما غير موجودة، الموسيقى سَلَطة نشاز النشاز يختلط فيها الإيقاع المزعج بالنغم الذى لا يمُت للنغم الفنى بأى صلة، أما الكلمات فلم أسمع منها إلا لفظة شيماء … شيماء، محاطة بأصوات عجيبة لست متأكدًا إذا كانت بشرية أو كمبيوترية أو آلية، ورغم أن كل العناصر مؤلمة فإن الأكثر ألمًا ما قلته من قبل إن ما يبحث عنها مطربنا الجهبذ العبقرى فى الشارع وتحت السيارات لم تكن إلا بطة لا تصلح إلا على مأدبة طعام ليس إلا، ولو كانت ستأتى منه فبناقص الأكلة وبناقص أى شيء يربطنا به. وبصرف النظر عن اسم هذا المؤدى العجيب الغريب المريب، فإنه صوت من طراز غير معتاد، له بصمات مخيفة تشبه أصوات مرتزقة الانتخابات البرلمانية أصحاب الشعارات المتكررة للجميع، ورغم كل هذا وذاك كان الأكثر لفتًا لنظرى هو هذا التجاوب الجماهيرى غير المفهوم ولا المعقول مع مثل هذا النوع من الأغانى الضارة بالصحة النفسية للمصريين، هذا التجاوب الذى يشعرك بكأنك أمام عمل عظيم وخالد، يفوق فى تميزه أغنيات أم كلثوم والأطرش وعبد الوهاب، الأمر الذى جعلنى أسأل نفسى: هل تم إفساد الذوق المصرى العام لهذا الحد الذى يتقبل مثل هذا الردح رغم أنى أرى أن مكانه الطبيعى صفيحة القمامة؟! هل يُعقَل أن تُداس قوة مصر الناعمة تحت أقدام من يتاجرون بالإسفاف وينشرون الموسيقى الهابطة ويلوثون مشاعر الناس بالقبح الفج والنشاز القاتل للذوق؟ والمصيبة الأكبر تجاوب الإعلام فى الداخل والخارج مع مثل هذا القبح وتكريمه ومنحه جوائز وتقديمه للجمهور وكأنه نجم حقيقى.

أرى أن الصمت على هذا القبح قبح، وإفساد للوجدان واغتيال للوعى وتدنيه أو ربما محو للذوق، فتفشى الفن الهابط سيطرد كل ما هو جيد بل وسيقود المجتمع للتراجع والانحلال والتفكك، علينا أن نتكاتف ونوحد كل الجهود لمواجهة هذا السرطان اللعين الذى ينتقل بسرعة بين خلايا المجتمع يسير به نحو موت محقق سيجعل المصريين والعرب بلا هوية ولا ثقافة، علينا جميعًا أن نتكاتف من أجل منع مثل هذا الابتذال والنهوض بالذوق العام فلكل منا دور هام فى الارتقاء بالذوق العام.. يجب وفورًا تعظيم دور الفن الراقى والأدب والشعر والبحث حول كيف أن نرتقى بالكلمات.. علينا السعى نحو مجتمعات راقية تسمع وتطرب لكل ما هو هادف وبناء،  علينا الاستعانة بخبراء التربية وتعظيم دور العلم والثقافة والاهتمام بوجود القدوة والإكثار من التوعية على كافة المستويات، يجب علينا وفورًا التحرك بكل جدية لإيقاف انحدار الذوق العام.