◄| الخطاب الديني الآن بين شقي رحى التطرف وركود المؤسسة الدينية (بديل) ◄| خطاب الجماعات لم يغتَل المخال

جريدة الشورى,اخبار مصر,اخبار مصرية,اخبار الرياضة,اخبار الفن,اخبار الحوادث,اخبار الصحة,مراة ومنوعات,حظك اليوم,اخبار الاقتصاد,رياضة,عملات,بنوك,الرئاسة

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة

الشيخ عبد الباسط هيكل لـ "الشورى" : أصبح باب الله بين شقي رحى التطرف وركود المؤسسة الدينية |حوار|

د. عبدالباسط هيكل  الشورى
د. عبدالباسط هيكل


◄|الخطاب الديني الآن بين شقي رحى التطرف وركود المؤسسة الدينية (بديل)

◄|  خطاب الجماعات لم يغتَل المخالف فحسب، بل اغتال الدين نفسه

◄| يجب أن نعترف بوجود مشكلة في الخطاب الديني حتى نفكّر في الحل

◄| كيف يمكن نقد ومراجعة لسلطة تنطلق من عبارة "الله يحكم"؟ ونقول إننا في دولة مدنية

◄| أخطر ما وقع فيه الخطاب الإسلامي المعاصر تثبيت المعنى عند فهم بعينه واعتباره المعنى الوحيد المطابق لمراد الله

◄| كتابي القادم "حوار الجد والحفيد" بين أيمن الظواهري وجدّه لأمه السفير المتصوف الأديب عبد الوهاب عزام وجها لوجه


أصبح مفهوم الدولة الإسلامية والخلافة والطاعة والقتال والجهاد مفاهيم مفخخة غامضة تلعب فى مخيلة المتحمسين دينيا لدفعهم إلي الصدام مع مجتمعهم .
تصدي مؤخر الداعية والعالم الأزهري د . عبد الباسط هيكل في ست رسائل لهدم البناء الفكري والتنظيمي لتلك الجماعات الإرهابية وعلي رأسهم جماعة الإخوان وأخرج ذلك في كتاب بعنوان " باب الله .. الخطاب الديني بين شقي الرحى "وإلي التفاصيل :
*كيف ترى دعوات تجديد الخطاب الديني؟ ومن أين نبدأ؟

**ما زال تجديد الخطاب الديني المؤسسي محصورًا في شكل بروتوكولي في المحافل حيث تنطلق الكلمات البليغة الرنانة من أعلى المنصات كردِّ فعل لخطاب الجماعات، وينتهى التجديد بانتهاء الفاعلية الإنشائية أمام الكاميرات الإعلامية، دون ممارسات حقيقية لتجديد الخطاب الذي أصيب بدوغمائية نتيجة التباس مفهوم الخطاب الحامل لرسالة دينية بالنص المقدس، فانتزع الخطاب قداسة مغلوطة تشعرنا بالحرج من إخضاعه لمنهج البحث النقدي، وأصبحنا لا نقترب من خطابنا الديني إلا لاختصار شرح أو لإيجاز مُفصَّل أو للتوفيق بين المستجدات وأقوال القدامى من علماء التراث دون أي محاولة نقدية لتفكيك وتحليل تلك الخطابات بوصفها رسائل لغوية، وفهما بشريا للنص الديني..
تجديد الخطاب الديني يقتضي مراجعة دائمة وتساؤلا مستمرا، وإعادة بناء تصورات فاعلة في علاقتنا بالكون للخروج من هوة السقوط الحضاري، وهذا لن يتحقق دون النظر في طريقة عمل اللغة، فهي حاملة الوحي المقدس، ووسيلتنا الوحيدة في اكتشاف العلاقة بين الله والإنسان والعالم.
البداية أن نعترف بوجود مشكلة في الخطاب الديني حتى نفكّر في الحل الذي يبدأ من رصد الإشكاليات التي تعوق انطلاق عمليات التجديد، وأهمها قراءة كتب التراث قراءة انتقائية مُردِّدة غير مُناقِشة، وترسيخ الأحادية والتعميم والاختزال وتداخل المفاهيم وغياب المنهجية وضعف التوجه العقلي، فلا بديل عن قبول تعددية تُخرجنا من حالة المساجلة والمغالبة والإقصاء المستمر لخطابات أخرى حاضرة فينا، وإن زعمنا غيابها أو تغييبها بما يستنزف طاقاتنا، ويضعف من محاولات التعايش بيننا.
*هل الخلافة مفهوم شرعي يوجب تطبيقه في عصرنا الحالي علي نفس نموذج الخلافة القديمة ؟
**من ضمن الأسئلة التي درستها في قضية التجديد الديني مثلا هل "الخلافة الإسلامية" نموذج شرعي ديني ثابت توقيفي أنتجه الوحي المقدس يجب استعادته، أم نموذج تاريخي قابل للتطور والتجاوز أنتجه الفعل الإنساني المتأثر بقيمه وبيئته الزمنية والمكانية؟ كيف نفهم النصوص التي استند إليها منظرو الدولة الإسلامية في مشروعهم؟ كيف تحوّلت الخلافة في الوجدان الإسلامي إلى حُلم، وأصبحت أصلا يعود المسلمون للطواف حوله مرارا لا يملكون تجاوزه؟ هل عرف تاريخ المسلمين مثالية؟ وهل على المسلمين أن يعيشوا بين حنين لمثالية مضت؟ ووعد بخلافة آتية آخر الزمان؟ أيُكلف الله الإنسان بإقامة مجتمع الملائكة في الأرض أم أن المجتمع الإنساني في سعي مستمر إلى العدل والمساواة والحرية دون أن يصل إلى المثالية؟ كيف يمكن النقد والمراجعة لسلطة تنطلق من عبارة "الله يحكم"؟ كيف أعترض على تشريع من الحاكم وهو وفق مبدأ الحاكمية مجتهد يكشف مراد الله للأمة بيانًا وشرحًا؟
أليس هذا التصوّر يعطى المجتهد في العلوم الشرعية سلطة دينية ووصاية بوصفه المختص بالتوقيع نيابة عن الله على حدّ تعبير ابن القيم؟ هل يستقيم تركيب مثل "الدولة الإسلامية هي ثيوقراطية (دينية) ديمقراطية”؟ كيف نقاوم ظاهرة التكفير إذا كانت محاولة التفكير والاجتهاد الحرّ متهمة بتعارضها مع مبدأ الحاكمية من منظور دعاة تديين الدولة؟ كيف يكون الإبداع والعقلانية العلمية ومصادر معرفتنا بالدولة منحصرة في استنباط المجتهد لأحكامها؟ لماذا لم تنجح الجماعات الدينية عبر تاريخها في تجاوز مرحلة تفكيك الدولة إلى تقديم نموذج للدولة؟ لماذا لم ينجح العرب خلال القرن الأخير في إحداث تحوّل حضاري؟
حتى متى تعيش الدول العربية حالة القبائل العِرقية أو الجماعات الدينية بقشرة رقيقة ضعيفة اسمها الدولة؟؟ حتى متى يظل استبداد السلطة حزام الأمان الممسك بمجتمعاتنا من التفكك فإذا سقطت تفككت الدول؟
*كيف نقرأ كتب التراث فمازالت العلاقة بين القديم والحديث إحدى الإشكاليات التي تُؤرق العقل المسلم؟
**نحتاج إلى تدريب مستمر على ممارسة القراءة التحليلية النقدية البعيدة عن التعالي أو التبرير أو الدوغما السائدة في جانب كبير من الخطاب الإسلامي؛ وإظهار أوجه التعدد في أقوال القدامى، وأن نتعامل مع نتاجهم بوصفه فهما ظنيا للنصوص ذات الدلالة احتمالية، وأن الباحث القديم أو المعاصر تأثر في قراءة النصوص بثقافة عصره.
أخطر ما وقع فيه الخطاب الإسلامي المعاصر تثبيت المعنى عند فهم بعينه وترويجه كأنه المعنى الوحيد المطابق لمراد الله، مما أعطى للمنتج البشري سلطة الإلهي، فكل منا يقدم قراءته بمعنى فهمه فلا يزعم امتلاك الحقيقة؛ فيُشارك ولا يُقصى، ويُحاور ولا يُصادر، لا نُهدر جهود القدامى كما يريد البعض بل نقتلها بحثا وفهما بوضعها في إطار الدرس النقدي العلمي، نحتاج إلى قراءات من المعاصرين للوحي المقدس لا تلغ المسافة بين ذات المفسِّر المفكِّرة والنص الديني أبرز إشكاليات الخطاب الديني.
*ما أهم القضايا الفكرية حول تجديد الخطاب الديني ؟
**فكرة الدولة الإسلامية، ومتى ظهرت، وكيف اكتسبت معنى دار الإسلام بمفهومها الفقهي، وكيف تحوّلت إلى عنوان لمشروع استعادة الخلافة الإسلامية، وتديين الدولة المعاصرة، ثم عاد إلى جذور تديين الفكر الإنساني حول الدولة، ومظاهر تديين الدولة في خطاب فصائل الحركة الأصولية.
وناقشت في كتابي الجديد "باب الله الخطاب الديني بين شقي رحى " الأفكار التأسيسيّة في خطاب الجماعات وكشف اتفاقها في بنية أفكارها وإن تفاوتت في درجات الإعلان والخفاء ومرحلية الوسائل وحِدَّة الخطاب، وتوقف عند الإشكاليات المعقّدة التي خلفها خطاب فصائل الحركة الأصولية على الثقافة العامة، وفي مقدمتها ضياع غاية الرسالة الإسلامية القائمة على تكليف الله للإنسان في الأرض، كما تناول الكتاب أبرز الإشكاليات في الخطاب الديني الرسمي التي تعوق انطلاق عمليات التجديد، وأخيرا علاقة الدين بالدولة في فكر الأستاذ محمد عبده.
*كتاب باب الله لماذا هذا العنوان ولماذا في هذا التوقيت؟
**باب الله إشارة إلى الخطابات الإسلامية المتنازعة حول أحقيتها بالتمثيل الحصري للإسلام، فكل جماعة إسلامية تجعل من نفسها "باب الله" لمن قصد دينه، فهمها للإسلام هو الإسلام، وتنظيمها هو طوق النجاة، وطريقها سبيل الله الذي أمر باتباعه، فضاع في خطابهم الفاصل بين الجماعة والإسلام، وبين الأداة والغاية، فيصف خطابهم: أي خصومة مع الجماعة بأنها: "خصومة مع الإسلام"، ويتحدثون عن ترك الجماعة بأنه ترك للدعوة الإسلامية، فالدعوة والتنظيم شيء واحد لا ينفصل، فباتت الوسيلة إلى الفكرة لا تنفصل عنها، وتجمد الجميع عند نقطة واحدة لا يمكنهم أن يتخلوا عنها قيد أُنملة، الجماعة - كوسيلة واجبة - لها قداسة الفكرة الدعوية الإسلامية التي ندعو إليها، فوقعوا في دينية عاش المسلمون ينفونها عن الإسلام لقرون في مناقشاتهم لعلاقة الدولة بالإسلام، ومثل هذا الخطاب من الجماعات لم يغتل المخالف فحسب، بل اغتال الدين، وهدمه في نفوس العامة حين حوَّل التنافس السياسي إلى معركة دينية وجودية، انتصارهم يمثل انتصارا للإسلام، وخسارتهم تمثل هزيمة للإسلام.
الكتاب في هذا التوقيت لأننا في حاجة إلى إعادة الإنسان مرة أخرى؛ ليكون فاعلا في بناء دولته، فليس الله المكلف من الإنسان لتقديم التفاصيل ومواكبة التطورات ومواجهة متغيرات الحاضر واستشراف آفاق المستقبل والعمل لها، بل الإنسان هو المكلف بذلك ولن يمكنه تحقيق تلك الانطلاقة دون تفكيك أفكار منظّري الدولة الإسلامية التي تزعم التأسيس النصي المقدّس لطرحها، ووضع هذا الطرح إلى سياقه كفعل تاريخي في إطار الزمني النسبي.
*ما مؤلفاتك القادمة والتي سوف تعالج فيها أفكار جماعات التشدد؟
**كتاب: "حوار الجد والحفيد" أقدم فيه حوارا بين زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري وجدّه لأمه السفير المتصوف الأديب عبد الوهاب عزام، بما يمنح القارئ فرصة الاستماع إلى صوت أحد أبناء الحركة الإسلامية ونواتها الصلبة الطليعة المجاهدة - كما اختار أن يُسمي نفسه- في مقابل صوت أحد أبناء المدرسة الإصلاحية، ويجمع الكتابة بين التاريخ والفكر، فيُؤرخ لأحداث مسكوت عنها يراها البعض افتراءات وأوهام لا وجود لها، في الوقت الذي سجّلها صانعوها من أبناء جماعات التمايز بالإسلام الصحيح عن المسلمين بوصفها إنجازات، كما يُسلّط الكتاب الضوء على المنطلقات والغايات التي جمعت بين فصائل الحركة الإسلامية من جماعات العمل السياسي والعمل المسلّح.
من ناحية أخرى يحاول الكاتب التفكير مع القارئ في سرّ الإخفاق الحضاري الذي نعيشه منذ قرون؛ بمناقشة عشرات الأسئلة التي تؤرق أبناء الحركة الأصولية والمتعاطفين معها بدافع من خوفهم على ضياع الهوية الدينية، وعشرات الأسئلة التي يُثيرها الإصلاحيون بدافع من شعورهم بالقلق الحضاري، الكتاب يقترب من الأفكار والمفاهيم الشائكة في تصورات كلا الجانبين في لغة قريبة تُمكن القارئ من التفاعل مع الحوار الفكري الدائر على صفحات الكتاب.