طل علينا أحد كبار الأطباء المصريين مؤخرا بتصريح أرى أنه جانبه الصواب حين قال إن المرض النفسى لا يصيب مؤمنا و

الأرض,الصحة,الأطباء

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
حسام فوزى جبر يكتب: المرض النفسى ابتلاء واجب الدعم

حسام فوزى جبر يكتب: المرض النفسى ابتلاء واجب الدعم

طل علينا أحد كبار الأطباء المصريين مؤخرًا بتصريح أرى أنه جانبه الصواب حين قال إن المرض النفسى لا يصيب مؤمنًا وإن المتدين لا يقلق ومن ثم لا يُصاب بالاكتئاب أو ما شابه، مؤكدًا أن الشخص المؤمن أقل عرضة للإصابة بالمرض النفسى وأن القريب من ربنا بعيد عن الأمراض النفسية رابطًا ربطًا غير مبرر بين الأمراض النفسية وبين كونك مؤمنا أو غير مؤمن، وهو ربط مرفوض ودعوة لترك الطب والجرى وراء ما يسمى بـ"الدروشة" وصولًا للدجالين ممن يسمون أنفسهم معالجين بالقرآن والله والقرآن منهم براء. ماذا‏ ‏سيكون‏ ‏شعورك‏ ‏إذا‏ ‏وجه لك‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏ ‏القاسى أنك بعيدًا عن الله لأنه قد أصابك مرض نفسى؟ ‏وماذا‏ ‏سيكون‏ ‏شعورك‏ ‏وإحساسك‏؟ ‏لو‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏ ‏وجه‏ ‏لك‏ ‏من‏ ‏أحد‏ ‏زملائك‏ ‏أو‏ أصدقائك ‏المقربين ‏وماذا‏ ‏عن‏ ‏مشاعرك‏ ‏ورد‏ ‏فعلك‏ وكيف لأحدٍ منا إن - لا قدر الله - أصابه مرض نفسى أن ينعت نفسه بالبعيد عن الله - والعياذ بالله - ورغم أن قول النبى فاصل فى هذا الأمر عندما قال (إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإن اللهَ – عز وجل - إذا أَحَبَّ قومًا ابتلاهم ؛ فمن رَضِيَ فله الرِّضَى، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ ). إلا أننا وجدنا من يوافق قول هذا الطبيب - بكل أسف - على الرغم من أن المرض النفسى شأنه شأن المرض العضوى لا يفرق بين المؤمن وغير المؤمن وغالبًا ما يكون خللا كيميائيا أو ربما جينيا. و‏طبيعة‏ ‏الإنسان‏ ‏وسلوكه‏ ‏يخضعان‏ ‏لعدة‏ ‏عوامل‏ ‏بيئية‏ ‏واجتماعية‏ ‏تساهم‏ ‏فى ‏تكوين‏ ‏شخصيته‏ وتحديد ‏سلوكياته‏. منها‏ ‏عوامل‏ ‏وراثية‏ ‏وتربوية‏ ‏واجتماعية ‏تؤثر‏ ‏وتتأثر‏ ‏بالمحيط‏ ‏الاجتماعى ‏والبيئى ‏الذى ‏يولد‏ ويترعر ‏فيه‏ ‏الشخص‏ ودور الإيمان قد يكمن فى المساعدة على التكيف والاستشفاء وهو طاعة لأمر الله ورسوله أيضًا فقد قال النبى الخاتم (تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء). وهنا دليل دامغ لا مجال للشك أنه طالما للداء دواء فعلينا أن نأتيه مستعينين بالله معتمدين عليه لا واصفين المرضى بأنهم بعيدون عن الله وهو فى أشد الحاجة للدعم النفسى بالقرب منه سبحانه وتعالى ثم بدعم المحيطين به لتجاوز المحنة والمرض. علينا دعم كل مريض وجعل أملنا وأمله فى الله وحده لا أن نحمله تهمة وصفة أنه بعيد عن الله لمجرد أنه أُصيب بمرض فكم من أنبياء وأولياء ومقربين من الله أصابهم أمراض كفارة للذنوب ورافعة للدرجات، ولا شك أن المؤمن الحريص على الطاعة هو من أسعد الناس وأرضاهم بأقدار الله تعالى فإذا أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له فهو يستقبل الابتلاء بانشراح صدر. وهذا هو جوهر الفرق بين المؤمن وغيره فنفس المؤمن نفس راضية مُنشرحة وحياته طيبة وادعة هادئة.. صحيح أنه قد يصاب بغم أو هم لأمر ما، لكن ليس هذا دينه وليست هذه حياته فهذه هى الحياة الطيبة التى وعد الله المؤمنين بها فى الدنيا والتى يجدون لذتها العظمى فى الآخرة لكن لا علاقة بالإيمان والدين بالمرض النفسى. أعتقد‏ ‏أن ‏كلمات‏ الطبيب كانت غير مدروسة وصعبة جدًا بل وكفيلة بأن تدمر إنسانا خصوصًا أن من يقولها هو‏ ‏أكبر الأطباء فى مجاله ولكنه أراد - والعلم عند الله - أن يظهر فى ترند جديد ربما يسعى لشهرة فوق شهرته أو لزيادة أسعار كشفه المرتفعة جدًا وضغط وزحام جديد على عيادته التى هى حلم للكثيرين من المرضى أن يصلوا إليها ويحصلوا على موعد للكشف فيها حتى عن طريق أحد مساعديه. فتعرضنا‏ ‏للضغوط‏ ‏أمر‏ ‏حتمى ‏ما‏ ‏دمنا‏ ‏نحيا‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الحياة‏ ‏ولا‏ ‏يوجد‏ ‏إنسان‏ ‏على ‏وجه‏ ‏الأرض‏ ‏لا‏ ‏يقابل‏ ‏متاعب‏ ‏ومضايقات‏ ‏لكن‏ ‏مواجهة‏ ‏تلك‏ ‏المتاعب‏ ‏تختلف‏ ‏من‏ ‏شخص‏ ‏لآخر‏ ‏والصلابة‏ ‏النفسية‏ ‏هى ‏تقبل‏ ‏الفرد‏ ‏للضغوط‏ ‏النفسية‏ ‏التى ‏يتعرض‏ ‏لها‏ ‏بثبات‏ ‏وتحويل‏ ‏ذلك‏ ‏لطاقة‏ ‏تحفيزية‏ ‏وأصحاب‏ الصلابة ‏النفسية‏ ‏المستعينين بالله دائمًا يملكون التحدى لذا تجدهم يحولون الضغوط والمتاعب لفرص نجاح وتميز ومنهم بكل أسف من لا يمكنه المواجهة ربما لمرض عضوى أظهرته هذه الضغوط فعلينا فورًا علاجه عن طريق الأطباء المتخصصين ودعمه معنويًا وتشجيعه على السير للأمام فى رحلة العلاج مستعينًا بالله ثم كل شيء فى سبيل العلاج والخروج سريعًا من الأزمة التى قد نواجهها جميعًا فنصاب نحن أو أحد أفراد عائلتنا بمرض نفسى وذلك بدلًا من إلصاق تهمة البعد عن الله به لمجرد أنه أُصيب بمرض نفسى. ومن جديد أؤكد لك عزيزى القارئ أن المرض النفسى مرض عضوى كأى نوع من أنواع الأمراض العضوية لا يفرق بين المؤمن وغير المؤمن، ويبقى للمؤمن الاستعانة بالله ثم المتخصصين والصبر على هذا البلاء للخروج منه بأكبر المكاسب وهى رضا الله سبحانه وتعالى وهذه هى غاية كل مؤمن (صاحب أى دين سماوى) فيكون قد استفاد أكبر وأشمل أنواع الاستفادة فى الدنيا والآخرة له ولأهله وأقربائه وأصدقائه بل ودعونى هنا أذكركم بهذا الحديث القدسى الذى علمنا إياه نبينا الخاتم من علم الله سبحانه:"يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني، قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده، يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب، كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب، كيف أسقيك، وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي". المرض بكل أنواعه وإن كان صعبًا فهو فرصة للجميع للقرب من الله والفوز برضاه سبحانه. والمعروف أن رحلة الإنسان بدأت منذ الأزل وحتى قيام الساعة وهو يترنح بين الخير والشر  بين الفضيلة والخطية، بين ‏الطاعة‏ ‏والمعصية‏، ‏بين‏ ‏الثواب‏ ‏والعقاب،‏ بين الصحة والمرض. الصراع‏ ‏بين‏ ‏الخير‏ ‏والشر‏ ‏قائم‏ ‏منذ‏ ‏الأزل‏ ‏ومستمر‏ ‏ولن‏ ‏يستطيع‏ ‏أحد‏ ‏القضاء‏ ‏عليه‏ ‏فمنذ‏ ‏أن‏ ‏وجد الإنسان ‏على ‏الأرض‏ ‏وجدت‏ ‏معه‏ ‏قوتان‏ ‏هما‏ ‏الخير‏ ‏والشر‏ ‏وهما‏ ‏أساس‏ ‏تكوين‏ ‏الطبيعة‏ ‏البشرية‏ ‏ما بين طاعة‏ ‏الله‏ ‏والسير‏ ‏إليه سبحانه ‏وبين‏ ‏المعصية‏ ‏والبعد‏ ‏عن‏ ‏الله. فالإنسان ‏يُولد‏ ‏بالفطرة‏ ‏على ‏الخير‏ ويتأثر بالظروف‏ والمواقف والكلمات والرسائل التى يتعرض لها ‏‏فيتبلور‏ ‏تأثيرها‏ ‏فى ‏حياته‏ ‏وسلوكياته‏ وقوة‏ ‏الخير‏ ‏تعود‏ ‏دائمًا‏ ‏إلى ‏الله ‏أما‏ ‏الشر‏ ‏فهى قوة شيطانية‏ - والعياذ بالله - ‏و‏جميع‏ ‏الأديان‏ تؤكد ‏أن‏ ‏الابتلاء يكون لاختبار البشر على الأرض ومقياس ثباتهم دينيًا وأخلاقيًا ‏ومدى ‏قربهم‏ ‏أو‏ ‏بعدهم‏ ‏عن‏ ‏الله. وإن كان المرض ابتلاء فالمرض النفسى هو من أشد أنواع الابتلاء نحتاج جميعًا أن نتكاتف مع هذا المُبتلى وأهله ودعمه للخروج من أزمته لا وصفه بما لا يليق به وتحميله ما لا يطيق فدعم المريض النفسى بالحسنى والرفق واللين واجب على الجميع.